شبح المقاطعة يظلّل الرئاسيات: ماكرون ولوبان وجهاً لوجه... مجدّداً

شبح المقاطعة يظلّل الرئاسيات: ماكرون ولوبان وجهاً لوجه... مجدّداً

أخبار عربية ودولية

السبت، ٩ أبريل ٢٠٢٢

يضرب الفرنسيون موعداً جديداً غداً مع انتخابات رئاسية، يتواجه فيها 12 مرشّحاً للوصول إلى قصر الإيليزيه، بينما من المتوقّع أن تنحصر المعركة، أخيراً، بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان. هذان الاثنان يعودان إلى ساحة المعركة الانتخابية، مع وعود قد لا تُقنع الناخب بالتصويت، بعدما بات من المؤكّد شعوره بخيبة أمل من السياسة الفرنسية، عموماً، ما قد يُترجَم امتناعاً تاريخياً عن التصويت. وعلى خلفيّة مخاوف المتنافسين من تَحقُّق هذا السيناريو، اشتغل هؤلاء خلال الأيام الأخيرة، بدأْب، على بثّ الحياة في قواعدهم الانتخابية
يتّجه الفرنسيون إلى صناديق الاقتراع غداً لاختيار رئيسهم، الذي يتولّى أهمّ منصب في البلاد، والذي يملك سلطة مهمّة في إطار السياستَين الداخلية والخارجية، في واحدة من أكبر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان، كما أنّها تُعدّ من بين الأكثر نفوذاً. وكان المرشّحون للانتخابات قد كثّفوا تحرّكاتهم في الأيام الأخيرة من الحملة، مع اقتراب اقتراع يشهد يومياً تراجع الفارق بين المرشّحَين الأوفر حظّاً، الرئيس المنتهية ولايته، إيمانويل ماكرون، ومرشّحة اليمين المتطرّف، مارين لوبن. ويتنافس 12 مرشّحاً رسمياً لدخول قصر الإيليزيه، إلّا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن قلّة قليلة منهم فقط لديها فرصة للفوز، في ظلّ مخاوف من نسبة امتناع عن التصويت عالية، قد تقارب النسبة القياسية المسجّلة في عام 2002 (28,4%)، أو تتجاوزها.
وفي انتظار عملية التصويت ونتائجها، يُطرح السؤال حول أهمية هذه الانتخابات بالنسبة إلى فرنسا خصوصاً، وأوروبا عموماً. تُعدّ فرنسا، التي يبلغ عدد سكّانها أكثر من 67 مليون نسمة، سابع أكبر اقتصاد في العالم، وواحدة من خمسة أعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كما أنها قوّة نووية، وعضو مؤسّس في الاتحاد الأوروبي، ومحرّك رئيسي لسياسته. وفي ظلّ المستجدّات على الساحة الأوروبية خصوصاً، والدولية عموماً، سيتعيّن على الرئيس الفرنسي القادم، مساعدة البلاد على الإبحار في خضمّ تحوّلَين يعصفان حالياً بأوروبا: الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي أدّى إلى نزوح الملايين على أعتاب القارّة، والانتعاش الاقتصادي المرتبط بوباء «كورونا»، والذي يُجهد سلاسل التوريد. أمّا على المستوى الداخلي، فتُظهر استطلاعات الآراء أن الناخبين الفرنسيين يهتمّون، الآن بشكل أساسي، بازدياد تكاليف المعيشة. لذا، سيتعيّن على الرئيس المقبل التوفيق بين هذه المخاوف، والقضايا الأخرى الطويلة الأجل التي تحتلّ حيّزاً مهمّاً في أذهان الناخبين، مِن مِثل الانتقال إلى الطاقة النظيفة، واستدامة نموذج الرفاهية السخيّ، والمخاوف من الهجرة، وتحديد موقع الإسلام في البلاد.
أبرز المرشّحين
