نقاط ضعفها التاريخية أنقذتها… كيف خالفت إفريقيا كل التوقعات وصمدت أمام كورونا؟

نقاط ضعفها التاريخية أنقذتها… كيف خالفت إفريقيا كل التوقعات وصمدت أمام كورونا؟

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢٢ يونيو ٢٠٢٠

“كارثة تحدق بإفريقيا بسبب جائحة كورونا”، صدر هذا التحذير من قِبل منظمة الصحة العالمية قبل أكثر من شهر، ولكن ما زالت أقل قارات العالم تضرراً من الفيروس، فما أسباب انخفاض الإصابات بكورونا في إفريقيا؟
 
في الأسبوع الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن العدد الإجمالي للحالات المؤكدة في إفريقيا قد تضاعف في أقل من 20 يوماً، إلى أكثر من 200000 إصابة، غير أنه لا يزال أقل من 3% من إجمالي الإصابات العالمية. ولكن من غير الواضح عدد الحالات الموجودة بالفعل، بسبب معدلات الاختبار غير الكافية.
 
جثث في الشوارع.. الكارثة التي لم تحدث في إفريقيا حتى الآن لحسن الحظ
مع زيادة الحالات المستوردة وانتشار فيروس كورونا في جميع بلدان القارة تقريباً، كما يقول مسؤولو الصحة، بدأت منظمة الصحة العالمية دق ناقوس الخطر في المؤتمرات والبيانات الصحفية حول أزمة تتكشف بالقارة. وقالوا إن مرضى Covid-19 يمكنهم التغلب بسرعة على البنية التحتية الصحية الضعيفة.
 
ذهبت ميليندا غيتس، زوجة بيل غيتس، في مقابلة مع شبكة “سي إن إن”، إلى أبعد من ذلك في أبريل/نيسان، حيث توقعت وجود جثث بالشوارع، في مشهد يذكّرنا بالقصص عن الطاعون الأسود الذي انتشر في أوروبا خلال العصور الوسطى.
 
ويقول مسؤولو مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في إفريقيا ومنظمة الصحة العالمية، إن التحذيرات كانت مهمة. لاسيما أن العالم لا يعرف سوى القليل عن Covid-19 والدول بحاجة إلى الاستعداد بشكل عاجل.
 
ولكن بعد قرابة خمسة أشهر، من انتشار الفيروس، لم تحدث تلك السيناريوهات الكارثية في إفريقيا.
 
قال د. همفري كاراماغي، رئيس فريق البيانات والتحليلات والمعرفة بإفريقيا في منظمة الصحة العالمية: “لماذا لم يحدث؟ وما إذا كان أسوأ ما يمكن أن يحدث، هو واحد من أكثر أسئلة الصحة العامة التي تواجه المسؤولين في القارة في هذه المرحلة من الوباء”.
 
هناك عوامل رئيسية حدّت من تداعيات «كوفيد-19»، أبرزها الوصول المتأخر للوباء والذي سمح باتّخاذ إجراءات تحضيرية، وفحص المسافرين الوافدين، حسبما قال ريتشارد ميهيغو، نائب مدير مكافحة تفشي «كوفيد-19» في «منظمة الصحة» بإفريقيا، لصحيفة «الشرق الأوسط» السعودية.
 
أسباب انخفاض الإصابات بكورونا في إفريقيا
1-  تأخر وصول الفيروس أتاح فرصة للتعلم
دول إفريقيا كانت بين آخر الدول التي بلغها الوباء؛ إذ سُجّلت أولى الحالات في نهاية شهر فبراير/شباط وبداية شهر مارس/آذار. وسمح ذلك لدول القارة بتعلم الكثير حول طبيعة الوباء الذي انتشر حول العالم، واتّخاذ إجراءات تحضيرية لمكافحة الجائحة. ويتابع: «ولعل الأهم من ذلك، هو أنه بمجرد ما بدأت تظهر إصابات وافدة في دول إفريقية، اتّخذت إجراءات فورية وناجحة في فحص المسافرين القادمين، خاصة من دول أوروبا وآسيا، إلى جانب فرض إجراءات إغلاق صارمة في العواصم، حيث ظهرت غالبية الإصابات، ورصد وتتبع المصابين المشتبه بهم»؛ ما سمح بكبح انتشار الفيروس.
 
