طهران والتصعيد النووي: هل تَراجع الأوروبيون عن «آلية النزاع»؟

طهران والتصعيد النووي: هل تَراجع الأوروبيون عن «آلية النزاع»؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١١ فبراير ٢٠٢٠

تَراجع التصعيد الأوروبي - الإيراني المتبادل عقب اغتيال قاسم سليماني وتخفيف إيران التزاماتها النووية أكثر، لصالح الجولات الدبلوماسية التي قام بها مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي. جولات تشي بجنوح أوروبي للعودة إلى التهدئة، على طريقة شراء الوقت، وفي انتظار نتائج استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية
 دشّن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي خَلَف أخيراً فيديريكا موغيريني، مسعى أوروبياً جديداً للحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، بزيارتين إلى كلّ من طهران وواشنطن الأسبوع الماضي. الجولة أتت في وقت يعيش فيه الاتفاق أسوأ ظروفه؛ إذ كانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الدول الأوروبية الثلاث الموقّعة على الاتفاق، قد أصدرت بياناً، قبل ثلاثة أسابيع (وبعد أن اتخذت طهران الخطوة الخامسة بالتخلّي عن التزاماتها النووية)، أعلنت فيه نيتها تفعيل «آلية فضّ النزاع». وهي آلية يمكن أن تفضي إلى رفع ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولي وإعادة عقوبات الأمم المتحدة عليها. وقتها، برّرت طهران الخطوة الخامسة باستيائها البالغ من «عجز» الأوروبيين عن تشغيل آلية التبادل المالي الخاصة بالالتفاف على العقوبات. تحذير الترويكا في شأن تفعيل «آلية فضّ النزاع»، فضلاً عن خطورته لناحية احتمال إعادة العقوبات الدولية، كان من الممكن أن يتلوه فرض أوروبا أيضاً عقوبات منفصلة على إيران. وفي ذروة هذا التصعيد، أعلن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أنه في حالة عودة عقوبات مجلس الأمن فإن بلاده ستنسحب من «معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية» (NPT) بعد 51 عاماً.
نتائج جولة بوريل: تمديد المهلة
بيد أن بوريل طمأن، من طهران، السلطات الإيرانية إلى أن الاتحاد الأوروبي يمدّد مهلة تسوية الخلافات المتعلقة بالاتفاق حتى إشعار آخر، لكي لا تكون ثمة حاجة إلى رفع القضية إلى مجلس الأمن أو فرض عقوبات. وهو موقف يشير إلى نوع من التراجع عن القرار الأوروبي السابق بتفعيل آلية النزاع. وقال بوريل، بعد زيارتَيه إلى طهران وواشنطن، في مقال نشرته «بروجكت سينديكيت»: «إن أردنا إبقاء الاتفاق النووي على قيد الحياة، فيجب أن نتأكد من أن إيران ستتمتع بمزاياه لقاء العودة إلى تنفيذه بحذافيره». يشير كلام بوريل هذا، ضمناً، إلى عجز الاتحاد الأوروبي عن تحقيق مصالح طهران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق وإعادة فرضها عقوبات. وبعد عام ونيف من الانسحاب الأميركي، وضعت أوروبا، خوفاً من العقوبات الأميركية العابرة للحدود، نهاية لأيّ تعامل مالي وتجاري ومصرفي مع إيران، لكن قطار الآلية المالية الخاصة (إينستكس) لم ينطلق من محطة البداية إلى أيّ محطات أخرى. وطالب بوريل بأن تتمتّع إيران بمزايا الاتفاق لقاء عودتها إلى التنفيذ الكامل له، وهو ما يطرح السؤال المتكرّر في طهران وبروكسل: ما هي الأداة الأوروبية لتحقيق هذا الطلب؟
ماذا تريد أوروبا؟
على الرغم من أن زيارتَي بوريل يمكن اعتبارهما رسالة بنية التراجع عن التصعيد، إلا أن أداء الأوروبيين يخفّض من التوقّعات الإيرانية بتحقّق ما هو أكثر من التهدئة. وهذا ما أثبتته تجربة الأشهر الأخيرة، وهو أن أوروبا لا تملك القدرة اللازمة على التعويض عن العقوبات. ومع أن الأوروبيين يريدون الحفاظ على الاتفاق وتطبيقه، لكن ذلك لا يمكن أن يكون في اتجاه واحد، كما ترى طهران الأمر. بتعبير آخر، لا يمكن للإيرانيين تنفيذ التزاماتهم بينما العقوبات سارية أو لا يحصل تغيّر في شأن بيع النفط والحصول على عوائده.
وقد زاد بوريل من تحرّكاته الدبلوماسية، في وقت لم يعد فيه الملف النووي موضوع الخلاف الوحيد بين إيران والاتحاد الأوروبي. فالأوروبيون لم يتراجعوا أمام الضغط والابتزاز الأميركيَّين في شأن الاتفاق فحسب، بل واكبوا واشنطن في حملة إدارة الرئيس دونالد ترامب ضدّ إيران في إطار سياسة «الضغوط القصوى»، على رغم إنكارهم حتى الآن هذا الانخراط، وهو الحال الذي يُنظر إليه بغضب في طهران. كما أن صمت الدول الأوروبية، وحتى دعم البعض منها إقدام ترامب على اغتيال الفريق قاسم سليماني، أدى إلى تفاقم عدم الثقة بين طهران وبروكسل.
بناءً على ما تقدّم، يبدو أن الأوروبيين بصدد شراء الوقت فحسب، وبالتالي إبقاء النافذة الدبلوماسية لحفظ الاتفاق مفتوحة من دون منح تنازلات لتوفير المصالح الإيرانية. وحتى اتضاح نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن الأوروبيين سيتصرّفون بطريقة لا ينهار معها الاتفاق ولا تغضب واشنطن بسببها. وهم، بحسب مراقبين، ينتظرون تطوراً كهزيمة ترامب وفوز الديمقراطيين، بما يسفر على الأرجح عن عودة واشنطن إلى الاتفاق.