استقالة علي باباجان: «العدالة والتنمية» يتآكل!

استقالة علي باباجان: «العدالة والتنمية» يتآكل!

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١٠ يوليو ٢٠١٩

لم يكن عبد الله غول ولا أحمد داود أوغلو من المعروفين بشغبهم، بل كانوا مطيعين وحريصين على ألّا يصدر منهم أي موقف قد يفسره رجب طيب أردوغان تمرّداً عليه. لكن السيل على ما يبدو بلغ الزبى، وتمثلت أولى الخطوات العملية بوجهه في استقالة علي باباجان من حزب «العدالة والتنمية»، أول من أمس، ونشر بيان عن أسباب الاستقالة والخطوات المقبلة التي ينوي اتخاذها. بيانٌ بدا واضحاً أنه مقدمة لتأسيس حزب جديد
 
لم يسفر لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع وزير الخارجية السابق علي باباجان، عشية انتخابات الإعادة لرئاسة بلدية إسطنبول، عن إقناعه بالبقاء داخل حزب «العدالة والتنمية». نصحه أردوغان بالعمل من داخل الحزب، لأن محاولات البعض السابقة العمل من خارجه باءت بالفشل ودخلت طيّ النسيان. لكن الوزير السابق، والمختص أيضاً بالشأن الاقتصادي، كان حاسماً في أن الاستمرار داخل الحزب أمر عبثي. منذ أشهر، بل منذ انتخاب أردوغان رئيساً للجمهورية وفق النظام الرئاسي الجديد في 24 حزيران/ يونيو 2018، أُقفل الباب نهائياً أمام إمكانية استمرار القيادات الرئيسة في الحزب في لعب أي دور مؤثر من داخله. بل أكثر من ذلك، كان اتجاه أردوغان نحو تشكيل «حاشية» سياسية مصغرة، لها بعد عائلي أكثر من أي شيء آخر. وقد جاء تعيين صهره الشاب العديم الخبرة، براءت ألبيرق، وزيراً للخزانة والمالية، ليكتمل وضع اليد على مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية في تركيا.
قوننة النظام الرئاسي غيّرت حركة بعض زعماء الحزب السابقين والحاليين. تمكّن أردوغان من «شراء» المتمرد بولنت أرينتش، بترشيح ابنه وانتخابه نائباً عن الحزب في العام الماضي. ومع ظهور أنباء عن تململ كبير في صفوف الحرس القديم لـ«العدالة والتنمية»، كان أردوغان يستكمل عملية شراء أرينتش بتعيينه في «هيئة الرئاسة» التي شكلها أردوغان قبل فترة قصيرة ولا تزال غير مكتملة الأعضاء ولا مهمتها واضحة، في وقت ينظر فيه الجميع إليها على أنها وعاء، برواتب عالية، لاستيعاب المعارضين له داخل الحزب.
منذ الخريف الماضي، تحدثت الأنباء عن تحرك باباجان، ومن خلفه بل أمامه عبد الله غول، لتأسيس حزب جديد ربما يكون اسمه «الحزب الجديد»، مع كلام عن أن عدداً من نواب حزب «العدالة والتنمية» (قد يصل إلى 40 ـــ 50 نائباً) سينتقلون إليه. انقضاء مدة طويلة على هذه الأنباء أثار الشكوك حولها، لكن بيان باباجان أول من أمس قطع الشك باليقين، وأكد أن الحزب الجديد في طريقه إلى أن يبصر النور في أقرب وقت. يرى باباجان في بيانه أن تركيا وصلت إلى حالة لا يمكن معها إلا العمل من أجل حاضر ومستقبل جديدين لها، معتبراً أن مسؤولية تاريخية وكبيرة تقع عليه وعلى كثيرين للعمل من أجل ذلك. وقال إن المشكلات التي تمر بها تركيا يمكن مواجهتها فقط بكادر له قوة تمثيلية وعريضة ويملك عقلاً مشتركاً، مشدداً على ضرورة البدء بـ«صفحات بيضاء في كل القضايا، ولهذا السبب فإن الحقائق التي تواجهها تركيا تجعل البقاء في الحزب أمراً متعذراً». وفي ما يشبه بيان تأسيس الحزب، دعا باباجان إلى إقامة بلد «على أسس الحريات والديموقراطية وعلوية الحقوق»، مؤكداً أنه سيواصل العمل من أجل هذه المبادئ.