المرشّح المفضّل حالياً هو ماكرون (44 عاماً)، وهو مصرفي استثماري سابق، تمّ انتخابه في عام 2017، حينما كان يتمتّع بقليل من الخبرة السياسية. ومع ترشّحه لولاية ثانية، وضعته الحرب في أوكرانيا في مقدّمة استطلاعات الرأي، إلّا أن تقدّمه تضاءل أخيراً، إلى ما يقرب من 25% في استطلاعات الرأي. وفيما كان من الطبيعي أن تُلقي الأزمة الأوكرانية بظلالها على التغطية الإخبارية للحملات الانتخابية، فقد اتُّهم ماكرون باستغلال وضعه كـ«زعيمٍ في زمن الحرب»، وكدبلوماسي أوروبي رئيس، لتجنُّب مواجهة خصومه، وسط قلق بعض النقّاد من أن الحملة غير المتوازنة تفتقر إلى الجدل الموضوعي.
على أن السباق انفتح، أخيراً، على احتمالات مختلفة، مع اندفاعة كبيرة لمنافِسته الرئيسة، مارين لوبان (53 عاماً)، وهي الزعيمة اليمينية المتطرّفة والمناهِضة للاتحاد الأوروبي و«حلف شمال الأطلسي»، والمؤيّدة لروسيا، والتي سيتردّد عالمياً صدى فوزها في حال حصوله. هذه الأخيرة تُرشّح نفسها للمرّة الثالثة، وكانت قد خسرت أمام ماكرون في عام 2017. وهي تقود «الجبهة الوطنية» التي اشتُهرت منذ زمن بعيد بمعاداة السامية، والحنين إلى النازية، كما تُشتهر بالتعصّب الأعمى ضدّ المهاجرين. واجهت لوبان انتقادات لتعاطفها السابق مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لكن التضخّم، وارتفاع أسعار الطاقة، يلعبان دوراً جيّداً ضمن برنامجها الحمائي. وهي تحتلّ حالياً المرتبة الثانية في الاقتراع، مع حوالى 20% من التأييد في استطلاعات آراء الناخبين.
إضافة إلى هذَين الاثنين، يتنافس العديد من المرشّحين على المركز الثالث، ويحصلون على نسبة اقتراع تتراوح بين 10 و15%، على أمل حدوث زيادة مفاجئة، في اللحظة الأخيرة، من شأنها أن تنقلهم إلى الجولة الثانية من التصويت، التي ستجري في الـ24 من الشهر الحالي. من بين هؤلاء جان لوك ميلينشون (70 عاماً)، زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتطرّف، والمرشّح اليساري الأكثر حظّاً للوصول إلى جولة الإعادة. هو سياسي مخضرم وخطيب ماهر، معروف بخطابه الناري وشخصيّته المثيرة للانقسام. تعهّد بالاستثمار في الطاقة الخضراء، وخفض سنّ التقاعد القانوني، ورفع الحدّ الأدنى للأجور الشهرية، وإعادة توزيع الثروة عن طريق فرض ضرائب على الأغنياء. كما يريد إصلاحاً جذرياً للدستور لتقليص السلطات الرئاسية. وإلى جانب ميلينشون، تأتي فاليري بيكريس (54 عاماً)، وهي سياسية ترأس منطقة إيل دو فرانس في فرنسا، والتي تمثّل قوّة اقتصادية وديموغرافية تشمل باريس. وبيكريس مرشّحة عن حزب «الجمهوريين» المحافظ، وتشبه العديد من مقترحاتها الاقتصادية، مثل رفع سنّ التقاعد القانوني إلى 65، مقترحات ماكرون.
الاسم الثالث في هذه الخانة هو إريك زيمور (63 عاماً)، الكاتب والمحلّل والنجم التلفزيوني اليميني، والذي يحتلّ مكانة بارزة في وسائل الإعلام الفرنسية، وزعزعت حملته، التي تتقاطع مع تَوجّهات دونالد ترامب، الساحة السياسية الفرنسية، أخيراً. هو قومي متطرّف، يروّج لكوْن فرنسا واقعة في حالة من التدهور الحادّ بسبب الهجرة والإسلام، وقد أدين عدّة مرّات لمخالفته القوانين التي تعاقب التشهير، أو ارتكابه الأفعال التي تثير الكراهية، أو العنف على أساس العِرق والدين. وكانت حظوظه آخذة في التلاشي في الآونة الأخيرة.
أمّا بقية المرشّحين فيدخلون في خانة واحدة، ولديهم فرصة ضئيلة للوصول إلى الجولة الثانية. ومن بينهم آن هيدالغو (62 عاماً)، عمدة باريس والمرشّحة عن «الحزب الاشتراكي» المحتضر؛ ويانيك جادوت (54 عاماً)، مرشّح «حزب الخضر»، الذي كافح لتحقيق تقدّم، على الرغم من الدعم المتزايد في فرنسا للقضايا البيئية.