2-  القادة كسبوا المعركة المبكرة عبر الإغلاقات وفحص المسافرين
يقول نكينجاسونج إن الشيء الوحيد الذي يبدو مؤكداً هو أن العديد من القادة الأفارقة فهموا الأمر بشكل صحيح في المراحل الأولى من القتال.
 
وأضاف أن “القيادة في القارة كانت استثنائية في الرد بطريقة منسقة”.
 
ويتابع أن الإجراء السريع الذي اتخذه العديد من القادة الأفارقة لإغلاق اقتصاداتهم يجب أن يحظى بتقدير كبير؛ لدوره في إبطاء انتشار الفيروس بالمجتمع في الأشهر الأولى.
 
 
أغلب الدول الإفريقية نفذت إغلاقات صارمة/رويترز
فعلى سبيل المثال، قد عززت دول عدةٌ قدرات فحص المسافرين لديها، رغم افتقادها للعدد الكافي من المختبرات ولأدوات الفحص، حسب ريتشارد ميهيغو، نائب مدير مكافحة تفشي «كوفيد-19» في «منظمة الصحة العالمية» بإفريقيا.
 
وقادت جنوب إفريقيا هذا الاتجاه بإغلاق حدودها أمام المسافرين ذوي المخاطر العالية، وإغلاق مدارسها في منتصف مارس/آذار قبل الوصول إلى 100 حالة مؤكدة. تبعه تأمين صارم بسرعة.
 
3- الخبرة الطويلة مع الأمراض الخطيرة
يقول خبراء الصحة إن هذه القرارات الصعبة، والخبرة الطويلة في التعامل مع أمراض مثل الإيبولا والحمى الصفراء، كانا لهما تأثير كبير على معدلات الانتقال.
 
لكن كاراماغي ومجموعة من العلماء الأفارقة البارزين يعتقدون الآن أن العوامل الاجتماعية والبيئية، والطريقة المعقدة التي يتفاعل بها البشر وبيئتهم، يمكن أن تلعب دوراً مهماً.
 
“نتوقع أن يكون معدل انتقال العدوى في إفريقيا أقل. قد يستغرق الأمر وقتاً أطول للوصول إلى الأشخاص المعرَّضين للإصابة والوفيات، ستكون شدة التفشي أقل حدة مما رأيناه في بلدان أخرى”، قال كاراماغي.
 
وهناك نقط ضعف القارة تحولت إلى مصادر للقوة في مواجهة الفيروس
يبدو أن نقاط ضعف القارة تحولت إلى مصادر للقوة في مواجهة الفيروس.
 
يستند فريق كاراماغي إلى هذا التقييم على نمذجة المرض الذي نشر في أواخر شهر مايو في مجلة BMJ Global Health .
 
لا تفترض نماذجهم أن اتخاذ تدابير صحية كبيرة من قبل الحكومات هو فقط ما يقلل انتشار فيروس كورونا، ولكن هناك عوامل أخرى تؤثر على انتشار المرض.
 
4- نقص الطرق ونسبة سكان الريف المرتفعة
يقول المؤلفون إن أحد العوامل الرئيسية هو التحركات السكانية الأقل نسبياً عبر القارة.
 
مع وجود شبكات طرق متفرقة وارتفاع نسبة سكان الريف في القارة يجعل هذا للفيروس فرص أقل للسفر.
 
كما يمكن أن تؤثر العوامل المناخية ، مثل الطقس وهطول الأمطار ، على انتشار الفيروس ، وفقًا لهذه النمذجة.
 
6- القارة الشابة لديها ميزة نسبية مع الفيروس الذي يفترس العجائز
ويقول خبراء في الصحة العامة إن إحدى المزايا الواضحة عبر القارة تستند إلى تركيبة السكان نفسها، فأكثر من 70 ٪ من الأشخاص الذين يعيشون في إفريقيا جنوب الصحراء تحت سن 30 عامًا ، وفي القارات الأخرى ، كان لـ Covid-19 آثارًا أكثر حدة على كبار السن.
 
