فشل مؤتمر الكويت: الفساد «يُرعِب» المانحين

فشل مؤتمر الكويت: الفساد «يُرعِب» المانحين

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٦ يوليو ٢٠١٩

عجِز العراق عن بلوغ مراده في «مؤتمر الكويت للمانحين» (شباط/ فبراير 2018)، والذي خُصّص لجمع الأموال لإعادة إعمار المناطق المحرّرة من تنظيم «داعش». أملت «اللجنة التحضيرية» أن يستطيع الوفد الرسمي (ضمّ 143 مسؤولاً، على رأسهم رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي) جمعَ أكثر من 100 مليار دولار أميركي لتمويل 157 مشروعاً تنموياً مهماً، من الدول والشركات المستثمرة (بلغ عدد الوفود الرسمية 70 وفداً، فيما ناهز عدد المستثمرين الـ 3200 شركة). لكن ما جُمع لم يتجاوز حدود 30 مليار دولار، كان أغلبها قروضاً واستثمارات من شأنها إدخال العراق في دوامة التزامات مالية قاسية مع الدول المانحة.
حكومة العبادي قدّرت الأضرار في محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار بـ 53 تريليون دينار عراقي (46 مليار دولار)، في حين بلغ مجموع احتياجات الإنعاش وإعادة الإعمار في المحافظات السبع المحرّرة والمتضررة بشكل مباشر 104 تريليونات دينار عراقي (88 مليار دولار). ولأن الجهات الحكومية تقرّ بأن «الوضع الاقتصادي والمالي الحالي غير قادرٍ على تغطية الالتزامات المالية للمرحلة القادمة»، فقد قرّرت «وضع استراتيجية للتمويل، معتمدة على التنسيق العالي بين الجهات ذات العلاقة، والتوجيه الأمثل للموارد، من خلال تحديد الأولويات ونوع الأنشطة». ومن هنا، كانت المشاركة في مؤتمر الكويت وفق أجندة تضمّنت ثلاثة محاور أساسية: إعادة الإعمار، الاستثمار ودعم الاستقرار في البلاد، وتعزيز التعايش السلمي بين مختلف أطياف المجتمع العراقي.
لكن الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، يصف المؤتمر بـ«الفاشل... لأن ما جُمع أكثره قروض، وقد كان مفترضاً أن تكون بضمانة سيادية»، كاشفاً في حديثه إلى «الأخبار» أن «سؤالاً كَثُر طرحه من الدول المشاركة في المؤتمر على الوفد الرسمي: ماذا فعلتم لمحاربة الفساد في بلدكم؟». يتابع، وهو واحدٌ من أعضاء الوفد الرسمي، أن «الدول المانحة لا تريد لأموالها أن تذهب إلى جيوب الفاسدين»، مؤكداً أن سبب فشل المؤتمر هو «الفساد المستشري»، والذي حوّل البيئة الاستثمارية في العراق إلى «بيئة طاردة للمستثمر الأجنبي». وهنا، تجدر الإشارة إلى أن العراق يحتل المرتبة 166 من أصل 176، على قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم، بحسب آخر تقرير صادر عن «منظمة الشفافية الدولية». 
كذلك، يكشف المشهداني أنه «بعد شهر على مؤتمر الكويت، أرسلت الجهات الحكومية استمارات إلى سفارات الدول المانحة، للاستفهام عن شروط القروض، من دون أن تتلقى ـــــ حتى الآن ـــــ أي ردّ عليها»، موضحاً أن «بعض الدول نفذت التزاماتها بشكل آخر، مثل تركيا التي قدّمت 5 مليارات كدعم لصادراتها إلى العراق». ويلفت إلى أن حكومة العبادي، ولاحقاً حكومة عادل عبد المهدي، لم تنفّذ أي «مشروعٍ في مجال إعادة الإعمار»، متمسّكاً بمقولة إن «العراق لا يحتاج إلى قروض خارجية لإعادة إعمار مدنه... يمكنه الاعتماد على الأموال الفائضة من موازناته، والتي تنظَّمُ بعجزٍ لا أحد يعلم إلى أين يذهب». كلام المشهداني تؤكّده عضو اللجنة المالية البرلمانية، ماجدة التميمي (عن «تحالف سائرون»)، بوصفها مروّجي «الأزمة المالية» بـ«الكاذبين»، لأنه «ما من أزمة مالية، إنما سوء إدارة للمال العام»، وخاصة أن «العملية يمكن أن تتم بالاعتماد على 5% من الإيرادات النفطية (حوالى 5 مليارات دولار)» بحسب المشهداني، وهو أمرٌ ترفض بعثة «البنك الدولي» في العراق التعليق عليه.
في المقابل، يرى المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أن المؤتمر أسفر عن «نتائج إيجابية... تمثلت بتعهدات من الدول المشاركة، على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية ومصرفية، مجموعها حوالى 30 مليار دولار، في حين كان مجموع المنح والمساعدات أقل من ذلك». ويضيف، في حديثه إلى «الأخبار»، إنه بعد المؤتمر «شُكلت لجنة حكومية عليا لمتابعة التعهدات وترجمتها، بالتنسيق مع الأمم المتحدة». وإذ يتفادى الحديث عن «إنجازات» هذه اللجنة، فإنه يلفت إلى «وجود حراك في المحافظات المحررة، من قِبَل منظمات دولية، يأتي في إطار تنفيذ تعهدات مؤتمر الكويت». وعن طبيعة ذلك الحراك، يوضح أنه يندرج «ضمن مرحلة إعادة الاستقرار لتوفير متطلبات الحياة الأساسية، وأبرزها خدمات الماء والكهرباء وتنظيف الطرق، وإعادة تأهيل الجسور لضمان عودة النازحين»، أما المرحلة الثانية، والمفترض أن تبدأ الآن، فـ«هي مرحلة إعادة الإعمار، والتي تتضمن المشاريع الكبيرة... فبعضها يتم بتمويل حكومي، وآخر من خلال تعهدات الدول المشاركة في مؤتمر الكويت».
 
 
إهدار 300 مليار في 15 عاماً
يعاني العراق نقصاً كبيراً في موارده المالية نتيجة انخفاض أسعار النفط، الذي تشكّل وارداته حوالى 81 في المئة من الموازنة العامة السنوية، تُصرف 36 في المئة منها كرواتب لموظفي الدولة والمتقاعدين. ويرافق ذلك النقصَ ارتفاع ملحوظ في معدل الأموال المهدورة؛ إذ تشير بعض التقارير الواردة من المؤسسات العراقية المعنية بالنزاهة إلى إهدار حوالى 300 مليار دولار بين عامي 2003 و2018. وفي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة العراقية، ظاهراً، إلى خلق بيئة استثمارية صالحة لاستقطاب كبرى الشركات العالمية، ولا سيما في قطاعات الكهرباء والصحة والإسكان، يقف الفساد عائقاً كبيراً أمام تحقيق هذا الهدف.