صنعاء تحظر تداول العملة الجديدة: محاولة لوقف انهيار الاقتصاد

صنعاء تحظر تداول العملة الجديدة: محاولة لوقف انهيار الاقتصاد

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٩ يناير ٢٠٢٠

تواصل سلطات صنعاء تطبيق قرارها القاضي بحظر تداول العملة المطبوعة من قِبَل «مركزي عدن» في المناطق الخاضغة لسيطرتها. وهو قرارٌ كانت له انعكاسات إيجابية تدريجية على سعر صرف الريال اليمني في تلك المناطق، إلا أنه استدعى رداً انتقامياً من قِبَل حكومة عبد ربه منصور هادي التي عمدت إلى وقف صرف رواتب 70 ألف موظف في الشمال
تحوّلت العملة اليمنية من أداة للتبادل التجاري في الأسواق المحلية، إلى أداة حرب اقتصادية فاقمت الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها الملايين جرّاء استمرار العدوان والحصار. هذه الحرب، التي عزّز مضاعفاتها الانقسام المالي بين صنعاء وعدن وفشل الأمم المتحدة في تنفيذ مخرجات «اتفاق استكهولم» في ما يتصل بالشأن الاقتصادي، تصاعدت أخيراً، ووصلت إلى أعلى مستوياتها بعد أن أفرط «مركزي عدن» في طباعة العملة من دون غطاء نقدي، وهو ما دفع بـ«مركزي صنعاء» إلى منع تداول جميع العملات المطبوعة من قِبَل الأول في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ.
هذا القرار برّره «مركزي صنعاء» بأنه إجراء دفاعي لحماية العملة من التدهور، ووقف أعمال المضاربة المفتعلة واستخدام العملة المطبوعة لسحب السيولة من العملات الصعبة من السوق بأسعار تفوق قيمتها الحقيقية، بهدف إيصال اليمن إلى أزمة مدفوعات. ووفقاً لمصادر مقرّبة من «اللجنة الاقتصادية العليا» في صنعاء تحدثت إلى «الأخبار»، فإن قرار «المركزي»، الصادر في 18 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، «أفشل مؤامرة ضرب ما تبقّى من قيمة للعملة الوطنية، والتي كانت تستهدف الاستقرار المعيشي والاقتصادي في البلد». ونفت المصادر أن يكون القرار، الذي اعتبر حيازة تلك العملة غير القانونية «جريمة بحق الاقتصاد الوطني»، قد وضع مخالفيه في موضع المساءَلة والعقاب ارتجالياً. واعتبرت ما يحدث من تراجع لسعر صرف الدولار في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة الإنقاذ، مقابل ارتفاعه في المحافظات الجنوبية والشرقية التي لا تزال العملة المطبوعة تغرق الأسواق فيها، وتُستخدم كأدوات لسحب العملة الصعبة من الأسواق وتهريبها إلى الخارج من قِبَل «تجار الحروب»، «دليلاً على جدوى سياسات البنك المركزي في صنعاء»، مشيرة إلى أن سعر صرف الريال اليمني تراجع منذ 19 كانون الأول في مناطق حكومة الإنقاذ من 594 ريالاً إلى 567 ريالاً، بينما تصاعد في مدينة عدن بفعل سياسات البنك الكارثية إلى 627 ريالاً للدولار الواحد، مضيفة أنه جراء ارتفاع الفارق في سعر صرف العملات، رفعت شبكات تحويل الأموال رسوم التحويل من المحافظات الجنوبية إلى الشمالية بنسبة تتجاوز 400%، بتواطؤ من قِبَل «مركزي عدن»، على رغم ازدياد السخط الشعبي على تلك الإجراءات.
