هل انفتح باب المفاوضات الإيرانية الأمريكية؟

هل انفتح باب المفاوضات الإيرانية الأمريكية؟

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٩ ديسمبر ٢٠١٩

يوم السبت، أصبحت أخبار تبادل السجناء الإيرانيين والأمريكيين محور اهتمام وسائل الإعلام.
 
كانت هذه القضية ملحوظةً بشكل خاص لجهة أن إدارة ترامب في الأشهر الأخيرة وبعد فشلها في حملة الضغط الأقصى على إيران، لإرغام طهران علی الحضور إلى طاولة المفاوضات، حاولت على نطاق واسع إيجاد طريقة للتفاوض مع كبار المسؤولين الإيرانيين.
 
هذه الجهود لم تحقق النتيجة المرجوة منها، بسبب موقف إيران الصارم تجاه شروط التفاوض، حتى أن لجوء ترامب إلى العديد من الوساطات الدولية قد فشل في فتح باب الحوار مع طهران.
 
لكن ترامب، وبحسب رأيه، بعد أن استطاع الآن إحداث ثغرة ولو محدودة في المأزق الذي تعيشه السياسة الأمريكية تجاه طهران، من خلال التبادل الناجح للسجناء مع إيران، عبَّر عن ارتياحه على تويتر قائلاً: "شكرًا لإيران على مفاوضات عادلة للغاية. أرأيتم؟، يمكننا التوصل إلى اتفاق!"
 
بالطبع، يحاول ترامب أن يثبت من خلال هذه التغريدة، أولاً أنه يسعى لإبرام اتفاقات رابح-رابح، وثانياً أن البيت الأبيض مستعد ويمتلك الإرادة الحقيقية لعقد صفقات أكبر مع إيران حول القضايا الأساسية والأكبر.
 
لكن هل هذا التفاؤل واقعي؟ وهل أن طهران ستستنتج من قضية تبادل السجناء، التي اقترحها لأول مرة وزير الخارجية "محمد جواد ظريف" ورفضتها واشنطن، توفُّر الظروف المواتية للتفاوض مع البيت الأبيض حول الملف النووي، وبشكل عام أنها علامات على تحوُّل في نهج واشنطن من إسقاط النظام عبر الضغط والعقوبات الاقتصادية الواسعة؟
 
نموذج التفاوض الخارجي خلال عهد ترامب
 
للإجابة على هذه الأسئلة، من الضروري بشكل طبيعي امتلاك صناع السياسة الإيرانية لنموذج سلوكي يحتوي على مكونات أساسية لجهاز السياسة الخارجية لإدارة ترامب. نموذج قدَّمه العديد من المحللين وبطرق مختلفة أن سمته الرئيسية هي شعار "أمريكا أولاً".
 
لكن التحدي المهم هو أنه كلما تم دراسة عدد أکبر من مفاوضات أمريكا مع لاعبين آخرين في المجتمع الدولي، زادت صعوبة إيجاد نموذج ترامب التفاوضي.
 
والسبب الرئيس لذلك هو غلبة قراراته المفاجئة والتي لا يمكن التنبؤ بها إلى حد كبير، على آراء الخبراء والمستشارين وحتى الوزراء في اتخاذ القرارات الحاسمة والهامة، وبالطبع، كانت مصحوبةً في العديد من الحالات بعدم الثبات في القرارات أيضاً.
 
على سبيل المثال، فيما يتعلق بموضوع المفاوضات التجارية بين أمريكا والصين، أظهر ترامب أن هدفه هو تحقيق التوازن في حجم التجارة المتبادلة، أو أن تصبح القوانين عادلةً للشركات الأمريكية للعمل في الصين، وهذه الأهداف هي أهداف متوقعة ومتوافقة مع شعار أمريكا أولاً.
 
لكن فيما يتصل بقضية مهمة أخرى، مثل أزمة كوريا الشمالية النووية، فإن المرونة والتراجع المتکرر لبيونغ يانغ على مدار العام الماضي، والذي استغله ترامب دعائياً على نطاق واسع، لم تكن له حتى الآن أدنى نتيجة بالنسبة للكوريين.
 
کذلك في مسألة المحادثات مع تركيا حول إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، فبينما کان إعلان انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، إعطاء ضوء أخضر لأنقرة لشن هجوم علی شرق الفرات، لكن البيت الأبيض يتحدث الآن عن بقاء جزء من قواته للحفاظ على الموارد النفطية في أيدي الأكراد، وهذا في الواقع هو الحفاظ علی التهديد الکبير لتركيا.
 
إن نتيجة المراجعة الموجزة لهذه الحالات، بدلاً من تقديم نموذج للقارئ عن أسلوب التفاوض الأمريكي، ليست إلى حد كبير سوی قبول الحكومات المتفاوضة بمخاطرة عدم التزام واشنطن بتعهداتها.
 
إيران لا تريد أن تُلدغ من جحر مرتين
 
لقد حدَّد المسؤولون الإيرانيون عودة أمريكا إلی الاتفاق النووي ورفع جميع العقوبات، شرطًا للموافقة على المفاوضات مع واشنطن. لكن السؤال المطروح هو، أنه عندما يكون السبب الرئيس لطلب ترامب إجراء محادثات جديدة، هو عدم إيمانه بالاتفاق النووي، فكيف يمكن لطريق التفاوض التغلب على هذا التحدي الكبير؟
 
لا أحد يشك تقريباً في أن الهدف الرئيس لترامب من خطة التفاوض المباشر، هو أولاً إضفاء الشرعية على قراره غير القانوني المتمثل في الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي، وثانياً تعزيز حملته الانتخابية في العام المتبقي قبل انتخابات عام 2020، هذا في حين أن منتقدي سياسة ترامب الخارجية يعتبرون ذلك نقطة ضعفه الرئيسية أمام المنافسين.
 
في الواقع، يجب القول إن طلب ترامب أكثر من أن يکون نتيجةً لنهج قبول أولوية الدبلوماسية في السياسة الخارجية وفقاً لقاعدة رابح-رابح، هو استمرار للسياسات الأحادية والاستعلائية للبيت الأبيض على مدى عقود في مواجهة أعدائه.
 
 من ناحية أخرى أيضاً، كشف وزير الخارجية الإيراني في رسالة عن سبب استعداد الولايات المتحدة لإجراء التبادل، والذي کان ناتجاً عن الشعور العميق للدكتور "مسعود سليماني" بالوطنية، ورفضه طلبات واشنطن المتكررة للحصول على الجنسية الأمريكية، بعد أن سُجن دون أدلة وعلى أساس تهم لا أساس لها من الصحة إطلاقاً.
 
وفي الواقع يمكننا أن نقول إنه لولا براءة الدكتور سليماني ووطنيته التي تبعث علی الفخر والاعتزار، فلربما لم يحدث مثل هذا التبادل أبداً.
 
لذلك، فمن الطبيعي والمنطقي جداً بالنسبة لطهران التي ذاقت مرةً مرارة خيانة الحكومات الغربية في الوفاء بالتزاماتها في تنفيذ الاتفاق النووي، أن تطلب الآن من الطرف الآخر تنفيذ تعهداته من أجل التحقق من صدقه، ليثبت مصداقيته عملياً عن طريق العودة إلى طاولة المفاوضات، التي كان قد غادرها سابقًا.
 
لذلك، فلا يمکن بأي حال من الأحوال اعتبار تبادل السجناء، فتحاً لباب المفاوضات بين أمريكا وإيران.