الشيطنة الأمريكية في شمال شرق سورية

الشيطنة الأمريكية في شمال شرق سورية

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٤ فبراير ٢٠٢٠

تحاول أمريكا جاهدة استغلال الصراع القائم بين المحاور الاقليمية المختلفة في منطقة الشرق الأوسط، من خلال "اللعب على الحبلين" كما يقول المثل الشعبي، وذلك من خلال دعم هذا الطرف واجراء مفاوضات مع الطرف الآخر ومن ثم طعن الطرف الأول في الظهر والحصول على مكاسب من الطرف الثاني وهكذا دواليك، وتبرز هذه اللعبة بشكل واضح في شمال شرق سوريا؛ المنطقة التي عادت إليها واشنطن بعد أن قررت الرحيل منها في 9 أكتوبر الماضي بالتوازي مع انطلاق عملية "نبع السلام" التركية، التي كانت منذ انطلاقتها نبعاً للفوضى التي سمحت للأمريكيين باستغلال الحدث وطعن الأكراد، ومن ثم العودة إلى مواقعها القديمة بل توسيع العمل العسكري في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، والآن تطوّر الأمر مع واشنطن للدفع نحو تشكيل "قوة عربية" بأموال سعودية لتعقيد جميع الحلول في الشمال السوري واطالة أمد الأزمة.
 
"القوة العربية" الجديدة تحدثت عنها مصادر محلية في شمال شرق سوريا، وكشفت المصادر عن إجراء مسؤولين سعوديين وأمريكيين، مباحثات في الحسكة، بهدف تمويل الرياض لقوات عربية تدعمها واشنطن تابعة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وأشارت في حديثها إلى أن الدعم يأتي بحجة "مقاومة محاولات التمدد الإيراني في شمال شرق سوريا".
 
ولفتت إلى أن الوفد السعودي وافق على تمويل وتدريب ما يعرف بمليشيا "الصناديد" العربية، إضافة إلى دعم وتدريب قوات "النخبة"، وهي قوات عسكرية تابعة لـ"تيار الغد" الذي يرأسه أحمد عاصي الجربا الرئيس السابق للائتلاف المعارض.
 
ومن جانبه، أكد مدير موقع "الخابور" إبراهيم الحبش، أن شركة أمنية أمريكية ستتولى تدريب القوات العربية، على أن يتم تشجيع الشبان العرب إلى الانضمام إليها فيما بعد، لزيادة عددها.
 
وأضاف الحبش، إن زوال تنظيم الدولة أغلق المجال أمام الدعم المقدم لـ"قسد"، ما دفع بالأطراف الداعمة إلى البحث عن ذريعة أخرى، وجهودها في محاربة النفوذ الإيراني، على حد قوله.
 
أهداف واشنطن
 
أمريكا تعمل منذ نوفمبر الماضي على تعزيز وجودها وإرسال تعزيزات لوجستية ومعدات عسكرية، كما قامت بإنشاء نقاط تمركز جديدة لها في العمق، بعيداً عن آبار النفط التي شكّلت الذريعة المعلنة لبقاء هذه القوات.
 
وزاد نشاط القوات الأمريكية في المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية، لا سيما في شهر يناير/كانون الثاني الجاري، وعززت من انتشارها بعيداً عن المهام التي حددت لها في وقت سابق، ما يطرح تساؤلات حول أسباب هذا التحول وأهدافه، بل وأغراض الحضور العسكري الأمريكي في سوريا بشكل عام، لا سيما أن هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها البيت الأبيض قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا، لتَؤول الأمور لاحقاً إلى زيادة عددية ونوعية.
 
وأحدث ما سُجّل على صعيد نشاط القوات الأمريكية في سوريا، قيام هذه القوات بشراء قطعة أرض في تل براك في محافظة الحسكة، بمبلغ 100 ألف دولار أمريكي من أجل إقامة قاعدة عسكرية جديدة في المنطقة، حسب وسائل إعلام محلية.
 
