دعوات إلى التظاهر اليوم في السودان: الحكومة تهدّد وتلوّح باتفاق السلام

دعوات إلى التظاهر اليوم في السودان: الحكومة تهدّد وتلوّح باتفاق السلام

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٦ مايو ٢٠١٩

لا تُخفي حكومة جنوب السودان خشيتها من دعوات إلى إسقاطها بالتظاهر اليوم، تتشابه في الشكل والشعارات مع تلك المستمرة في السودان، ما يضع اتفاق السلام أمام تحدي صمود جديد، يبدو الشعب هذه المرة زاهداً فيه
خلفت دعوات التظاهر والخروج إلى الشارع للمطالبة بإسقاط حكومة جنوب السودان، بقيادة الرئيس سلفاكير ميارديت، التي أطلقها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي قبل أسبوع، حالة من الذعر والارتباك لدى الحكومة التي استبقت التظاهرة المحددة صباح اليوم بنشر قوة عسكرية كبيرة من الشرطة والجيش والأمن في شوارع العاصمة جوبا، خشية من تكرار سيناريو الثورة السودانية التي أطاحت الرئيس عمر البشير بعد ثلاثة عقود من الحكم.
واختار منظمو التظاهرة ضريح مؤسس «الحركة الشعبية» (الحزب الحاكم)، جون قرنق، موقعاً للتجمع، وحددت 16 أيار/ مايو لدلالاته التاريخية، إذ يصادف ذكرى اندلاع الثورة التي قادها قرنق ضد الحكومة السودانية عام 1983. وطالبت المجموعة بالعمل من أجل إسقاط حكومة سلفاكير، التي يتهمونها بالفشل في إدارة شؤون البلاد، وتشجيع القبلية والانقسام. وتنشط تلك المجموعات التي تتبنى دعوات التظاهر على صفحة «القوى الجنوبية للتغيير» في «فايسبوك» (تضم 38 ألف عضو)، وصفحة أخرى باللغة الإنكليزية باسم «حركة البطاقة الحمراء» التي تصل عضويتها إلى 20 ألف شخص، وقد قدم مغنون شباب أغنيات تطالب بإسقاط النظام الحاكم عبر الخروج إلى الشارع بصورة سلمية.
وأوضح ماندي سفرينو، وهو شاب ناشط داعم للتظاهرة، مقيم في العاصمة المصرية القاهرة، في حديث إلى «الأخبار»، أنهم أعلنوا الدعوة عبر صفحة «البطاقة الحمراء» لتحريض الشارع الجنوبي على الخروج لإسقاط الحكومة التي فقدت شرعيتها الانتخابية منذ 2012، وباتت تحكم البلاد باتفاقات السلام. وأضاف سفرينو: «حتى الآن، لم ننظم أنفسنا تحت مظلة واحدة، طالبنا فقط المواطنين بالخروج ضد الحكومة، باعتبار أن التظاهر السلمي حق مكفول في الدستور، ونتوقع أن تجد دعوتنا استجابة من بعض الشباب والمواطنين». وحتى الآن، لم تعلن تلك الجماعات المنظمة للتظاهرات أي كيان أو تنظيم أو شخوص لها داخل البلاد، وتبدو دعواتها استنساخاً لتجربة الثورة السودانية في الشعارات. إذ تُرجم الشعار الرئيسي للثورة السودانية «تسقط بس»، ليصبح شعارهم «كدي واقا بس»، وفق عربيّة جوبا.
وفي أول رد فعل على تلك الدعوات، حذرت السلطات الناشطين من مغبة الخروج إلى الشارع. وفي تصريحات لـ«الأخبار»، توجه المتحدث الرسمي باسم الحكومة، وزير الإعلام، مايكل مكوي لويث، إلى الشباب بالقول: «أنصح الشباب بألّا ينساقوا وراء السراب. فعلى أي شخص يفكر في الخروج إلى الشارع (اليوم) أن يتحمل عواقب ذلك، فما حدث في الخرطوم لا يُمكن استيراده إلى جوبا»، في إشارة إلى استمرار المتظاهرين في ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة بعد إطاحة البشير، مؤكداً «التزام الحكومة تنفيذ كافة بنود اتفاق السلام». كذلك، هدد المتحدث باسم الشرطة، دانيال جاستن، باللجوء إلى استخدام القوة في التعامل مع أي تظاهرات، مشيراً إلى أنّ القانون يُعطي الشرطة صلاحيات لاستخدام القوة لمواجهة كل شخص يخرج بطريقة غير قانونية. وقال جاستن لـ«الأخبار»، إن قواته تعمل حالياً «على تمشيط شوارع العصمة جوبا لإظهار هيبة الدولة، وتأكيداً لفرض القانون».
وفي محاولتها لإبعاد شبهة الوقوف خلف دعوات التظاهر، طالبت المعارضة المسلحة الموالية لزعيم المتمردين، ريك مشار، الموقعة على اتفاق السلام مع الحكومة، الشباب بالالتفاف حول الاتفاقية، والعمل على دعم تنفيذ بنودها على أرض الواقع بدلاً من التحريض على الخروج إلى الشارع. وقال المتحدث باسم المعارضة، مبيور قرنق، في بيان وصلت إلى «الأخبار» نسخة عنه: «يجب على الشباب تحويل دعوات التظاهر تلك إلى حملة تعبئة وطنية تطالب بتنفيذ بنود اتفاق السلام الذي يخشاه النظام كثيراً بدلاً من الإقدام على تلك الخطوة الانتحارية». أيضاً، أعلن رئيس «حركة جنوب السودان للتغيير»، الموقعة على اتفاق السلام، بنغازيجوزيف بكاسورو، رفضه دعوات التظاهر، قائلاً لـ«الأخبار»، إن «الوقت غير مناسب لأي احتجاجات مناهضة للنظام في جوبا، لأن الأطراف تعمل على تنفيذ بنود السلام». وطالب بكاسورو الشباب بـ«عدم استنساخ تجربة الانتفاضة السودانية. فالسودان له قضاياه التي تختلف عن قضايا جنوب السودان، مشكلاتنا تُحلّ بالسلام وليس بالتظاهرات».
في المقابل، رأى «الحزب الشيوعي» في جنوب السودان أن مطالب الشباب ودعواتهم إلى التظاهر لا تتعارض مع «السلام»، داعياً الحكومة إلى مناقشة القضايا بوسائل ديموقراطية وسلمية. وطالب عضو اللجنة المركزية للحزب، إسماعيل سليمان، في حديث إلى «الأخبار»، الحكومة، بـ«سحب القوات الأمنية إلى الثكنات، وفتح حوار مع الشباب»، معتبراً أن «استخدام أسلوب القمع والترهيب قد تجاوزه الزمن، لأن الشباب أكدوا التزامهم سلمية التظاهرة».
وبرغم حالة الخوف والتوجس التي ارتسمت في الشارع، فإن دعوات التظاهر السلمي وجدت استجابة كبيرة وسط الشباب على مواقع التواصل، كما خلقت لأول مرة نقاشات جديدة في مجالس المدينة والأحياء الشعبية حول فرص التغيير الممكنة عبر الانتفاضة السلمية التي نجحت في إطاحة نظام البشير، رغم امتلاكه وسائل القوة العسكرية. وأكدت دعوات التظاهر زهد الشارع في إمكانية أن يقود اتفاق السلام إلى أي تغيير حقيقي في البلاد.