تعليق البرلمان البريطاني.. الملكة ورئيس الوزراء يعلنان الحرب علی الديمقراطية

تعليق البرلمان البريطاني.. الملكة ورئيس الوزراء يعلنان الحرب علی الديمقراطية

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢ سبتمبر ٢٠١٩

بعد ثلاث سنوات من الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا تزال مسألة البريكست المثيرة للجدل تشكّل القضية السياسية الرئيسة في هذا البلد وسبب الأزمة فيه. مع معارضة البرلمان البريطاني للصفقة التي قدّمتها "تيريزا ماي"، ثم استقالتها التي أدّت في النهاية إلى وصول "بوريس جونسون" المتشدد إلى السلطة من حزب المحافظين، اختلف الوضع الآن بحيث أمرت ملكة بريطانيا وبطلب من جونسون بحلّ البرلمان، الأمر الذي أحدث موجةً جديدةً من الارتباك حول مصير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وفي أعقاب قرار الملكة، شهد المجتمع البريطاني احتجاجات واضطرابات، وبحسب ما أوردته وكالة أنباء "رويترز" فقد احتشد المتظاهرون في مدن مختلفة ضد القرار واصفين إياه بالانقلاب. ;ذلك وفقاً لوكالة "دويتشه فيله" الألمانية فإن العريضة التي طرحها المواطنون الانجليز على الانترنت لمعارضة تعليق البرلمان، قد حصلت على أكثر من مليون توقيع في غضون ساعات. لماذا تمّ حلّ البرلمان؟ وفقاً للجدول الزمني الذي قدّمه الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا، فإن الموعد النهائي لمغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي ينتهي في 31 أكتوبر(منتصف تشرين الثاني) باتفاق أو من دون اتفاق. وفي غضون ذلك، على الرغم من أن جونسون قد أبدى حرصه على ما يبدو لمغادرة الاتحاد الأوروبي من خلال صفقة جديدة، إلا أنه من المؤيدين بشدة لفكرة الخروج الصعب أو الخروج من دون اتفاق، لذلك فقد هدد دائماً بمغادرة الاتحاد إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول 31 أكتوبر. لكن قادة المعارضة يقولون إن مثل هذه الخطوة ستكون لها عواقب اقتصادية وحتى سياسية وخيمة على بريطانيا. ويوم الثلاثاء الماضي، أي قبل يوم من طلب جونسون لتعليق البرلمان وموافقة الملكة عليه، قرروا بالاتفاق إعطاء الأولوية في عملهم في البرلمان لإصدار تشريع يمنع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. وفي هذا الصدد، استضاف زعيم حزب العمال "جيريمي كوربين" يوم الثلاثاء الماضي محادثات مع الحزب الوطني الاسكتلندي، والليبراليين الديمقراطيين، وحزب الخضر والمجموعة المستقلة حول تغيير في التكتيكات بهدف منع الخروج من دون اتفاق. وبعد انتهاء هذا الاجتماع، أصدر حزب العمال بياناً أعلن فيه أن المشاركين قد اتفقوا على الحاجة إلى العمل معاً لإيجاد طرق عملية لمنع خطة الخروج من دون اتفاق، بما في ذلك إمكانية تمرير القانون والتصويت بحجب الثقة. النقطة المهمة وربما المهددة بالنسبة لحكومة جونسون، هي أن بعض النواب من حزبه في البرلمان كانوا مستعدين أيضاً للعمل مع المعارضة للمصادقة على حجب الثقة. وفي أعقاب هذا الحدث، أعلنت الحكومة أنه بتعليقها البرلمان، سوف تقلل أيام عمل البرلمان حتى لا يكون لديهم الوقت الكافي للقيام بذلك. وبناءً عليه، من المقرر إغلاق البرلمان من الأسبوع المقبل حتى منتصف أكتوبر، أي قبل أسبوعين فقط من الموعد النهائي لمغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي. ذلك أن الحكومة البريطانية تعتقد أن الاتحاد الأوروبي سوف يستجيب لمطالب بوريس جونسون لتعديل اتفاقية بريكست في حالة واحدة فقط، وهي عندما يتأكد بأن البرلمان البريطاني لن يكون قادراً على منع الخروج من دون اتفاق. هذا