الإعلان الضمني عن تأسيس حزب جديد تزامن مع الأخبار عن أن شرائح واسعة من المثقفين والسياسيين ستكون ضمن الحزب. ومع تولي باباجان مهمة «رأس الحربة» في هذا الجهد، لا يُعرف بالضبط ما الذي سيكون عليه دور الرئيس السابق، عبد الله غول، في الحزب المزمع إنشاؤه: هل سيتولى رئاسته أم سيكون رئيساً فخرياً له أم رئيساً لمجلس أمناء؟ لكن الأكيد أن غول له يد طولى من وراء الستار في الدفع لتأسيس تشكيل مناوئ لأردوغان. وغول لا ينسى كيف أنه أراد العودة إلى الحزب بعد انتهاء ولايته الرئاسية في 28 آب/ أغسطس 2014، لكن أردوغان، الذي كان انتُخب للتوّ رئيساً للجمهورية، أعدّ انقلاباً مضاداً بحيث عقد مؤتمراً عاماً للحزب في 27 آب، أي قبل يوم واحد من انتهاء ولاية غول، ليمنعه من المشاركة في المؤتمر والعودة إليه منافساً له على زعامته، حيث انتخب المؤتمر حينها أحمد داود أوغلو رئيساً للحزب ورئيساً للحكومة. كذلك، يأتي إعلان باباجان في الوقت الذي تنتشر فيه أنباء عن عزم داود أوغلو نفسه (وهو كان ضحية عزل أردوغان له في مطلع أيار/ مايو 2016 لمعارضته النظام الرئاسي) تشكيل حزب جديد (ربما في الخريف المقبل)، مع احتمال أن ينتقل إليه عدد آخر من نواب «العدالة والتنمية»، ما يعني أن الأخير سيفقد على الأقل 30 % من نوابه الحاليين، وهو ما يطرح احتمال إجراء انتخابات نيابية مبكرة.
يشعر أردوغان بناقوس الخطر يقرع أقوى من قبل، ولا سيما بعد خسارته الانتخابات البلدية في إسطنبول وبفارق كبير، وفي أنقرة وإزمير وأنطاليا ومرسين وأضنه وغيرها من المدن الكبرى. لذلك، كان من الطبيعي أن يعلن «حالة طوارئ» حزبية لمواجهة حالات التمرّد التي تتسع، ويقرر الخروج في جولة واسعة في مناطق الأناضول في وقت قريب، للعمل، من جهة، على شدّ عصب حزب «العدالة والتنمية» بعدما اتُهم بأنه قد انقطع عن الحزب ولم يعد يهتم به، وهو ما تعكسه الصحافة التركية، ومن جهة ثانية قطع الطريق على تحركات غول وداود أوغلو وباباجان، على أن يعقد اجتماعاً مغلقاً لنواب الحزب بعد انتهاء هذه الجولة. وكان أردوغان ردّ على تحركات الثلاثي المعارض بقوله إنهم «أصبحوا من الماضي ولا أحد يسمع بهم اليوم»، وسيكونون مثل «الكيس الفارغ داخله من أي شيء» و«سيفشلون». كذلك، نُقل عنه قوله: «لقد عملت منهم رئيساً للجمهورية (غول) ورئيساً للحكومة (داود أوغلو) ووزيراً (باباجان)، ورغم ذلك خانوني»، فيما لم يتأخر حزب «العدالة والتنمية» في شطب اسم علي باباجان من قائمة الأعضاء المؤسّسين من على موقعه على الإنترنت.
وعلى رغم مواقف أردوغان، فإن الصحافة التركية تعكس أجواءً تشاؤمية داخل «العدالة والتنمية»، سواء بين نوابه أم لجنته المركزية أم تشكيلاته في المحافظات، بل إن بعضها ينشر أسماءً محتملة ستنضم إلى حزب باباجان، مثل: وزير العدل السابق سعد الله أرغين، نائب رئيس الحكومة ووزير المالية السابق محمد شيمشيك، نائب رئيس الحكومة السابق بشير أتالاي، وزير الدولة السابق محمد آيدين، وزير الصناعة السابق نهاد أرغين، وعضو اللجنة المركزية السابق للحزب والمقرر السابق للمحكمة الدستورية عثمان جان. كذلك، يشاع أن 17 نائباً من حزب «الحركة القومية» سينتقلون إلى الحزب الجديد، خصوصاً أن زعيم الحزب، دولت باهتشلي، لم يبد اعتراضاً قوياً على ظهور عثمان، شقيق عبد الله أوجلان، زعيم حزب «العمال الكردستاني» المعتقل، والمصنّفَين معاً إرهابيين، على قناة رسمية تركية عشية انتخابات إسطنبول.
علي باباجان، المولود عام 1967، كان من مؤسّسي حزب «العدالة والتنمية» عام 2001، وعمل في القطاعات الاقتصادية والمالية داخل تركيا وخارجها، وانتُخب نائباً عن الحزب، وتولى في حكومات «العدالة والتنمية» منصب وزير دولة لشؤون الاقتصاد والاتحاد الأوروبي، وكان كبير المفاوضين مع الاتحاد، وتولى لفترة وزارة الخارجية، إلى أن خَلَفه أحمد داود أوغلو في الأول من أيار/ مايو 2009. فهل ينجح باباجان ومعه غول (ولاحقاً داود أوغلو) في هزّ عرش أردوغان بشكل جدّي هذه المرة؟