«إعلان لندن» الأطلسي: الصين... التحدّي الأكبر

«إعلان لندن» الأطلسي: الصين... التحدّي الأكبر

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٥ ديسمبر ٢٠١٩

على الرغم من الخلافات التي تعصف بـ«حلف شمال الأطلسي»، تمكّن قادته، أمس، من التوصل إلى بيان ختامي لقمّتهم المنعقدة في لندن. وقد ركّز هذا البيان، للمرة الأولى، على تصاعد النفوذ الصيني، الأمر الذي يلقي الضوء على مخاوف الدول الأعضاء من هذا الواقع ومحاولتهم التعامل معه
أنهى قادة «حلف شمال الأطلسي» قمّتهم التي عقدوها، على مدى يومين في لندن، بأقل أضرار ممكنة. وعلى الرغم من محاولتهم الظهور بمظهر الوحدة في بيانهم الختامي، لتبديد المخاوف من الانقسامات التي تعصف بين أعضاء «الحلف»، إلا أن ذلك لم يمنع بروز بعض الخلافات إلى العلن، التي غطّت اليوم الثاني من القمة، كما الأول. وقد تسبّب بعض الخلافات في بداية متوترة لليوم الأخير للقمة، التي كان يأمل «الحلف» أن تكون عرضاً للوحدة «لأنجح حلف عسكري في التاريخ»، وتظهر كيف أن الغرب يمكن أن يقف أمام تحديات من روسيا والصين.
النتيجة الإيجابية المباشرة التي تمكّن قادة «الحلف» من استحصالها، تمثلت في التعهّد بالتضامن لمواجهة التهديدات من روسيا والإرهاب، والإقرار بالتحديات التي يمثّلها تصاعد نفوذ الصين، في قمة خيّمت عليها مرة أخرى نوبات غضب الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقد وافق الزعماء الـ29، الذين اجتمعوا على مشارف لندن، على بيان مشترك بالرغم من الانقسامات بشأن الإنفاق والاستراتيجية، والتبادلات الحادة بين العديد من رؤساء الدول. لكن المشاعر السيئة استمرت حتى نهاية اجتماع «الحلف»، الذي استمر يومين، إذ وصف ترامب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بأنه «ذو وجهين»، بعد ظهور شريط فيديو في حفل استقبال في قصر باكنغهام تبدو فيه مجموعة من القادة الأوروبيين وهم يسخرون من ترامب بسبب مؤتمراته الصحافية. ولم يقف ترامب عند هذا الحد، فقد ألغى مؤتمراً صحافياً نهائياً كان مقرراً، ليعود مباشرة إلى واشنطن، على الرغم من تفاخره بإقناع حلفائه الأوروبيين بزيادة الإنفاق الدفاعي، وإقناع تركيا بالتخلّي عن اعتراضاتها على اعتماد خطة دفاع محدثة لدول البلطيق وبولندا. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد هدّد بعرقلة خطة دفاع البلطيق المحدّثة، ما لم يوافق حلفاؤه على تسمية المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا الذين ساعدوا في هزيمة تنظيم «داعش»، بأنهم منظمة «إرهابية». واستبعد الرئيس الفرنسي احتمال التوصل إلى توافق مع تركيا على تعريف الإرهاب، خلال مؤتمر صحافي عقب قمة «الحلف». وقال ماكرون: «لا أرى أي توافق محتمل». وأضاف: «واضح أننا لسنا موافقين على تصنيف وحدات حماية الشعب الكردية وحزب الاتحاد الديموقراطي مجموعة إرهابية، وأعتقد أن هناك توافقاً على هذا الأمر»، مشيراً إلى نظرائه في «الناتو» ما عدا تركيا.
وبدأ اليوم الثاني والأخير من القمة مع بثّ شريط فيديو يظهر فيه ترودو، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ورئيس وزراء هولندا مارك روتي، وهم يسخرون من تسبّب ترامب في تأخير اجتماعات الأيام السابقة. وقد أثار ذلك غضب الرئيس الأميركي، الذي انتقد ترودو لعدم تحقيق هدف أعضاء «الناتو» بإنفاق 2% من إجمالي الناتج المحلّي على الدفاع. وقال ترامب إن ترودو «ذو وجهين»، مضيفاً أنه «شخص لطيف. أعتقد أنه شخص لطيف، ولكن الحقيقة هي أنني انتقدته بسبب عدم دفعه نسبة 2%، وأعتقد أنه ليس سعيداً بذلك». ويأتي كل ذلك بعدما انطلقت اللقاءات، أول من أمس، في ظل تبادل الانتقادات عقب التصريحات الأخيرة لماكرون، الذي اعتبر أن «الحلف الأطلسي» في حالة «موت دماغي»، داعياً إلى مراجعة استراتيجيته وإعادة فتح الحوار مع روسيا، وإعادة التركيز على القتال ضد الإرهاب الإسلامي.
على العموم، ورغم الخلافات، نجح القادة في الاتفاق على «إعلان لندن»، بينما سحبت تركيا اعتراضاتها بعدما عقد ترامب اجتماعاً جانبياً غير مقرر مع أردوغان. وجاء في البيان: «في هذه الأوقات الصعبة، نحن أقوى كحلف، وشعوبنا أكثر أماناً». وأضاف: «إن رابطنا والتزامنا المتبادل قد كفل لنا حرياتنا وقيمنا وأمننا لمدة 70 عاماً».
من ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن البيان هو الأول الذي يعترف فيه «الحلف» بالتحدي الاستراتيجي المتزايد الذي تمثله الصين، الأمر الذي كان قد تطرّق إليه الأمين العام لـ«الحلف» ينس ستولتنبرغ، أول من أمس، وكرّره أمس في مؤتمر صحافي، قال فيه: «ناقشنا اليوم لأول مرة في تاريخ الحلف نموّ الصين اقتصادياً وإنتاجها من الصواريخ». واستطرد قائلاً: «نعمل على تشجيع الصين على توقيع اتفاقيات معنا». ستولتنبرغ شدّد، في الوقت ذاته، على إيمان «الحلف الأطلسي» بالحوار مع روسيا، وحاجته إلى علاقات أفضل معها. وأشار إلى أن «حلف الناتو يفضل دائماً الحوار مع روسيا، لكونها أكبر جيراننا، وعلينا تجنّب سباق تسلّح معها، لأن ذلك سيكون مكلفاً وخطيراً»، الأمر الذي انعكس في البيان المشترك، الذي أبقى على احتمال إقامة «علاقة بنّاءة مع روسيا عندما تجعل تصرفاتها ذلك ممكناً»، لكنه شدّد على التهديد الذي يمثله نشر موسكو صواريخ نووية متوسطة المدى.