منها بدأ وإليها يعود.. أبرز معالم موجة كورونا الحالية التي تنسف نظرية “صفر إصابات” في الصين

منها بدأ وإليها يعود.. أبرز معالم موجة كورونا الحالية التي تنسف نظرية “صفر إصابات” في الصين

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٣ مايو ٢٠٢٢

تسجل الصين آلاف الإصابات يومياً بفيروس كورونا، رغم الإغلاق التام المفروض على شنغهاي منذ أسابيع، فهل فشلت سياسة الوصول إلى صفر إصابات التي أعلنها الرئيس شي جين بينغ هدفاً منذ تفشي الوباء قبل أكثر من عامين؟
 
اللجنة الوطنية للصحة في الصين أعلنت السبت 30 أبريل/نيسان أن البر الرئيسي سجل 10793 إصابة جديدة بكوفيد-19، بما في ذلك 1424 إصابة مصحوبة بأعراض و9369 إصابة بلا أعراض. ويمثل ذلك تراجعاً عن 15688 إصابة جديدة في اليوم السابق منها 5659 إصابة بأعراض و1029 إصابة بلا أعراض.
 
كما سجلت الصين 47 وفاة جديدة، كلها في شنغهاي المركز المالي الصيني، مما رفع عدد الوفيات إلى 5022. وقالت السلطات إن بر الصين الرئيسي سجل 215667 إصابة مؤكدة حتى الآن.
 
صحيفة New York Times الأميركية نشرت تقريراً عنوانه “إغلاق كوفيد في الصين ينتهك حدود دعاية الانتصار”، رصد تداعيات الإغلاق الأخير الذي تفرضه السلطات الصينية على مدن كبرى أبرزها شنغهاي منذ أسابيع دون أن يتحقق الهدف الرئيسي وهو القضاء نهائياً على عدوى فيروس كورونا.
 
 
 
تفشٍّ جديد لفيروس كورونا في الصين
مباشرةً بعد أن قالت بكين إنها اكتشفت تفشياً جديداً لفيروس كوفيد، سارَعَ المسؤولون إلى طمأنة السكَّان ألَّا ينتابهم الذعر. قالوا إن الطعام كان وفيراً، وأيَّ إجراءات إغلاق ستكون سلسة. لكن إيفلين تشنغ، الكاتبة المستقلة في المدينة، كانت فرصها ضعيفة، بحسب تقرير الشبكة الأميركية.
 
كان أقاربها، الذين يعيشون في شنغهاي، يحثونها على المغادرة أو تخزين الطعام. كانت قد أمضت أسابيع في البحث في منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي من تلك المدينة، والتي وثقت الفوضى والمعاناة التي سادت فترة الإغلاق التي استمرت شهراً هناك. وعندما خرجت لشراء المزيد من الطعام، كان من الواضح أن العديد من جيرانها لديهم نفس الفكرة، فوجدت الأرفف خاويةً تماماً.
 
قالت زينغ لسي إن إن: “في البداية كنت قلقة بشأن شنغهاي، لأن عائلتي موجودة هناك، ولم تكن هناك أخبار سارة من أي من أصدقائي. والآن، بكين بدأت أيضاً، ولا أعرف متى ستحل الكارثة عليّ”.
 
شكّل الغضب والقلق بشأن إغلاق شنغهاي، الذي دخل أسبوعه الرابع الآن، تحدياً نادراً لجهاز الدعاية القوي في الصين، وهو أمر أساسي لقدرة الحزب الشيوعي على قمع المعارضة، بحسب تقرير الشبكة الأمريكية.
 
وكان نشاط المصانع في الصين قد انكمش بوتيرة أكثر حدة في أبريل/نيسان، إذ أدت الإغلاقات المفروضة على نطاق واسع إلى وقف الإنتاج الصناعي وتعطل سلاسل التوريد، مما يثير مخاوف من حدوث تباطؤ اقتصادي حاد في الربع الثاني، مما سيؤثر على النمو العالمي، بحسب تقرير لرويترز.
 