فأحد عوامل قدرة إفريقيا على مواجهة الفيروس هو ديموغرافية القارة الشابة، وقال «إن نظرنا إلى متوسط الأعمار في القارة، نجد أنه 20 عاماً. وبالمقارنة مع دول أخرى عبر العالم حيث تأثر المسنون بشكل خاص، نلاحظ أن نسب الوفاة المرتبطة بـ(كوفيد – 19) جد متدنية في إفريقيا”، حسب نائب مدير مكافحة تفشي «كوفيد – 19» في «منظمة الصحة» بإفريقيا.
 
إذ يبدو أن زيادة السكانية الكبيرة في القارة التي كانت تنتقد من قبل، ساهمت في تقليل نسب الوفيات.
 
إضافة إلى إنخفاض العمر المتوقع للفرد جراء تدهور الاوضاع الصحية جعل عدد ونسبة الطاعنين في العمر قليلة وهؤلاء هم هدف الفيروس الأضعف وضحاياه الأكبر.
 
7- الفقر أدى إلى إنخفاض نسبة أمراض السكري والسمنة
يقول كاراماغي أيضًا أن المعدلات المنخفضة في القارة لبعض الأمراض مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والسمنة – وهي أمراض تؤدي إلى زيادة تأثيرات فيروس كورونا وهذا أدى إلى عدد أقل من الحالات الشديدة في العديد من البلدان.
 
المفارقة أن هذه أمراض منتشرة في الدول المتقدمة والمتوسطة كالدول العربية ببينما تتراجع في الدول الأكثر فقراً.
 
 
الفقر أدى إلى إنخفاض أمراض مثل السكر والسمنة التي تفاقم تداعيات مرض كورونا/رويترز
لكن Covid-19 فيروس محير. اليابان ، على سبيل المثال ، لديها واحدة من أقدم السكان في العالم ولم تشهد الوفيات المدمرة للولايات المتحدة أو إيطاليا. البرازيل حارة ورطبة ، وهي الآن بؤرة المرض.
 
قال كاراماغي: “إنه ليس عاملاً واحدًا. إنه كيف تعمل هذه العوامل معًا لخلق نمط نراه في بلد ما. لقد أنشأنا هذا النموذج لفهم ذلك”.
 
هل حجم الإصابة الفعلي أكبر من المعلن؟
ويخشى البعض أن يكون حجم الإصابة الحقيقية غير واضح.
 
وقال نكينجاسونج إن الدول الأعضاء في مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في إفريقيا لم تجر سوى ربع عدد الاختبارات اللازمة لتقصي حجم الفيروس.
 
كانت هناك مؤشرات على وجود نقاط ساخنة ، مثل ارتفاع عدد الوفيات غير المبررة في كانو ، في شمال غرب نيجيريا ، حيث اعترف وزير الصحة مؤخرًا بأن أكثر من نصف الوفيات غير المبررة في أبريل/نيسان 2020 كانت بسبب الكوفيد 19.
 
ولكن حتى في الوقت الذي يعمل فيه مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في إفريقيا مع البلدان لزيادة القدرة على الاختبار وظهور نقاط ساخنة في المراكز الحضرية ، يقول مسؤولو منظمة الصحة العالمية إنه لا يوجد دليل يذكر حتى الآن على حدوث زيادة كبيرة في الحالات الشديدة ، أو زيادة في الوفيات في معظم أنحاء القارة. ولكنهم مازالوا يحذرون من أن معظم القارة قد تشهد تفشياً “مشتعلاً”.
 
وقالت مديرة منظمة الصحة العالمية في إفريقيا ، د. ماتشيديسو مويتي ، في مؤتمر صحفي في برازافيل ، “لا نعتقد أن أعدادًا كبيرة من الحالات والوفيات الشديدة لا يتم تسجيلها في إفريقيا” ، على الرغم من أنها أضافت أنه من المتوقع استمرار ارتفاع عدد الحالات.
 
وقالت “إلى أن نتمكن من الحصول على لقاح فعال ، أخشى أنه ربما يتعين علينا أن نعيش مع زيادة مطردة في المنطقة ، مع ضرورة إدارة بعض النقاط الساخنة في عدد من البلدان”.
 
