تيريزا ماي... الرئيسة التي هزمها «بريكست»

تيريزا ماي... الرئيسة التي هزمها «بريكست»

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٥ مايو ٢٠١٩

أمس، أعلنت تيريزا ماي استقالتها، واضعة حدّاً لثلاث سنوات عجاف، عاشتها هي وحزب «المحافظين» وبريطانيا ككل. ولكن قبل ذلك، كانت لماي حياة سياسية حافلة وناجحة، تسبّبت هفواتها وقراراتها الأخيرة بتحويلها إلى «إرث من الفشل»
 
«سيجري تذكّر تيريزا ماي في النهاية على أنها رئيسة الحكومة التي هزمها بريكست». بهذه العبارة علّقت صحيفة «ذي غارديان» على وضع ماي حدّاً لمعاناتها أمام قيادات حزبها ومجلس العموم والاتحاد الأوروبي، بعد أشهر على جهودها في سبيل إمرار صفقتها للخروج من التكتّل. «لم أتمكّن من تسليم البريكست»، قالت في خطابها العاطفي الذي ألقته، أمس، على بعد خطوات من مبنى «داونينغ ستريت»، مُذعنةً لواقع كانت تعانده منذ فترة. «لقد بذلت قصارى جهدي»، أضافت، معترفة في الوقت ذاته بأن ذلك لم يكن كافياً.
ثلاث سنوات عجاف قضتها ماي في رئاسة الحكومة، كانت كافية لتمحو حياة سياسية ناجحة وحافلة بالإنجازات، في مختلف المناصب التي تبوّأتها. انتُخبت عضواً في البرلمان عن مقاطعة ميدنهاد عام 1997. وهي، منذ ذلك الحين، تتنقّل من منصب إلى آخر في البرلمان وخارجه. كانت عضواً في حكومة الظل من عام 1999 إلى عام 2010. ومن عام 2002 إلى عام 2003، كانت المرأة الأولى التي تترأس حزب «المحافظين».
نقطة التحوّل في حياتها السياسية برزت عام 2002، أثناء خدمتها كرئيسة لحزب «المحافظين»، حينما خاطبت أعضاء الحزب في مؤتمره السنوي. كان «المحافظون» خارج السلطة لمدة خمس سنوات، في ظلّ فوز حزب «العمّال» مُمثَّلاً بتوني بلير برئاسة الحكومة. «قاعدتنا ضيقة جداً. أنتم تعرفون ماذا يسمّينا البعض: الحزب السيئ»، قالت ماي خلال ذلك المؤتمر، لتمهّد بخطابها الطريق أمام حقبة جديدة. في عام 2005، انتخب الحزب ديفيد كاميرون قائداً. عرف هذا الأخير أهمية دعم ماي، فجَعَلها حليفة قريبة منه. وجنباً إلى جنب، مع أعضاء آخرين في الحزب، أشرف على التحديث الشامل لـ«المحافظين». أصبح كاميرون رئيساً لحكومة ائتلافية مع الديموقراطيين الليبراليين من يسار الوسط عام 2010. ومرة أخرى، وسط إدراكه أهمية ماي واستقطابها للأعضاء الأكثر محافظة في قاعدة الحزب، جعلها وزيرة للداخلية. كانت هذه الأخيرة تُعتبر دائماً واحداً من أقوى أعضاء مجلس الوزراء. وبناءً على هذا الاعتبار، اختيرت لقيادة الحزب في فترة «بريكست». وبناءً عليه أيضاً، اختارها أعضاؤه لتصبح رئيسة للحكومة في آذار/ مارس 2016. ولكن منذ ذلك الوقت، تراجع أداء ماي و«المحافظين». وأدى سوء إدارة «المحافظين»، وسوء تحكّم الحزب بـ«بريكست»، إلى إذلال إحدى أقدم وأبرز المنظمات البريطانية السياسية، حتى وصل الأمر بالبعض إلى حدّ التأكيد أن «إرث ماي» سيُرسم عبر الخسارات، والإذلال العام، والخطأ الكارثي في الحسابات.
بدأ هذا الخطأ يظهر على العلن قبل شهر من الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، عندما كانت ماي تخوض حملة من أجل بقاء بريطانيا في التكتّل. «أظن بأن الحجج الاقتصادية واضحة. أعتقد بأن كوننا جزءاً من كتلة تجارية يبلغ عدد سكانها 500 مليون نسمة أمر مهم بالنسبة إلينا. وأعتقد بأن إحدى المسائل هي أن الكثير من الناس يستثمرون هنا في المملكة المتحدة لأنها في الاتحاد الأوروبي»، قالت ماي أمام «غولدمان ساكس». يومها، بدا من الواضح أنها تعرف القليل عمّا سيكون لاستفتاء الخروج من تأثير على مستقبلها. لقد فتح هذا التصويت باب «داونينغ ستريت» أمامها، بعدما أعلن كاميرون استقالته. لكنه كان، في الوقت نفسه، العامل الذي حدّد خطوط رئاستها وسيطر عليها ودمّرها!
بعد فوزها بالسباق لخلافة كاميرون رئيسةً للحكومة، كان شعار ماي هو «بريكست يعني بريكست»، في إشارة إلى إصرارها على احترام نتائج الاستفتاء. أطلقت العملية الرسمية لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في آذار/ مارس 2017. ولكن بعد ذلك بشهر واحد، اقترفت خطأ حسابياً جديداً، بإعلانها عن انتخابات مفاجئة تهدف إلى مساعدة حزبها الحاكم على الاستفادة من تصنيفات استطلاع جيدة. جاءت نتائج هذه الانتخابات عكسية وكارثية، ذلك أن حزبها خسر غالبيته في البرلمان. خسارةٌ ستضرب قدرة ماي لاحقاً على الحصول على صفقتها لـ«بريكست».
خلال حملتها الانتخابية، كرّرت ماي شعارها عن أنها هي وحدها القادرة على تأمين «قيادة قوية ومستقرة» من أجل تخطّي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولكن عندما أعلنت خطتها لـ«بريكست»، ترك عدد كبير من الوزراء الحكومة اعتراضاً على ما وصفوه بـ«اتفاق تنازل لا يلبّي نتائج الاستفتاء». عنى ذلك يومها أنها بدأت بالظهور بمظهر منعزل في الداخل، كما كانت أثناء قمة الاتحاد الأوروبي، حين لم يكن هناك من تتحدّث معه، لتلي ذلك هزائم مدوية ومتتالية داخل أروقة البرلمان، تمثّلت برفض اتفاقها للخروج عندما عُرض أمام مجلس العموم في كانون الثاني/ يناير 2019، ومن ثم رفضه للمرة الثانية في منتصف آذار/ مارس، ولاحقاً لمرة ثالثة في الـ 29 من الشهر نفسه، أي في اليوم الذي كان من المفروض أن تخرج فيه بريطانيا من التكتّل.
أخيراً، في جلسة الثلاثاء الماضي في مجلس العموم، رفض النواب اتفاق الانفصال الجديد، واضعين المزيد من الضغوط على قيادتها، لتنهي تيريزا ماي مرارتها، أمس، بالدموع، مُحوّلة شعار «بريكست يعني بريكست» إلى «لم أتمكّن من تسليم بريكست».