وقال المكتب الوطني للإحصاء السبت إن مؤشر مديري المشتريات الرسمي للقطاع التصنيعي انخفض إلى 47.4 نقطة في أبريل/نيسان من 49.5 في مارس/آذار، في انكماش للشهر الثاني على التوالي. وهذا هو المستوى الأدنى منذ فبراير/شباط 2020.
 
ويُعتقد أن العشرات من المدن الصينية الرئيسية في حالة إغلاق كامل أو جزئي بسبب سياسة مكافحة فيروس كورونا الصارمة. ومع بقاء مئات الملايين عالقين في منازلهم، يتعرض الاستهلاك لضربة شديدة، مما دفع مزيداً من المحللين إلى خفض توقعات النمو لثاني أكبر اقتصاد في العالم.
 
 
 
كيف تبرر الصين الإغلاقات الصارمة؟
مع استمرار انتشار متحوِّر أوميكرون في جميع أنحاء البلاد، دافع المسؤولون عن استخدامهم لعمليات الإغلاق واسعة النطاق والقاسية. لقد دفعوا بسردية انتصارهم على فيروس كوفيد، إذ يقولون إن الحكومة الصينية هي فقط التي لديها الإرادة لمواجهة الفيروس والقضاء عليه.
 
لكن بين السكان الذين لديهم أدلة متزايدة على تكاليف هذا النهج، هناك قصة بديلة عن الغضب والإحباط واليأس. يمكن أن يشكل الغضب أكبر اختبار سياسي للقيادة الصينية منذ بدء تفشي المرض. راهن الزعيم الصيني، شي جين بينغ، على شرعيته في السيطرة الناجحة على الجائحة، وهي الرسالة التي ضُخِّمَت فقط قبل خريف هذا العام، عندما كان من المُتوقَّع أن يطالب الزعيم الصيني بولايةٍ ثالثة غير مسبوقة.
 
منذ بدء إغلاق شنغهاي، انتقد السكان هناك الإجراءات القاسية، التي أدت إلى نقص الغذاء، وتأخر الرعاية الطبية، وظروف الحجر الصحي الرديئة، وحتى إقامة سياج حول منازل السكان. استجاب المسؤولون بنهجهم المعتاد، وفرضوا رقابةً على المنشورات الناقدة، وأغرقوا وسائل الإعلام الحكومية بقصص إيجابية وألقوا باللوم على القنوات الأجنبية في تأجيج القصص الكاذبة. لكنهم أبعد ما يكونون عن وقف الغضب، فقد قاموا بتغذية هذا الغضب، بحسب تقرير سي إن إن.
 
اتخذت الصين إحدى أكثر السياسات تشددا في مواجهة كورونا، وانعكس ذلك على نجاحها مقارنة بغيرها في مواجهة الجائحة
قام السكان بتجميع لقطات من حياتهم اليومية، تظهر طعاماً متعفناً أو صراخاً في وجه مسؤولين محليين، دحضاً لقصة السلطات عن الاستجابة المُنظَّمة والسلسة لتفشي الجائحة. لقد اجتمعوا معاً لإعادة نشر المحتوى المحذوف بسرعة وذكاء طغت على قدرة الرقابة لبعض الوقت على مواكبة ذلك. حتى إن بعض أعضاء النخبة السياسية والأكاديمية أشاروا إلى أن دعاية الحكومة بشأن شنغهاي تضر بمصداقيتها.
 
إن فشل الأدوات النموذجية للتحكم في السرد يتحدث جزئياً عن مكانة شنغهاي كعاصمة مالية، موطن العديد من النخب على الإنترنت. لكنه يؤكد أيضاً على الطبيعة العاجلة للشكاوى. هذه ليست انتقادات سياسية مجردة أو قصص إخبارية برعت آلة الدعاية في خنقها أو عزلها. لقد وُلِدَت هذه القصص من سيناريوهات الحياة أو الموت، مع عفويةٍ لا يمكن للرقابة القضاء عليها بسهولة.
 
 
 
انتقادات موجهة للسياسات الصينية
قال فانغ كيتشنغ، أستاذ الصحافة في الجامعة الصينية بهونغ كونغ والذي يدرس الإعلام والسياسة للشبكة الأميركية لشبكة CNN: “الحقيقة أن الدعاية الرسمية في السنوات القليلة الماضية كانت ناجحة جداً، أو على الأقل نادراً ما واجهت مثل هذا الرفض القوي”. وأضاف: “يمكننا أن نرى أن هذا ليس وضعاً عادياً. الرأي العام ساخن بصورةٍ مختلفة للغاية”.
 
