أوامر ترامب لابن سلمان تُقلِّص الإمدادات: «معجزة أوبك+» لن تنقذ النفط الأميركي

أوامر ترامب لابن سلمان تُقلِّص الإمدادات: «معجزة أوبك+» لن تنقذ النفط الأميركي

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١ مايو ٢٠٢٠

لن يكون لاتفاق «أوبك+»، القاضي بخفض 10% من إمدادات النفط العالمية، والذي يدخل حيّز التنفيد اعتباراً من اليوم، أثرٌ يذكر في تبديد قلق السوق المنهارة، على الأقلّ في المدى المنظور. مع ذلك، كشف الاتفاق فصلاً جديداً من فصول الابتزاز الأميركي للحليف الخليجي، بعدما وضع ترامب، كما يبدو، «أمن» السعودية على المحكّ، عندما طالبها بالرضوخ لخيار خفض الإنتاج أو تحمُّل تبعات خسارة الحماية الأميركية. لكنّ الرئيس الأميركي سيتنبّه، في مقبل الأيام، إلى أن «إنجازه» لا يعدو كونه مسكّناً موقتاً، لن يساهم في استقرار السوق الغارقة بالنفط، أو إنقاذ صناعة النفط الأميركية، ما لم يتّخذ قراراً بالانضمام إلى الاقتطاعات الطوعية.
معطيات جديدة بدأت تتكشّف تباعاً، وتشير إلى ابتزاز أميركي مورس في حقّ «الحليف الاستراتيجي»، حتّى إنه وصل إلى حدّ تهديد الرئيس دونالد ترامب، صديقه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بالتخلّي عن حماية المملكة عسكرياً، ما لم تذعن الأخيرة لـ«أوامر» إنهاء حرب الأسعار. حربٌ انطلقت شرارتها بعد قرار روسيا الانسحاب مِن خطط خفض الإنتاج المعمول بها منذ بداية عام 2017 ضمن تحالف «أوبك+»، مفتتحةً في اجتماع السادس من آذار/ مارس الشهير، فصلاً جديداً من فصول تعويم السوق بالنفط الرخيص، بعدما لاقتها السعودية على الطرف الآخر بقرار تحرير الإنتاج إلى حدّه الأقصى. دُفِعت الأسعار المنخفضة أصلاً إلى انهيار زادت مِن حدّته أدوات علاج وباء «كورونا» بالعزل. تلقّى الطلب العالمي صفعته الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، لتهوي الأسعار مجدّداً إلى مستويات تاريخيّة متأثّرة بوفرة المعروض من جهة، وفائض المخزونات العالمية من جهة أخرى. أطلق العنان لحرب نفطيّة جديدة، كانت روسيا واضحة في مسعاها: تدمير صناعة النفط الصخري الأميركية، ذات الكلفة العالية، واستعادة حصّتها في السوق. ما حدث، شكّل مفاجأة للولايات المتحدة التي تلقّف رئيسها خبر انهيار الأسعار بالترحيب، كون أسعار البنزين الرخيصة تعادل خفضاً ضريبياً لناخبيه مِن أصحاب السيارات، قبل أن ينتقل إلى مرحلة التهديد.
في الثاني من نيسان/ أبريل، أجرى ترامب مكالمة هاتفية صريحة مع ابن سلمان. قال له، وفق رواية نقلتها «رويترز» عن أربعة مصادر، إذا لم تبدأ «منظمة الدول المصدرة للنفط» (أوبك) بخفض إنتاجها من النفط، فلن يكون في وسعه منع أعضاء مجلس الشيوخ من تمرير قانون ينصّ على سحب القوات الأميركية من المملكة. التهديد بإنهاء التحالف الاستراتيجي وترك المملكة من دون «حماية»، كان محوريّاً في حملة الضغط الأميركية التي أدّت إلى فضّ النزاع السعودي ــــ الروسي، وصولاً إلى الاتفاق على خفض الإمدادات ضمن تحالف «أوبك+» (دول «أوبك» ومجموعة منتجين مستقلّين بقيادة روسيا) للجم تدهور الأسعار بعدما أصبح الجميع متضرّراً، وإنْ بنسب متفاوتة. وبدءاً من اليوم، يدخل اتفاق خفض الإنتاج حيّز التنفيذ. ومن المقرّر أن تستمر القيود لعامين، ولكن ليس عند مستوى الشهرين الأوّلين ذاته. فبعد حزيران/ يونيو، سيتمّ تقليص الاقتطاعات من 9.7 ملايين برميل يومياً إلى 7.6 ملايين حتى نهاية العام الجاري، ثم بمقدار 5.6 مطلع العام المقبل ولغاية نيسان/ أبريل 2022، وفق الخطوط العريضة للاتفاق.
