"ناشيونال إنترست": عصر الهيمنة والقوة الأمريكية في العالم يقترب من نهايته

"ناشيونال إنترست": عصر الهيمنة والقوة الأمريكية في العالم يقترب من نهايته

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٣٠ مايو ٢٠١٩

 أكد الكاتب الامريكي "بيتر هاريس" في مقاله الذي نشرته مجلة "ناشيونال إنترست" قبل عدة أيام، أن معظم خبراء السياسة الدولية يعتقدون أن قوة أمريكا في العالم آخذة في الانخفاض والزوال. يذكر أن "هاريس" يعمل أيضا كأستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة "كولورادو ستيت" الامريكية وفي سياق متصل ذكر "هاريس" أنه سواء كان الخبراء يعزون ذلك الزوال إلى خلل تعاني منه الولايات المتحدة في داخلها أو إلى بروز الصين والقوى الصاعدة الأخرى فإن المراقبين يميلون للاعتقاد بأن "عهد القطب الواحد" ستفسح المجال لنظام عالمي تسود فيه أكثر من قوة كبرى وأشار الكاتب في مقدمة مقاله الذي جاء تحت عنوان "متى ينتهي عهد عالم القطب الواحد ؟" إلى أنه ما من أحد يعرف على وجه اليقين متى سيزول عالم القطب الواحد، وما مقدار الوقت الذي ستستغرقه قوة عالمية أخرى لتصل إلى مستوى الولايات المتحدة أو تضاهيها من حيث القوة والنفوذ؟
وفي السياق نفسه، استدرك هذا الكاتب والاستاذ الجامعي الامريكي قائلاً إن العالم الأحادي القطب ليس أحد إفرازات الإنفاق العسكري فحسب، بل يحدده كذلك التوزيع الجغرافي للسلطة والنفوذ. وأشار "هاريس" إلى أن القوة العسكرية والقدرة الاقتصادية ساعدتا للولايات المتحدة على تحمل أعباء التزاماتها الرئيسية في العالم، ولكن ما منحها صفة الدولة المهيمنة ليست القوة المادية، بل هو انتشار جيشها في العديد من نقاط العالم وسطوتها السياسية على الكثير من الدول.
من جهة أخرى، ذكر "هاريس" في مقاله أنه لفهم أفضل لأهمية الركائز الجيوسياسية التي يستند إليها " عهد القطب الواحد"، فإنه من المفيد معرفة كيفية نهوض نظام القطب الواحد من ركام النظام الثنائي القطب الذي اتسمت به حقبة الحرب الباردة. وحول هذا السياق، تسائل "هاريس" وقال، ما الذي تسبب في زوال نظام ثنائي القطب؟ هل كان السبب هو انسحاب الاتحاد السوفياتي من شرق أوروبا، أم انهيار دولة الاتحاد السوفياتي كلياً، أم تفكك حلف وارسو، أو التحول في توجهات وأولويات القادة السوفيات ومن بعدهم الروس، أم شيء آخر؟ وهنا ينقل "هاريس" عن العالم السياسي "هاريسون واغنر"، القول إن مصطلح ثنائي القطب لم يكن المقصود به مجرد وجود قوتين عظميين في السياسة العالمية، أو حجم ترسانتيهما النوويتين، أو عدد الحلفاء الذين يتباهى كل منهما بهم. ولفت "هاريس" إلى أن السمة المميزة لمبدأ توزيع السلطة في حقبة الحرب الباردة بحسب ما قاله العالم السياسي "واغنر" تمثلت في أن دولة واحدة هي الاتحاد السوفياتي احتلت في زمن السلم مكانة لم تتمكن الدول في الماضي أن تبلغها إلا بعد سلسلة من الانتصارات العسكرية.
الحرب الباردة ونهاية نظام ثنائي القطب
لقد كان النظام ثنائي القطب إبان الحرب الباردة صراعا مستمرا شنته كتلة الدول الغربية من أجل الخلاص من الهيمنة السوفياتية المطلقة على مناطق جغرافية بعينها، وتحديدا في أوروبا وشرق آسيا. يذكر أن العالم شهد عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية انقساما كبيرا بين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة. واشتد الصراع بينهما سمي ذلك بالحرب الباردة أو نظام القطبية الثنائية، وامتدت خلال الفترة الممتدة بين 1947 و1989، مرت من مراحل عدة منها مرحلة الحرب الباردة الأولى ومرحلة التعايش السلمي وانتهت بحرب باردة ثانية والتي انتهت بانهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي وانفراد الأمريكيين بقيادة العالم في مرحلة سميت بنظام القطبية الواحدة أو النظام العالمي الجديد. وحول هذا السياق، يقول هذا الكاتب والاستاذ الجامعي الامريكي أن عصر الثنائية القطبية انتهى عندما لم تعد موسكو تشكل تهديدا لأمن تلك المناطق نظرا للتحولات التي حدثت داخل الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت.
وأضاف الكاتب، إذا كان نظام القطبين في حقبة الحرب الباردة قد تميز بالتنافس على السيادة في أوروبا وشرق آسيا، ولقد توقف هذا التنافس عندما لم يعد الاتحاد السوفياتي يهدد تلك المناطق، فإن نظام القطب الواحد الذي جاء بعده يتألف هو الآخر من مجموعة من الظروف الجيوسياسية وفي هذا السياق، أكد "هاريس" إنه لو اعتبرنا أن النظام أحادي القطب شكلا من أشكال الجغرافيا السياسية، فلربما قد يساعدنا هذا الشيء في معرفة متى ستكتب نهاية هذا العالم الاحادي القطب، فمثلما انتهى نظام القطبين بسحب الاتحاد السوفياتي قواته من أوروبا الشرقية وخفض وجوده العسكري في شرق آسيا فإن عالم القطب الواحد سينهار هو الآخر عندما لا تعود المؤسسة العسكرية الأميركية قادرة على بسط هيمنتها على خاصرتين مهمتين في منطقة أوراسيا، هما شبه الجزيرة الأوروبية والبلدان البحرية الواقعة في شرق آسيا.
وفي مقاله هذا يخلص الكاتب والاستاذ الجامعي الامريكي إلى أن عالم القطب الواحد لن ينتهي إلا عندما تخسر الولايات المتحدة فعليا وضعها كقوة مهيمنة تقريبا في أوروبا أو شرق آسيا. ويشير هذا الكاتب في مقاله، إلى أنه لن يكون كافيا للصين أو روسيا التفوق على الولايات المتحدة على الورق، إذ يتعين أن تنقلب الظرف الجيوسياسية على الأرض رأسا على عقب، ولعل أحد السبل لتحقيق ذلك هو أن يمارس خصوم الولايات المتحدة الدوليون ضغوطا عليها وأما السبيل الآخر فهو أن تخفض الولايات المتحدة من إنفاقها الداخلي والعسكري، ولعل ما تنبأ به المعلق السياسي الأميركي "تشارلز كروثامر" أن عالم القطب الواحد قد يزول في ظل وجود قوى انعزالية داخل الولايات المتحدة تدفع نحو وضع حد لارتباطات واشنطن الخارجية.
وفي نهاية هذا المقال، يقول "هاريس" إن عهد القطب الواحد لم ينتهي بعد رغم أن أفوله بات وشيكا ويختم الكاتب "هاريس" بالتشديد على أن السؤال المهم الذي يطرحه محللو السياسة الخارجية اليوم لا يتعلق بأي نوع من النظام العالمي سيظهر في المستقبل القريب ، بل بالمدة الزمنية التي سيستغرقها نظام القطب الواحد قبل أن ينهار.