وصل الغضب والحزن في شنغهاي إلى ذروة جديدة في نهاية الأسبوع الماضي، عندما شارك عدد كبير من الناس مقطع فيديو يسرد تجارب السكان حول إخفاقات السلطات. الفيديو الذي مدته ست دقائق، والذي يحمل عنوان “أصوات أبريل”، غطَّى أفق المدينة بالأبيض والأسود مع تسجيلاتٍ صوتية من الشهر الماضي لسكانٍ يناشدون الحكومة بتوفير الإمدادات، وابنٍ يدعو لوالده المريض في المستشفى، ومسؤولٌ يبكي وهو يشرح لمتصلٍ مُحبَط أنه أيضاً مُرهَق وعاجز.
 
سرعان ما حُذِفَ الفيديو، الذي نشره لأول مرة مستخدم مجهول على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن المستخدمين شرعوا في لعبة القط والفأر لإبقاء الفيديو خارج نطاق الرقابة، وقلبوه رأساً على عقب أو ضمَّنوه في مقاطع منفصلة غير ذات صلة.
 
حجم الرقابة المطلوبة لإسكات المعارضة “كبير للغاية هذه المرة” وفقاً لشياو تشيانغ، الباحث في مجال حرية الإنترنت في جامعة كاليفورنيا. وقد شبَّه حذف الفيديو والشكاوى الأخرى الواردة من شنغهاي بالجهود الهائلة لمحو الحداد على لي وين ليانغ، وهو طبيب في ووهان وبَّخَته الشرطة لإصداره تحذيراً مبكِّراً بشأن تفشي المرض، ثم تُوفِّيَ بسبب الفيروس نفسه.
 
قال شياو: “الرقابة أكثر فاعلية مما كانت عليه قبل عامين، لكن هذا يظهر حدودها. لا يمكنهم حل المشكلة جذرياً”، مشيراً إلى أن الشكاوى من أن سياسة صفر كوفيد يمكن أن تكون هزيمة ذاتية وغير واقعية.
 
عندما أشادت وسائل الإعلام الحكومية ببناء مستشفيات مؤقتة كبيرة لإيواء المرضى أو من هم على اتصالٍ وثيقٍ بهم، أخذ السكان يعرضون المقاطع الخاصة بهم. في مقطع صوتي الأسبوع الماضي، وصف شابان من سكان شنغهاي رؤية المرضى الأكبر سناً أو المعاقين يكافحون لاستخدام مراحيض القرفصاء، أو التوسل لإرسالهم إلى مستشفى حقيقي.
 
حُظِرَت الكتابة المُصاحبة للتسجيل الصوتي في غضون يومين، ولكنه سُمِعَ أكثر من 10 ملايين مرة، وفقاً لمدونةٍ نشرها مضيف التسجيل.
 
من التكتيكات الأخرى التي يمكن للسلطات الاعتماد عليها عادةً إلقاء اللوم على الأخبار السلبية على القوات الأجنبية التي تنوي تقويض الصين. لكن هذا أيضاً فشل. عندما بدأ هاشتاغ يهاجم سجل حقوق الإنسان في الولايات المتحدة في الانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، أعاد البعض استخدامه كوسيلة للشكوى من الصين، وسرد المشاكل الأخيرة ونسبها ساخراً إلى الولايات المتحدة.
 
في بعض الأحيان، كان التشكُّك العام في الخط الرسمي شديداً لدرجة أنه أجبر السلطات على الرد.
 
في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت قناة تلفزيونية في شنغهاي عن خططٍ لبثِّ عرضٍ متنوِّع يعجُّ بالأغاني والرقص، احتفالاً باستجابة الحكومة لتفشي المرض. ولكن بعد رد فعل غاضب على الإنترنت، أجَّلَت القناة البث، وكتبت على منصة Weibo: “نرحب بالملاحظات الثمينة من الجميع”.