فرنسا وبریطانيا تعتزمان ارسال قوات إلى سورية؛ ماذا يدور خلف الكواليس ؟

فرنسا وبریطانيا تعتزمان ارسال قوات إلى سورية؛ ماذا يدور خلف الكواليس ؟

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٢ يوليو ٢٠١٩

 بعد مرور حوالي عامين على هزيمة تنظيم "داعش" الارهابي في سوريا، لا تزال قضية وجود القوى الأجنبية ومستقبل التطورات السياسية في هذا البلد يمثلان مشكلتان رئيسيتان وفي هذه الاثناء، يمكن القول بان الولايات المتحدة هي إحدى الجهات الفاعلة التي دخلت الأزمة السورية بطريقة غير شرعية منذ بدايتها وبعد تولي "دونالد ترامب" زمام الامور في البيت الابيض، تبلور دور واشنطن في الأزمة السورية في شكل بعدين أساسيين لمحاولات السيطرة على أراضي "داعش "وزيادة الدعم للقوات الديمقراطية السورية. ومع ذلك، فإن قرار "ترامب" بمغادرة القوات العسكرية التابعة للجيش الأمريكي في ديسمبر 2018، يمكن اعتبارها علامة فارقة في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الأزمة السورية.
 
وفي المرحلة الجديدة، طالب "ترامب" من ناحية بخفض الإنفاق الأمريكي في الأزمة السورية، ومن ناحية أخرى، طرح مسألة استبدال القوات الأمريكية بقوات الحلفاء الأوروبيين في سوريا وبعد حوالي سبعة أشهر على خطة "ترامب" هذه، يبدو الآن أن بعض الدول الأوروبية قد استجابت بشكل إيجابي لمطالبه. وحول هذا السياق، قالت صحيفة "فورين بوليسي" إن بريطانيا وفرنسا تعتزمان إرسال قوات إضافية إلى سوريا، لسد الفراغ بسبب أي انسحاب أمريكي محتمل وذكرت الصحيفة، نقلاً عن مصادر في إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، أن هذه الخطوة تأتي لسد أي فراغ قد ينتج نتيجة خفض ترامب لعدد قواته في سوريا وأشارت الصحيفة إلى أن البلدين سيزيدان عدد وحداتهما العسكرية في سوريا بنسبة 10 إلى 15%، بهدف محاربة ما تبقى من فلول تنظيم الدولة "داعش".
قضية استقبال الدول الاوروبية لأسرى "داعش"
 
أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، قبل عدة أشهر أن عدم السماح بعودة المئات من عناصر داعش الأوروبيين إلى بلادهم له تبعات خطيرة، وقد تضطر واشنطن لإطلاق سراحهم وطالب "ترامب"، بريطانيا وفرنسا وألمانيا ودولا أوروبية أخرى بالسماح بعودة أكثر من 800 عنصر من داعش يحملون جنسيات أوروبية اعتقلوا في سوريا، لافتًا إلى أن الخلافة المزعومة التي أعلنها تنظيم داعش على وشك السقوط. ولكن الدول الاوروبية رفضت استقبال اولئك الدواعش وهذا الامر أدى إلى نشوب أزمة بين واشنطن والدول الاوروبية ولهذا، فلقد أعلنت فرنسا وبريطانيا قبل عدة أيام عن عزمهما بارسال قوات عسكرية اضافية إلى سوريا وذلك من أجل كسب الود الامريكي وتخفيف حدة التوترات بينهما حول قضية عودة الدواعش إلى بلدانهم الاصلية.
 
التعاون الأوروبي مع الولايات المتحدة وتصفية الحسابات السابقة مع تركيا
 
يمكن اعتبار رغبة لندن وباريس في التقارب مع الولايات المتحدة في النظام الدولي وتصفية الحسابات السابقة مع تركيا، سبب آخر لإرسال قوات من هذه القوى الأوروبية إلى سوريا. فمن ناحية، تعيش الحكومة البريطانية في حالة من الاضطراب بعد استقالة رئيسة الوزراء "تيريزا ماي"، وتنافس المرشحين المحافظين بما في ذلك "ديفيد جونسون" و"جيريمي هانيت"، للفوز بمنصب رئيس الوزراء، وهذا الوضع تسبب في طهور شرخ في العلاقات البريطانية الامريكية على المستوى الدولي. ومن ناحية أخرى، أظهر الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" خلال العامين الماضيين أنه مهتم بالقضايا الأمنية (غير الاقتصادية والبيئية) في انسجام مع الولايات المتحدة على المستوى الدولي وفي مثل هذه الظروف، يبدو أنه لا يوجد طريق أفضل للمضي قدما مع مواقف الرئيس "ترامب"، سوى زيادة عدد القوات الاوروبية في سوريا لجذب لإرضاء مسؤولي البيت الأبيض. من جهة اخرى، تعارض القوى الأوروبية بشدة التقارب التركي مع روسيا وتشعر بالقلق من تمرد الرئيس التركي "أردوغان" عليهم. لذلك، قامت الدول الاوروبية باستغلال التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا حول مسألة شراء نظام الدفاع الصاروخي "اس 400" من موسكو، واعلنت عن نيتها بارسال قوات عسكرية إلى سوريا لدعم واشنطن وكنوع من الانتقام من أنقرة.
الآثار والنتائج المحتملة لوجود القوات البريطانية والفرنسية في سوريا
 
يمكن تقييم الآثار والنتائج المترتبة على وجود القوات البريطانية والفرنسية غير القانوني والمتعارض للمعايير والقوانين الدولية في سوريا على ثلاثة مستويات. في المستوى الأول، يمكن اعتبار الرئيس "دونالد ترامب" هو المنتصر الأكثر أهمية في هذه العملية وذلك لأنه أعرب في وقت سابق بأن هذه الخطوة تعتبر نجاحًا لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكية، ومن المرجح أن يركز بشدة على هذا النجاح خلال سباق انتخابات 2020.
 
وعلى المستوى الثاني، إن التحرك غير المشروع الذي اتخذته لندن وباريس لزيادة وجودهما العسكري في سوريا، سيزيد من حدة الخلافات بين أوروبا والولايات المتحدة مع تركيا. في الواقع، يمكن اعتبار العصر الجديد نهاية لعصر التحالف الاستراتيجي بين أنقرة والغرب. وبهذه الطريقة، يمكن تقييم هذا الحدث باعتباره آخر خيط لتوحيد القوس بين الجانبين. وعلى المستوى الثالث، سنرى في المستقبل بالتأكيد معارضة روسية لوجود القوات الأوروبية في سوريا، ويبدو أن مستقبل الأزمة في سوريا ستصبح أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. من وجهة نظر موسكو ودمشق، إن وجود أمريكا وأوروبا في سوريا غير قانوني وغير شرعي، ويجب على هذه الدول مغادرة البلاد في أقرب وقت ممكن. وهنا يمكن القول أنه في ظل هذه الظروف، فإن الوجود المتعدد المستويات للقوى الغربية في مجال التطورات السورية يمكن أن يثبط آفاق الأزمة السورية ويزيد من الخلاف بين الجهات الفاعلة المحلية.