أسانج بوجه الإمبراطورية: المعركة بدأت للتوّ

أسانج بوجه الإمبراطورية: المعركة بدأت للتوّ

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢٥ فبراير ٢٠٢٠

بدأت محكمة وولويش البريطانية، يوم أمس، النظر في طلب تسليم جوليان أسانج إلى الولايات المتحدة، حيث سيحاكم بتهم القرصنة والتجسّس. محاكمةٌ ستجري على مدى أشهر، وتأمل إدارة دونالد ترامب أن تؤدّي في النتيجة إلى ما تصبو إليه: محاكمة مؤسّس «ويكيليكس» أمام القضاء الأميركي باعتباره «عدواً للشعب الأميركي»
مِن محكمة وولويش في جنوب شرق لندن، بدأت معركة يقودها شخصٌ في مواجهة «قوة سوداء»، كما يسمّيها رئيس تحرير «ويكيليكس»، كريستن هرافنسون. معركةٌ يقودها جوليان أسانج منفرداً في مواجهة مسارٍ ربّما ينتهي بتسليمه إلى الولايات المتحدة التي ينتظر رئيسها يوماً كهذا، ليضيفه إلى سلّة «إنجازاته». منذ اعتلائه سدّة الرئاسة، وضع دونالد ترامب محاكمة أسانج أمام القضاء الأميركي هدفاً يصبو إلى تحقيقه. هو يريد أن يجعل منه أمثولة وعبرة لغيره. جاء ترامب إلى السلطة بـ«تصوّر جديد لحرية الرأي»، وعداء لا ينفكّ يكبر للصحافة، تصاعَد في السنوات الثلاث الماضية إلى حدّ «إعلان الحرب على الصحافيين الاستقصائيين»، وفق محامي مؤسِّس «ويكيليكس»، إدوارد فيتزغيرالد. على أن الحال لم تكن أفضل في عهد باراك أوباما الزاخر بالتسريبات - جوليان أسانج وتشيلسي مانينغ (ويكيليكس)، وإدوارد سنودن (مسرب وثائق وكالة الأمن القومي) -، والذي شهد العفو عن مانينغ بعدما قضت سبع سنوات مِن عقوبة الأعوام الـ35، فيما بقيت قضية الصحافي الأسترالي مُعلّقة إلى حين بتّتها الإكوادور، إذ قرّر رئيس الأخيرة، لينين مورينو، نزولاً عند الرغبة الأميركية، حرمان أسانج، اعتباراً من نيسان/ أبريل 2019، حقّ اللجوء لدى سفارة كيتو في لندن (والتي كان لجأ إليها عام 2012 لتفادي تسليمه إلى السويد)، وتسليمه إلى السلطات البريطانية. تلك كانت توطئة للخطوة التي ستتبعها، والتي تمثّلت في مسارعة القضاء الأميركي إلى توجيه 18 تهمة جديدة ضدّ أسانج في أيار/ مايو الماضي، بموجب قوانين تكافِح التجسّس، بعدما كان مُلاحَقاً، في البداية، بتهم قرصنة إلكترونية، وطلبه مِن المملكة المتحدة تسلُّمه لمحاكمته على خلفية ما نشره «ويكيليكس» قبل عشر سنوات. توازياً، ارتفعت أصوات كثيرة للتنديد بالمعاملة التي يلقاها أسانج، إذ اعتبر مقرّر الأمم المتحدة الخاص لشؤون التعذيب، نيلز ميلزر، العام الماضي، أن المُعتقل أظهر «جميع الأعراض المعتادة التي تأتي جراء التعرّض لفترة طويلة من التعذيب النفسي»، بينما لفت محاميه، يوم أمس، إلى احتمال إقدام موكّله على الانتحار في ما لو مضت بريطانيا في إجراءات تسليمه.
بعد مُضيّ عشر سنوات على نشر «ويكيليكس» مئات آلاف الوثائق السرية الأميركية، بدأ القضاء البريطاني، أمس، النظر في طلب تسليم أسانج (48 عاماً) إلى الولايات المتحدة. طوال الأسبوع الجاري، سيَمثُل مؤسِّس «ويكيليكس» أمام المحكمة قبل إرجاء المحاكمة إلى 18 أيار/ مايو المقبل، حين ستُستأنف على مدى ثلاثة أسابيع. وفي قاعة مزدحمة داخل محكمة وولويش، حيث تجمّع صحافيون وداعمون لأسانج، ظهر الأخير هادئاً ومتيقّظاً. ممثّل السلطات الأميركية، جيمس لويس، قال: «هو ليس متّهماً لأنه كشف معلومات محرجة أو مزعجة كانت تفضّل الحكومة عدم كشفها»، متهماً أسانج الذي مثَل بهدوء وعيناه مسمّرتان على حاسوبه المحمول، بأنه عرّض حياة مصادر أميركية للخطر عام 2010 بعدما نشر «ويكيليكس» 250 ألف برقية دبلوماسية و500 ألف وثيقة سرية توثّق جرائم الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان. وأضاف: «الولايات المتحدة تعرف مصادر لم تُشطب أسماؤهم و/أو معلومات أخرى تسمح بالتعرف إليهم، مِن وثائق سرية نشرها موقع ويكيليكس التي اختفت في ما بعد».
ويواجه أسانج، الذي تجمّع العشرات مِن داعميه أمام مبنى المحكمة، عقوبة قد تصل إلى السجن مدّة 175 عاماً في أميركا. وقال لويس: «جوليان أسانج ليس صحافياً»، بعدما كان هذا الأخير رفض في جلسة استماع سابقة أن يتمّ تسليمه «بسبب عمل صحافي حصل على مكافآت كثيرة وحمى الكثير من الناس». ووصف محاميه، إدوارد فيتزغيرالد، الاتهامات الأميركية بأنها «خادعة»، مؤكداً أن موكّله يقوم «بعمل صحافي»، ومطالباً بعدم تسليمه إلى الولايات المتحدة، حيث سيتعرّض لمعاملة غير إنسانية ومهينة، بفعل حكم جائر يصدر ضدّه وظروف سجن لم تكن مواتية. واعتبر المحامي، ردّاً على ممثّل السلطات الأميركية، أن طلب التسليم الذي تقدّمت به واشنطن، إنما تُحرّكه دوافع سياسية أكثر من أيّ جرائم حقيقية، وسيكون تسليمه ظالماً وقمعياً بسبب حالته النفسية وخطر إقدامه على الانتحار، بحسب فيتزغيرالد، الذي لفت إلى أن الموقف الأميركي مِن أسانج تغيّر عندما تَقلّد ترامب السلطة. وإذ تساءل عن الأسباب الكامنة خلف هذا التغيير، قال: «الإجابة أن الرئيس الحالي جاء إلى السلطة بتصوّر جديد لحرية الرأي وعداء جديد للصحافة»، إذ جرى توجيه الاتهام «ليس على أساس تكشّف وقائع جديدة، بل لأن القضية صارت مطلوبة سياسياً ومرغوباً فيها». وفي هذا الإطار، يعتزم محامو أسانج استدعاء موظف سابق لدى شركة أمنية إسبانية، يقول إنه تمّت مراقبة الرجل أثناء وجوده لدى سفارة الإكوادور في لندن مِن قِبَل الولايات المتحدة، وأن الحديث كان يتناول احتمال اختطافه أو تسميمه. وأشار محاميه إلى أن ذلك كان مؤشراً على الخطر الذي سيواجهه موكله في حال تسليمه إلى دولة «مستعدة للنظر في مثل هذه الإجراءات المتطرفة».