العنصرية الأميركية متجذرة.. وترامب يحاول تأجيجها لمصلحته

العنصرية الأميركية متجذرة.. وترامب يحاول تأجيجها لمصلحته

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٤ يونيو ٢٠٢٠

مقتل جورج فلويد في أميركا لم يكن حادثاً غريباً على المجتمع الأميركي، ففي كل عام يسقط عشرات الأشخاص ضحايا الحوادث العنصرية التي تطال كل الفئات المجتمعية والثقافية، فهل هي أزمة اجتماعية أم أن لها جذوراً قانونية وخلفيات سياسية؟
على مدار السنوات الماضية، ظهرت العديد من جرائم العنصرية والتمييز التى ارتكبتها الشرطة الأميركية ضد ذوي البشرة السمراء، من تعذيب وقتل وتعامل لاإنساني، واعتقال دون أي تهم مسبقة أو لمجرد الاشتباه.
يفترض الدستور الأميركي أن يتم التعامل بمساواة بين المواطنين وعدم التفرقة بينهم على أساس اللون أو الجنس أو الدين أو العرق، إلا أن الحوادث المتكررة تشهد أن العنصرية مزروعة فى نفوس الكثيرين، والتي كان من نتائجها مقتل جورج فلويد، وقبله الكثيرين على يد الشرطة الأميركية، والأدهى أن المحاكم تبرأ عناصر الشرطة في غالبية حوادث القتل أو الاعتداء.
فهل للعنصرية جذور في المجتمع الأميركي، وهل تحمي القوانين الأميركية من العنصرية؟ أم أنها مجرد حبر على ورق؟..
تاريخ الولايات المتحدة العنصري 
.."أزمة العنصرية موجودة في النظام القانوني والدستوري في الولايات المتحدة الأميركية بشكلٍ مبطن، بمعنى أن لها في الأساس جذوراً تاريخية.. وتاريخ الولايات المتحدة الأميركية عنصري بامتياز"، هذا ما قاله أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الدكتور حسن جوني.
وخلال مقابلة مع الميادين نت، أضاف أن "البنية الأساسية الاجتماعية لأميركا هي "بنية استيطانية قائمة على إحلال عنصر غريب على المنطقة مكان أصول البلاد"، في إشارة إلى الإبادة التي تعرّض لها الهنود الحمر، السكان الأصليون للبلاد، "إذاً فالاستعباد قائم منذ زمن.. وفي السابق، تم إقرار قوانين لإنهاء العبودية والرق، لكن العنصرية بقيت متجذرة في المجتمع  الأميركي".
حيث بقيت بعض الولايات الأميركية تشهد عنصرية تجاه أصحاب البشرة الداكنة، ولم يحظوا في الكثير من الأماكن بحقوقهم، بل تعرضوا لاضطهاد وقمع، وتشير بعض الحوادث التي تم تناول بعضها في الأفلام الأميركية، إلى حرق أراضيهم وبيوتهم، والاعتداء على الكثيرين منهم.
بعد ذلك شهد التاريخ الأميركي العديد من الثورات والتحركات، على أعقاب حوادث عنصرية استهدفت بشكل أساسي الأميركيين الأفارقة، ومن ذلك الحادثة التي تعرضت لها السيدة روزا باركس حيث رفضت مُغادرة مقعدها في مقدّمة الحافلة، والعودة إلى المقاعد الخلفيّة استجابة لأمر السّائق (الذي يبدو أنه انطلق في طلبه من موقف عنصري)، وتعرّضت للاعتقال من قبل الشّرطة لاحقاً، وفجّرت قضيّتها ثورة عارمة بين المواطنين في الجنوب الأميركيّ، أدّت إلى إلغاء القانون العُنصريّ.
المساواة في الحقوق شكلية
الأستاذ الجامعي حسن جوني اعتبر أن هناك أزمة قوانين في الولايات المتحدة،و"المساواة في التصويت لا تعبر عن حقوق الإنسان الحقيقة"، فهذه الحقوق محصورة بحرية الفرد، أما من الناحية العملية فتبقى هذه الحقوق رهينة الأهواء وطبيعة المحاكم والقضاة.