وتقدر نماذج منظمة الصحة العالمية أن حفنة من البلدان مثل جنوب إفريقيا والجزائر والكاميرون تقود المعدلات المتزايدة.
 
جنوب إفريقيا تعاني أكثر رغم أنها الأكثر تقدماً
مع امتلاكها الاقتصاد الإفريقي الأكثر تقدمًا ، يوجد في جنوب إفريقيا عدد كبير من السكان والمتنقلين بمعدلات أعلى من الحالات المرضية التي تفاقم آثار كورونا ، مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم ، مما يؤدي إلى المزيد من الحالات المرضية الشديدة.
 
ويرى مسؤولو الصحة العامة أن الذروة قادمة في يوليو/تموز أو أغسطس/آب القادمين.
 
وتأتي معظم الزيادة من ثلاث مقاطعات من مقاطعات البلاد الثماني فقط: غوتنغ ، وكيب الشرقية ، وغرب كيب. في الوقت الحالي ، يبدو أن كيب تاون هي المركز الحالي للفيروس بالقارة.
 
وقال آلان ويند ، رئيس الوزراء في مقاطعة ويسترن كيب ، لشبكة “كان لدينا إنذار مبكر بسبب السياحة والسفر ، ولدينا كثافة سكانية عالية ، ولدينا أمراض مصاحبة بنسبة مرتفعة مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم”.
 
وقال إن المقاطعة عملت على زيادة عدد أسرة المستشفيات بسرعة عن طريق تحويل مركز المؤتمرات والمراكز المجتمعية في المدينة إلى مستشفيات.
 
وأضاف “أكبر مخاوفك هو أن ينتظر الأشخاص في مواقف السيارات في مستشفياتك”. وأضاف أنه من المستحيل التنبؤ بشكل مؤكد بنسبة 100٪ ما إذا كانوا سيتحملون الارتفاع.
 
ويقول مسؤولو الصحة العامة إن إفريقيا ، وهي قارة تضم 54 دولة وأكثر من مليار شخص ، ستشهد درجة كبيرة من التباين من حيث درجة التفشي.
 
وعلى الرغم من أن الكثير من نماذج كاراماجي وفريقه تبدو دقيقة على نطاق واسع في الوقت الحالي ، إلا أنه من غير الحكمة استخدامها ككرة بلورية.
 
وتخشى منظمة الصحة العالمية من أنه حتى الارتفاع المعتدل في العدوى في بعض البلدان فإن الوضع يمكن أن يفوق قدرة المرافق الصحية.
 
“لا نعلم حتى الآن مدى شدة انتشار هذا الفيروس. في حين يبدو أننا عشنا معه بالفعل لمدة خمس سنوات ، فقد عشنا معه لمدة خمسة أشهر فقط. هناك الكثير لدينا قال نكينجاسونج “لم نتعلم كقارة”.
 
وفي حين نجحت إفريقيا في الحدّ من «كارثة صحية» محتملة، يخشى خبراء الصحة من تداعيات تخفيف إجراءات الحجر. وقال ريتشارد ميهيغو، نائب مدير مكافحة تفشي «كوفيد – 19» في «منظمة الصحة العالمية» بإفريقيا، إن «دولاً عدة في القارة ما زالت تشهد منحى تصاعدياً للوباء في شهره الثالث، وتسجل ارتفاعا في الإصابات. وبشكل عام، لم تبلغ غالبية الدول ذروة الوباء بعد».
 
ومع ارتفاع الإصابات، تواجه دول أفريقية تحديات مضاعفة مع ضعف أنظمتها الصحية، وعودة ظهور أمراض معدية مثل «إيبولا»، وصعوبة فرض إجراءات الحجر على المصابين أو المشتبه بإصابتهم.
 
ويقول الدكتور ميهيغو في هذا الصدد، إن «ترف العزل المنزلي ليس متاحا لدى كثيرين في إفريقيا؛ إذ تعيش أسر بأكملها تحت سقف واحد. وقد نجحت دول عدة مثل رواندا، وأوغندا، وموريشيوس، وبوتسوانا في عزل المصابين والحالات المشتبه بها في مراكز حجر خاصة توفرها الحكومات؛ ما ساهم في محاصرة الوباء ومنع تفشيه على نطاق واسع».