بطالة وانهيار للعملة وخسائر بعشرات المليارات: «كورونا» يفتك بالاقتصاد التركي

بطالة وانهيار للعملة وخسائر بعشرات المليارات: «كورونا» يفتك بالاقتصاد التركي

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٢ مايو ٢٠٢٠

كما في كل الدول، أرخت ضائقة «كورونا» على تركيا، ولا سيما في المجال الاقتصادي. خسائر تركيا بعشرات مليارات الدولارات. وتزداد صعوبة التعويض كونها بلداً سياحياً يعتمد على حركة المواصلات الخارجية المتوقفة حالياً حتى وقت طويل. فمن قطاع السياحة وحده، كانت تركيا تحصل على مدخول بالعملة الصعبة لا يقل عن 50 مليار دولار سنوياً. كما أرخت الأزمة الاقتصادية على قطاع العمالة، حيث ازدادت أعداد العاطلين عن العمل وباتت تزيد على الـ 30 في المئة من اليد العاملة. بل إن علي باباجان، زعيم حزب «الديموقراطية والتقدّم» والمسؤول السابق عن ملف الاقتصاد في تركيا في سنوات ازدهاره، قبل أن ينفصل عن حزب «العدالة والتنمية»، يقول إنه يخاف من إعلان الرقم الحقيقي لنسبة البطالة. وبطبيعة الحال، تتراجع الصادرات وإلى وقت طويل والتي لا تقل عن 170 مليار دولار سنوياً.
 
لكن الضغوط على العملة المحلية كانت الأبرز، حيث تراجعت قيمة الليرة التركية إزاء الدولار والعملات الصعبة بما لا يقل عن 20 في المئة خلال أقل من شهرين. وباتت تتراجع بسهولة مع كل يوم يمر.
وإذا كان كورونا عاملاً أساسياً في ذلك، فإن صحيفة «يني شفق» الموالية لحزب «العدالة والتنمية» ترى فيها ضغوطاً تستهدف السياسات التي تسعى إلى إقامة اقتصاد مستقل متحرّر من الهيمنة الخارجية ومحاولة العودة لرهن تركيا بصندوق النقد الدولي. التراجع في سعر الليرة ووصوله من 5.50 إلى 7.30 اضطر المصرف المركزي إلى التدخل. وما بين نهاية شباط وحتى اليوم، تراجع احتياط تركيا من العملة الصعبة والذهب، من 108 إلى 86 مليار دولار، من بينها 25 مليار دولار فقط كتلة نقدية صافية. ويرى خبراء اقتصاديون أنه إذا استمر ذوبان مخزون العملة الصعبة في البنك المركزي فإن تركيا ستحتاج، برأي الخبير الاقتصادي إيرول طايماز، إلى ما لا يقل عن 54 مليار دولار، ليس من جهة يمكن أن تعطيها سوى صندوق النقد الدولي. ذلك ولا سيما أن تركيا عليها أن تسدّد ديوناً خارجية على المدى القصير، ما يقارب 122 مليار دولار، فيما لا يوجد لذلك أكثر من 16 مليار دولار كما يقول الخبير الاقتصادي إيفرين زيليوت.
لكن صندوق النقد الذي يملك تريليون دولار يواجه طلبات من 90 دولة، كما أن شروطه لا تقبل بها تركيا، وهي إغلاق حنفيات الفساد ووضع برنامج تقشف واعتماد الشفافية في السياسات.
وإذ يقول وزير المالية (صهر إردوغان) براءت ألبيرق، إن الوضع ليس مقلقاً ولا داعي للخوف وكل شيء سيكون جيداً، يحذّر زعيم حزب «الشعب الجمهوري» كمال كيليتشدار أوغلو، من أن الوضع في حال استمراره بتراجعه بهذه الوتيرة فإن تركيا ستكون أمام أزمة اقتصادية أسوأ بكثير من أزمة 2008.
ويحذّر باباجان من أن أزمة تركيا الاقتصادية عميقة، وخصوصاً أن الحكومة خلقت لنفسها عداوات كثيرة مع الخارج، ولا سيما الدول الغربية، حيث تراجعت الاستثمارات الأجنبية التي بلغت ذروتها في عهد باباجان وبلغ مجموعها 600 مليار دولار.
شائعات الانقلاب
فجأة، ظهرت في السجالات السياسية مسألة احتمال القيام بانقلاب عسكري، بعد مقالة كتبها الكاتب اليساري راغب زاراقولو، في صحيفة «إيفرنسيل» وموقع «آرتي غيرتشيك»، والتي عقد فيها مقارنة بين عهد عدنان مندريس، رئيس حكومات الخمسينيات، وسلطة الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان. وتحدّث فيها زاراقولو عن أوجه عمليات القمع الصحافية والعمل على إسكات المعارضة والاستئثار بالسلطة والتي انتهت إلى قيام العسكر في 27 أيار 1960 بانقلاب انتهى في العام التالي إلى إعدام مندريس، ووزيري الخارجية والمالية، شنقاً. وأنهى الكاتب مقالته بالقول «لا مهرب لإردوغان وجماعته من هذا المصير».
أثارت المقالة ردات فعل فورية من فريق عمل إردوغان، من رئيس لجنة الاتصالات بالرئاسة فخر الدين ألتون إلى المستشار الأول لإردوغان إبراهين قالين وغيرهما، الذين وصفوا زاراقولو بالانقلابي. وقد فتح المدعي العام بعد أيام تحقيقاً بالمقالة وادعى على زاراقولو.
وعلى الرغم من عدم وجود مناخات على احتمال حدوث انقلاب عسكري (خلا المفاجآت)، فإن ردة فعل السلطة اتسمت بالتهويل على المعارضة وباتخاذ إجراءات تعكس المزيد من تشديد قبضة إردوغان على الحكم.
وبرز زعيم حزب «المستقبل» أحمد داود أوغلو، بين الذين انتقدوا إردوغان واتهمه بأنه يستغل شائعات الانقلاب لتشريع توجهاته التسلطية وبأنه حوّل السلطة إلى شركة للدعاية. وسأل: «إذا كان هناك من خطر انقلاب فهل يكون ذلك بالبقاء خارج أنقرة 45 يوماً بذريعة كورونا وخوض سجالات افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، أم بالعودة إلى أنقرة وقطع الطريق على مثل هذه المحاولات؟».
أما الكاتب المعروف مراد يتكين، فيقول إن على إردوغان ألا يغضب وينزعج. فما يُكتب عن استئثاره بالسلطة صحيح مئة في المئة، وهو ليس فقط من يعيّن كبار الموظفين بل هو أيضاً الذي يحدّد سعر تذكرة الباص، وفي حال صادف أن إردوغان لم يكن على علم بعصفور طار من دون علمه يجبره على الاستقالة.