ويؤكد جوني في هذا السياق، أن المساواة في الحقوق التي نجدها في الدستور الأميركي هي شكلية ليس إلاّ، أما في المضمون فهناك صراع طبقي واضح، "الفقير في الولايات المتحدة يبقى فقيراً ولا يستطيع التمتع بالثروات الموجودة في بلاده، يكون في مجتمع غريب عنه، يعيش حالة الغربة في وطنه".
وبحسب جوني، الأساس اليوم هو ليس قانونياً فقط بل إجتماعي وإنساني أيضاً، والأرقام تؤكد أنه يوجد حوالى 1100 قتيل من قبل الشرطة سنوياً وهناك حوالى الثلثين من أصول أجنبية.
العنصرية أزمة قانونية واجتماعية في أميركا
ويعتبر جوني أن العنصرية الأميركية ليست أزمة قانونية بحتة، بل هي أزمة اجتماعية بشكلٍ عام بسبب الطبيعة الرأسمالية لهذا المجتمع، وهي أزمة كبيرة جداً تطعن بحقوق الإنسان والديمقراطية التي تتغنى بها الولايات المتحدة. 
ورأى جوني أن هذا العنف الذي نراه اليوم من قبل الشرطة الأميركية هو "بداية تحضير لقبول العالم بالفاشية الأميركية"، ويتابع جوني في هذا المقام إن "القبول برفض الآخر" رسالة أميركية للعالم بأن الفاشية قادمة على صعيد الممارسة، وقد تكون قانوناً.
"لذلك فإن هذه الأحداث قد تبرر فيما بعد تغيرات قانونية، تبرر استخدام القوة بهذا الشكل العنصري الفاضح"، وتخوف جوني "من السيطرة القوية للجنرالات على السلطة".
عدم تساوٍ في الفرص وترسيخ صورة "الأميركي الأبيض"
من جهته أكد المتخصص بالشأن الأميركي، كامل وزنة، أن الحرب الأهلية الأميركية سابقاً دعت إلى تحرير "ذوي البشرة السمراء" من العبودية لكن هذا التحرير لم يعطهم الفرص المتساوية في مجالات عديدة.
وأشار إلى أننا اليوم نعود لنفس المسألة في اضطهاد واضح وعدم تساوٍ في الفرص، إضافةً إلى التفاوت الطبقي الكبير الذي يلحق بهذه الفئة الأساسية في الولايات المتحدة، باعتبار أن نسب الفقر لدى هؤلاء هي ضعفي البيض، بالإضافة إلى الفرص غير المتساوية من حيث الوظائف وامتلاك المنازل... وفي الآونة الأخيرة لوحظ بأن وضعهم الصحي في أميركا في ظل انتشار فيروس كورونا ساء بنسبة قد تصل إلى 60٪؜.
يشار إلى أن العنف الذي تعرّض له جورج فلويد هو ليس حالة فريدة، بل إن هناك أرقاماً تفيد بأن ذوي البشرة السمراء يتعرضون للعنف 7 أضعاف ما يتعرض له البيض، بحسب وزنة.
ويرى وزنة أن ترامب لعب الورقة التي من خلالها أراد "ترسيخ هوية الأبيض الأميركي" مقابل الأقليات الأخرى، "أي من خلال التغيير الديمغرافي والعنصرية لتجييش البيض من أجل الاستمرار بالسلطة وإعادة انتخابه من جديد".
وأضاف أن أميركا قادمة على نقلة تاريخية في الـ30 عاماً القادمة، متوقعاً أن يصبح البيض الأقلية وغيرهم الأكثرية".
وتابع، نلاحظ أن الطريقة التي تعامل بها الأمن أدت إلى رؤية واضحة أن العنصرية الأميركية متجذّرة، خاصة عندما يدعو الرئيس إلى العنف وقمع الحريات.
أما بخصوض الاجراءات التي يمكن أن تتخذ اليوم في أميركا، قال "إنه يجب إعطاء الفرص المتساوية للطبقات المهمشة في أميركا، وهذا من الصعب تطبيقه من دون مشاركة حقيقة وفاعلة مرفقة بدعم مالي".