نقل الرئيس الأميركي رسالته إلى وليّ العهد السعودي قبل 10 أيام من اتفاق «أوبك+». ويكفي، للتأكُّد من صحّتها، ما قاله ترامب نفسه لدى إجابته عن سؤال «رويترز» إن كان فعلاً هدّد ابن سلمان: «لم تكن هناك حاجة إلى ذلك». في الاتجاه ذاته، جاء ردّ وزير الطاقة الأميركي، دان برويليت، الذي أكّد أن من حقّ الرئيس استخدام كل الأدوات المتاحة لحماية المنتجين الأميركيين، بما في ذلك «دعمنا لاحتياجاتهم (الرياض) الدفاعية». اتصال ترامب ــــ ابن سلمان سبقَه بأسبوع اقتراحٌ تقدّم به السيناتوران الجمهوريّان كيفين كريمر ودان سوليفان، يقضي بسحب جميع القوات الأميركية الموجودة على الأراضي السعودية ومعها جميع أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ، ما لم تنصع المملكة لأوامر خفض إنتاجها من الخام. اقتراحٌ اكتسب زخماً وسط غضب راكمه الكونغرس على مدى العامين الماضيين، بعد جريمة اغتيال جمال خاشقجي، ومحاولاته المتكرّرة لتمرير مشاريع قوانين لـ«معاقبة» السعودية على جرائمها في اليمن عبر تعليق مبيعات الأسلحة، لكنّها اصطدمت، في كل مرّة، بفيتو رئاسي. وجاءت حرب أسعار النفط لتزيد من غضب المشرّعين الأميركيين، إذ إن توقيتها بدا سيئاً بالنسبة إلى صناعة النفط الأميركية، ولا سيّما في ظلّ انهيار الطلب العالمي على الطاقة وطوفان الإمدادات الذي جاء توازياً مع قرار الحكومات حول العالم فرض إجراءات عزل لمكافحة الوباء.
يذكّر ترامب، كلّما سنحت فرصة للتذكير، بأنّه قاد شخصياً جهود خفض الإنتاج رغبة منه في إنقاذ قطاع الطاقة في بلاده، من دون أن يضطر المنتجون الأميركيون إلى تنفيذ اقتطاعات طوعية. لكن الاتفاق الذي يسري اليوم لن ينقذ صناعة النفط الأميركية التي تحتاج إلى أسعار تفوق الـ 40 دولاراً لتنجو.
ورغم اتفاق سحب 10% من الإمدادات العالمية يومياً، واصل منحنى الأسعار انحداره التاريخي. وتجلّى في سقوط العقود الآجلة للخام الأميركي، «غرب تكساس الوسيط»، في 20 نيسان/ أبريل، إلى ما دون الصفر دولار (-37)، حين دفع حاملو العقود (المضاربون) أموالاً للمشترين لتجنُّب تسلّم براميل نفط لا مكان لتخزينها. كذلك، انخفضت العقود الآجلة لخام القياس العالمي، «برنت»، إلى مستويات لم يشهدها منذ انهيار أسعار النفط في عام 1999. في الإطار ذاته، خلص استطلاع لـ«رويترز» إلى أن أسعار الخام تتّجه صوب مزيد من الانخفاض هذا العام، حتى مع تخفيف الدول للقيود المفروضة للحدّ من انتشار فيروس «كورونا»، بينما لن يكون لتخفيضات الإنتاج أثر يذكر في معالجة التخمة، وخصوصاً مع نفاد الطاقة الاستيعابية لتخزين الخام الفائض عن الاستهلاك. وفق التوقّعات التي شملت 45 محلّلاً، سيبلغ متوسط أسعار خام «برنت» 35.84 دولاراً للبرميل في 2020، بانخفاض 7.5% عن توقعات آذار/ مارس. كما تراجعت توقّعات 2020 لـ«غرب تكساس الوسيط» إلى 31.47 دولاراً للبرميل، بعدما كانت 35.29 دولاراً الشهر الماضي. وفي الإجمال، تفيد التوقعات بأن الطلب على النفط سينخفض ما بين 20 و25 مليون برميل يومياً في الربع الثاني من العام الجاري، وبين 9.2 و10.6 ملايين برميل يومياً في 2020.
الأسعار تتحسّن... موقتاً
واصلت عقود النفط الآجلة ارتفاعها لليوم الثالث على التوالي، مدفوعة باقتراب تنفيذ اتفاق «أوبك+» لخفض إنتاج النفط. وبحلول الساعة 10:39 بتوقيت غرينتش، صعدت العقود الآجلة لخام القياس العالمي «برنت» تسليم تموز/ يوليو، بنسبة 8.13% أو 1.98 دولاراً إلى 26.24 دولاراً للبرميل. كما قفزت العقود الآجلة للخام الأميركي «غرب تكساس الوسيط» تسليم حزيران/ يونيو، بنسبة 15.41% إلى 17.34 دولاراً للبرميل. وساهم في تحسُّن الأسعار يوم أمس، أن مخزونات الولايات المتحدة من الخام زادت تسعة ملايين برميل الأسبوع الماضي، لتصل إلى 527.6 مليون برميل، بحسب ما أظهرته بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، وهو ما جاء أقلّ بكثير من زيادة قدرها 10.6 ملايين برميل توقّعها المحللون. في هذا الإطار، قال مدير استراتيجية السلع الأولية في «آي إن جي»، وارن باترسون، «إذا رأينا استمراراً لهذا الاتجاه في الأسابيع المقبلة، فقد ينبئ بأن سوق النفط ربّما تجاوزت الأسوأ».