حكومة الإنقاذ أيّدت إجراءات «مركزي صنعاء»، واعتبرتها تنفيذاً لقرارها رقم 57 لسنة 2018، والقاضي بحظر تداول العملة المطبوعة من دون غطاء، والصادرة عن «مركزي عدن»، كونها عملة تضخمية طُبعت بطرق «غير قانونية وعبثية». واتهمت حكومة هادي بالتنصل من التعهّدات التي قطعتها أمام المؤسسات المالية الدولية، والتي كان آخرها الامتناع عن ضخّ 900 مليار ريال مطبوعة حديثاً في السوق؛ إذ أن هذه الأموال تمّ استخدامها خلال الأشهر الماضية في المجهود الحربي من قِبَل طرفَي الصراع في المحافظات الجنوبية (ميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي الموالية للإمارات، وميليشيات حزب الإصلاح التابعة لحكومة هادي والموالية للسعودية). واعتبرت حكومة الإنقاذ العبث الحاصل بوظائف البنك المركزي في عدن «جريمة اقتصادية جسيمة تُعرّض الملايين من اليمنيين للمجاعة». ولفتت إلى أن «مركزي عدن» طبع 1.7 تريليون ريال في غضون عامين، بما يساوي الكتلة النقدية التي طبعها اليمن على مدى 40 عاماً، مُحمّلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والصندوق والبنك الدوليين كامل المسؤولية عمّا يتعرّض له الاقتصاد الوطني من عملية تدمير ممنهجة، مُجدِّدةً مطالبتها بتحييد البنك المركزي وتوحيد الإيرادات كافة في ظلّ الظرف الراهن.
وفي ردٍّ انتقامي منها على قرار صنعاء، أقرّت حكومة هادي وقف صرف رواتب 70 ألف موظف، بينهم أكثر من 30 ألف متقاعد مدني في المحافظات الشمالية، وربطت استئناف صرف تلك الرواتب بتراجع صنعاء عن القرار الذي وصفته بـ«المعيق للجهود الدولية التي تُبذل من أجل صرف رواتب موظفي الدولة». وبرّرت حرمان أولئك الموظفين من رواتبهم باعتذار البنوك والمصارف في صنعاء عن استقبال الحوالات المالية الصادرة من عدن، وهو ما نفته البنوك والمصارف المذكورة، مُعلنةً في بيان مشترك صادر عن جمعيتَي البنوك والصرافين في الثالث من كانون الثاني/ يناير الجاري استعدادها لصرف رواتب موظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وموظفي العدل والمتقاعدين المدنيين بالعملة القديمة، ومبديةً استعدادها الكامل لتنفيذ إجراءات صرف مستحقات الموظفين والمتقاعدين في كلّ المحافظات بشفافية ومهنية، ومن دون تعقيد في الإجراءات، وبعيداً عن أيّ مؤثرات سياسية. وناشدت جميع الجهات الحكومية المعنية «استشعار المسؤولية والقيام بواجباتها من دون اختلاق المبرّرات والذرائع».
وأمام فشل حكومة هادي و«مركزي عدن» في وقف تدهور سعر صرف العملة في الأسواق الواقعة تحت سيطرتها، اهتزّت ثقة القطاع المصرفي بتلك الحكومة، وباتت الكثير من مؤسساته تتبع تعليمات البنك المركزي في صنعاء، والذي منح المواطنين في المحافظات الواقعة تحت سيطرة «الإنقاذ» 30 يوماً للتخلص من العملة المطبوعة بشكل كلّي، وأعلن فتح نوافذ في عدد من البنوك والمصارف لاستبدال العملة القديمة أو العملة الإلكترونية بالعملة الجديدة، مُحدّداً للمواطنين 100 ألف ريال كسقف تبديل. وعلى رغم محاولات «مركزي عدن» إعاقة إجراءات «مركزي صنعاء» من خلال إصداره تعميماً يحذر البنوك من العمل بتعليمات الأخير، إلا أن البنوك رفضت تلك التعليمات، واستمرّت في تنفيذ الإجراءات المُتّخذة في صنعاء على نطاق واسع، وهو ما عدّه مراقبون اقتصاديون دليلاً على احتفاظ «مركزي صنعاء» بثقته لدى المواطن اليمني والقطاع الخاص بعد أكثر من ثلاث سنوات من نقل وظائفه إلى عدن.
وكشفت إجراءات صنعاء، مجدداً، فشل «مركزي عدن» في ربط فروع البنوك الواقعة خارج سيطرة حكومة هادي به، وتراجع نطاق سيطرته. كما كشفت استمرار فرع البنك في مأرب، والخاضع لسلطات موالية لـ«حزب الإصلاح»، في رفض التعامل معه، شأنه شأن الفروع الأخرى في حضرموت والمهرة. ويعاني «مركزي عدن» من عجز دائم في السيولة، يدفعه إلى محاولة تغطية فشله بطباعة المزيد من العملة.