وفي ظلّ هذه التطورات، أعلن البنتاغون إعادة تفعيل عمليات مكافحة الإرهاب في سوريا "بعد توقف مؤقت"، وذلك على لسان الجنرال كينيث ماكنزي قائد القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية.
 
وفي حديث الجنرال إلى صحيفة واشنطن بوست، رفض تحديد مدة بقاء القوات الأمريكية في سوريا، قائلاً: "أنا بصراحة لا أعرف كم من الوقت سنبقى هنا، وليس لديّ أي تعليمات سوى مواصلة العمل مع شركائنا هنا".
 
ويتناقض هذا التصريح وهذا النشاط العسكري الموسع مع قرار الانسحاب المعلن من قبل البيت الأبيض والبنتاغون إبان عملية "نبع السلام"، وحتى مع الإعلان لاحقاً عن إبقاء وجود "مخفض" للقوات تقتصر مهمتها على حماية آبار النفط فقط.
 
في البداية جاءت واشنطن تحت ذريعة القضاء على تنظيم "داعش" الارهابي، وعلى الرغم من هذا الهدف المعلن فقد كانت الأهداف الأخرى، حسب مراقبين، أن واشنطن تحاول من خلال حضورها العسكري في سوريا أن تملك أوراق قوة للتأثير على مصير العملية السياسية في سوريا، وليس الدفع الجاد نحو حلّ سياسي ووقف المجازر بحق المدنيين.
 
وبالإضافة إلى دعم مشروع انفصالي قائم على التطهير العرقي، عمدت واشنطن إلى تحويل سوريا لساحة مواجهة ساخنة، تصفي فيها حساباتها مع قوى إقليمية مثل إيران وروسيا، وإن لم يكن الأمر كذلك ما السبب خلف صمت واشنطن عن تهجير مئات الآلاف من العرب، هذا إذا لم يتجاوز العدد مليوناً وأكثر، من مناطق يشكلون فيها أغلبية مثل الحسكة والرقة وريف دير الزور وهدم بلدات وقرى عربية بأكملها وتسويتها بالأرض وتهجير أهلها في شمال وشرق سوريا؟ ولا أحد يتحدث عن مصير هؤلاء، والانكى من هذا أن واشنطن اليوم تقول أنها تريد تشكيل "قوة عربية" تحت اشراف "قسد".
 
ماذا يجري الآن شرق الفرات؟
 
المواجهة شرق الفرات الآن قائمة وليست معلنة، لأن دمشق تريد وقررت استعادته، وتعطي الفرصة لما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية/ قسد" بالعودة لحضن الوطن والانفكاك عن الأمريكي، ولكن الآن لا يبدو الاتفاق قريبا بسبب ضغوط واشنطن على الأكراد، والولايات المتحدة تعيد بشكل تدريجي تعزيز وجودها ودعم قسد بمزيد من الآليات الثقيلة، وبالمقابل أصبح وجود وانتشار الجيش السوري ووحدات عسكرية روسية أمراً واقعاً لا يمكن تتجاوزه خاصة بعد تفاهم أكتوبر العام الماضي مع الوحدات الكردية التي فتحت حواجزها لقوات الجيش السوري وفق اتفاق قبلت به دمشق أي أن الجيش السوري والقوات الروسية محمية بسلاح الجو الروسي والسوري، أي إن وحدات قسد لا تستطيع الإخلال بالاتفاق لأنها ستواجه بقوة سلاح الجو.
 
أما الفترة القادمة، ستشهد تغيراً حتمياً بموازين القوى، وخاصة عند انتهاد الجيش السوري من تحرير إدلب وريف حلب، سيكون هناك قوة فائضة تتجه إلى شرق الفرات في حال لم يتم الاتفاق الآن مع قسد على صيغة إدارية.
 
الورقة الثانية والحاسمة تحدث عنها الرئيس السوري بشار الأسد، حيث أكد أن بقاء قوات الاحتلال الأمريكي سيؤدي إلى تشكيل مقاومة شعبية ضد القوات الأجنبية غير الشرعية وستخرج كما خرجت من أفغانستان والعراق.