هل خاطرت ايران باستهداف الطائرة الاميركية ولماذا ألغى ترامب ضربته العسكرية؟

هل خاطرت ايران باستهداف الطائرة الاميركية ولماذا ألغى ترامب ضربته العسكرية؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢٥ يونيو ٢٠١٩

لم يكن احد من المتابعين الجديين لمسار الاشتباك الحساس بين الايرانين والاميركيين، والناتج عن اسقاط وحدات جوفضائية ايرانية طائرة الاستطلاع الاميركية “غلوبال هاوك” في الخليج فوق المياه الاقليمة الايرانية، يتنظر ان يتنهي هذا الاشتباك من دون رد اميركي على اهداف ايرانية، وعلى الاقل على نقاط اطلاق صورايخ ( 3 خرداد ) التي استهدفت بنجاح الطائرة الاكثر تطورا في العالم، وما حدث من انسحاب رئاسي اميركي في اللحظة الاخيرة من اتخاذ القرار بالاستهداف، فاجأ الجميع بما فيهم الايرانيين، فهل اخطأت ايران بالاساس باستهداف الطائرة الاميركية؟ ولماذا تراجع ترامب عن توجيه ضربة عسكرية لها؟.
مبدئيا، من الطبيعي ان تأخذ ايران بعين الاعتبار حتمية حصول ردة فعل اميركية عنيفة على استهداف وحداتها طائرة ” غلوبال هاوك ” الاميركية، لان هذا الامر، وبمعزل عن ابعاده المختلفة، يعتبر تحديا ايرانيا متقدما للولايات المتحدة الاميركبة، خاصة في ظل الاشتباك الواسع بين الطرفين على كافة الصعد، ولكنها لم تخطأ طبعا في ذلك انما اضطرت لاتخاذ قرار الاستهداف للاسباب التالية:
اولا، دخول طائرة التجسس الى الاجواء الايرانية فوق مياهها الاقليمية لا يمكن تجاوزه والسكوت عنه، بمعزل عن مهمة الطائرة الحساسة، خاصة ان طهران شددت في الفترة الاخيرة بانها لن تتهاون مع اي اختراق لسيادتها مهما كان حجمه، واي تهاون في ذلك كان سوف يعتبر تراجعا مبدئيا، قد يفهم بانه تنازلا، هي في غنى عنه الان في ظل عملية شد الاصابع الحساسة بينها وبين واشنطن.
ثانيا: في ظل اجواء التشنج والتوتر العسكري مؤخرا بين الطرفين، وفي ظل الاستنفار المتبادل والمرتفع المستوى بين الوحدات العسكرية الاميركية والايرانية، خاصة بعد اتهام واشنطن لطهران بالمسؤولية عن تفجيرات الفجيرة وخليج عمان، لا يمكن اعتبار مهمة الرصد والمراقبة والاستطلاع التي كانت تقوم بها الطائرة الاميركية المستهدفة مهمة عادية او روتينية، بل ان مهمتها في هذه الظروف والاوضاع الحساسة، تعتبر وكأنها عملا عدائيا كاملا، وقد يمكن توصيفه بمرحلة متقدمة من العمليات الاستباقية الهجومية، لان الحصول على المعلومات والصور عن الوحدات الايرانية المستنفرة في مرحلة جهوزيتها النهائية، يعتبر بتداعياته وبتأثيراته، عملا هجوميا كامل الاوصاف، يستدعي الرد المباشر والفوري من دون الالتفات الى تداعياته.
ثالثا، بمعزل عن الطابع الاعلامي والنفسي الذي تمثِّله اي عملية ردّ ايراني على طائرة اميركية متطورة، كالذي حدث، فان طهران في هذه الحالة، كانت تحتاج وبقوة لبعث رسالة مفادها انها جاهزة وتملك الوسائل اللازمة للدفاع عن نفسها، وانها حقيقة تملك القدرات الاستراتيجية التي تستطيع من خلالها الدفاع عن سيادتها، والتي ستكون مفتاح الردع وتوازن الرعب الذي سوف يؤدي الى تبريد الرؤوس الحامية في واشنطن او في المنطقة.
لهذه الاسباب خاطرت ايران باستهداف الطائرة، اما لناحية اسباب الغاء الرئيس ترامب في اللحظة الاخيرة توجيه ضربة عسكرية لايران، فقد تعددت الترجيحات والتكهنات حول ذلك، ويمكن حصرها بالتالي:
تبين وبشكل أكدته ايران بالوثائق والصور، وخاصة فيما نشره الوزير ظريف على تويتر عن مسار الطائرة وإحداثيات نقاط تحذيرها ونقطة إستهدافها، أنّها إخترقت الاجواء الاقليمية الايرانية قبل اسقاطها مباشرة، وهذا يعتبر نقطة لصالح ايران لا يمكن تجاوزها، وبالتالي حسب القانون الدولي لا يشكل الاستهداف اعتداءً بل هو دفاعاً عن النفس، خاصة مع ما تتمتع به الطائرة من قدرات تجسسية واستخبارية لها طابع عدائي بالكامل في هذه الظروف.
طريقة الاستهداف الايراني الناجح لطائرة متفوقة، تملك قدرات متقدمة على تجاوز الصواريخ المضادة وعلى التشويش وعلى تفادي الرادرات العدوة وعلى التخفي، وما يمكن استنتاجه من المستوى المتقدم لإسلحة الدفاع الجوي الايرانية، فرضت على الاميركيين اعادة حساباتهم لناحية ما يمكن ان تتعرض له بعض قواعدهم وبوارجهم وطائراتهم، ولو بنسبة بسيطة، من اصابات مؤلمة ستكون حتما نتائجها كارثية وغير سهلة على الداخل الاميركي.
تصريح ايران عن عدم استهداف وحداتها لطائرة اميركية ثانية تحمل جنودا، كانت تواكب عن قرب الطائرة المستهدفة، بالاضافة ايضا لتأكيد طهران من دون نفي اميركي، عن توجيه وحداتها اكثر من انذار للطائرة عند اختراقها الاجواء الايرانية والطلب بوجوب خروجها من تلك الاجواء …
كل ذلك ساهم بتغيير الرئيس ترامب لرأيه، وقد صرَّح بانه الغى الضربة في اللحظة الاخيرة، بعد أن علم من القادة العسكريين، انه سوف يسقط عدد كبير من الضحايا الايرانيين بين عسكريين ومدنيين، وفي الوقت الذي اصبح من المؤكد ان الايرانيين ابتعدوا عن استهداف طائرة اميركية فيها عدد من الجنود .
لهذه الاسباب الغى الرئيس ترامب ضربته العسكرية لايران ، والاهم لانه اكتشف ان الاخيرة سوف تظهر بالنسبة للعالم ، الدولة القادرة على حماية سيادتها من خلال استهدافها اهدافاً عسكرية فقط ، من دون التسبب بإسقاط ضحايا او جنود ، ملتزمة بقواعد الاشتباك وبقيود وقوانين الحرب ، على عكس الولايات المتحدة الاميريكة التي ستظهر بموقع المعتدي وغيرالملتزم بالقوانين الدولية ، وربما إستدرك الرئيس ترامب كل ذلك متفاديا امكانية ان يدفع شخصيا ثمن هذا الموقف ، بحيث يكون ذلك مؤذيا لمسيرته نحو رئاسة ثانية يطمح اليها بقوة .