الإجراء أثار غضب ومعارضة الأحزاب الأخرى، حيث وصف جيريمي كوربين زعيم حزب العمال وهو حزب المعارضة الرئيس، تعليق البرلمان بأنه غير مقبول، معتبراً أن خطوة جونسون ضربة قاتلة للديمقراطية بهدف فتح الطريق أمام الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق. بدوره قال زعيم الديمقراطيين الليبراليين "جو سوينسون" إنهم لن يسمحوا بتنفيذ خيار الخروج دون اتفاق. كذلك، استقالت زعيمة حزب المحافظين الإسكتلندي "روث ديفيدسون" بعد يوم من قرار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بتعليق البرلمان لمدة خمسة أسابيع، لأنها من مؤيدي بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. تعليق البرلمان.. ديمقراطية أو انقلاب؟ لقد أسلفنا أن قرار الملكة بالموافقة على طلب رئيس الوزراء بتعليق البرلمان، قد أثار احتجاجات واسعة النطاق من جانب المعارضين الذين يرون أنه بمثابة انقلاب ملكي على رمز الديمقراطية. وبحسب استطلاع أجرته صحيفة الغارديان، فقد أيد 27٪ من الناس فقط تعليق البرلمان، ورأى المتظاهرون أنه تصرف صارخ ومناهض للديمقراطية وانقلاب ضد إرادة الشعب. في الواقع، على الرغم من أنه يبدو أن المجلس الملكي البريطاني لم يكن لديه خيار سوى الموافقة على طلب رئيس الوزراء، ولكن يعتقد المعارضون أن قبول الملكة الفوري للخطة كان لمنع أحزاب المعارضة التي كانت تريد إصدار قانون يقضي بعدم إمكانية الخروج من دون اتفاق. في هذا الصدد، انتقدت النائبة عن حزب العمال "كيت أوسامور" يوم الخميس الماضي في رسالة على تويتر تدخل الملكة إليزابيث في إغلاق البرلمان البريطاني، وقالت: إن مماشاة هذا الانقلاب قد تؤدي إلى زوال النظام الملكي، بعد إعلان قرار الديوان الملكي بتعليق البرلمان، لمّحت إلى الشعار الشهير "الله يحمي الملكة"، وكتبت: "الملكة لم تحمنا". وقالت أوسامور في تغريدة أخرى: يجب أن تتذكر الملكة ما حدث لابن عمها "تينو" ملك اليونان السابق. تشير هذه البرلمانية البريطانية إلى "قسطنطين الثاني" آخر ملوك اليونان، الذي كان ملك اليونان من 1964 إلى 1973، وقد أطيح به في نهاية المطاف من قبل حكومة أخرى خرجت من انقلاب كان قد وافق عليه. كذلك أصدر حزب الخضر بياناً اتهم فيه رئيس الوزراء بسحق الديمقراطية وطالب الملكة باتخاذ موقف بهذا الشأن. وقال الحزب إن الملكة البريطانية بصفتها ملكة دستورية، لا تتخذ مواقف سياسية، في حين أن إصدار أمر بتمديد عطلة البرلمان يعني المماشاة مع موقف سياسي معيّن لم يتم إثارته خلال الحملة الانتخابية، وبالتالي فلا يمكن وصف القرار بأنه يعكس إرادة الناخبين. كما كتبت "أنجيلا راينر" النائبة عن حزب العمال ووزيرة التعليم في حكومة الظل، على موقع التويتر: هذا مثال واضح على انتهاك صارخ للحقوق الأساسية، لقد فعل "تشارلز الأول" ذلك مراراً وتكراراً الأمر الذي تسبّب في الفوضى والاضطراب، والآن هناك رئيس وزراء لم ينتخب خلال الانتخابات، يفعل الشيء نفسه لأغراض سياسية، هذه ليست استعادة الديمقراطية، إنها تدمير الديمقراطية. وكان قرار الملك البريطاني "تشارلز الأول" بفرض إغلاق البرلمان في منتصف القرن السادس عشر، قد أدّى إلى حرب أهلية وسقوط الملكية وإعدام الملك وحكم المسيحيين البوريتانيين لمدة عشر سنوات. ولكن بينما تركز المعارضة اهتمامها على دعم الديمقراطية والبرلمان، يرى الخبراء أن التهديد الأكبر هو ذلك الذي يهدد وحدة بريطانيا من خلال تنفيذ البريكست الصعب، لأنه على عكس البريطانيين الذين يدعمون البریكست، فإن سكان اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية يعارضون الانفصال عن الاتحاد.