ماذا تريد أنقرة من طرح مسألة المنطقة الآمنة شمال سورية؟

ماذا تريد أنقرة من طرح مسألة المنطقة الآمنة شمال سورية؟

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٥ يونيو ٢٠٢٢

هدى رزق
أدت الحرب في سوريا إلى تقسيم الشمال السوري إلى ثلاث مناطق شبه مستقلة. ففي الشمال الشرقي وجدت تركيا نفسها منذ عام 2012 جنبًا إلى جنب مع أحد فروع عدوها، حزب العمال الكردستاني. حاولت أنقرة جاهدةً الحؤول دون بناء دويلة يهيمن عليها الحزب، فتوغّلت عسكرياً في عفرين والشمال الشرقي.
مع ذلك، أخفقت حتى الآن في وضع حدٍّ للمشروع الكردي في سوريا حيث تفرض (قسد) وجودها العسكري وسيطرتها بدعومٍ من الولايات المتحدة.
أما منطقة الوسط في الشَّمال السوري فتخضع لتأثير تركي، وتتحكّم بمنطقة إدلب في الشّمال الغربي هيئة تحرير الشام. ترتبط هذه المناطق اجتماعيًا واقتصاديًا بمحافظات حدودية تركية خاضعة لسيطرة الدولة التركية.
يختلف الحكم المحلي في إدلب عنه في المنطقة الواقعة شمال شرقيّ البلاد، والخاضعة لسيطرة الكرد، التي تفصلها عن تركيا حدود صلبة.
مكّنت سياسات تركيا الحدودية أنقرة من حماية حدودها من خلال بناء جدار فاصل وإدارة المعابر الحدودية، وولّدت تدخّلاتها العسكرية ودعمها الاقتصادي نوعًا من منطقة عازلة تحمي حدودها الخاصة .
يصر إردوغان على أن تركيا ستنتقل إلى مرحلة جديدة في عملية تشكيل منطقة آمنة بعمق (30) كيلومتراً على طول حدودها الجنوبية، والقيام بعملية تطهير تل رفعت ومنبج في ظل تردّد أنباء عن انسحاب جزئي للقوات الروسية من مناطق في الشمال السوري.
أما روسيا فأكدت أنّ الأمر لا يدل على تغيير إستراتيجي في انتشارها بسوريا، وهو بالتأكيد ليس بداية لانسحابها من هناك، بل أشارت إلى أنها كثّفت مراقبة خط التماس بين القوات الموالية لتركيا وقوات سوريا الديمقراطية فيما تقوم وسائل إعلام تركية ببثّ أخبار الاستعدادات، التي تقول إنها اكتملت بنسبة 90٪ للقيام بالعملية في عين العرب- كوباني، لأن الاستيلاء عليها سيسمح بتوحيد المناطق، التي سيطرت عليها أنقرة في عمليتيها السابقتين في شمالي سوريا “درع الفرات” و”نبع السلام”، كذلك لا يمكن استبعاد تل رفعت، التي أصبحت المصدر الرئيس لتهديد المناطق، التي تسيطر عليها تركيا.
وترى أنقرة أن منبج، يمكن أن تكون موضوع تسوية بينها وبين موسكو على الرّغم من أهميتها للروس، ذلك أن الطريق السريع M4 يعبر هذه المدينة، التي تربط اللاذقية وحلب بالحدود الشرقية لسوريا.
يمكن أن يغضّ الغرب الطرف عن استيلاء تركيا على تل رفعت، لكن منبج تنعم بحماية أميركا على الرغم من عدم وجودها العسكري فيها، ولم يتوانَ وزير الخارجية الاميركيّ أنطوني بلينكن عن تحذير تركيا من أنّ أي هجوم عسكري على سوريا سيعرّض المنطقة للخطر.
يربط إردوغان بين ما يراه ظرفًا ملائماً بموازاة الحرب في أوكرانيا وحقّ النقض التركي على انضمام السويد إلى حلف الناتو، إضافة إلى فنلندا، التي بحسب رأيه هرعت الآن إلى الناتو بعد أن شعرت بتعرّض أمنها للخطر غير آبهة لتعريض أمن تركيا للخطر عبر سماحها بنشاط حزب العمال الكردستاني على أراضيها، كذلك استهدف في تصريحاته حلفاء آخرين في الناتو، كفرنسا وألمانيا التي تعتمد السياسة نفسه .
يؤكد إردوغان موضوعاً قديماً يحاول تجديده في ظل المتغيرات الدولية، وهو يتّهم الولايات المتحدة وروسيا بعدم التزام منطقة آمنة تخضع لها جرى الاتفاق عليها عام 2019 تقام على الحدودية السورية، فيما أكدت واشنطن أنها تتوقّع أن تلتزم تركيا وقف عملياتها العسكرية في المنطقة الخاضعة للسيطرة الكردية.
تركيا ترى أن العملية في سوريا يمكن أن تتيح لها اختبار رد فعل واشنطن والعواصم الأوروبية على الاستعداد للحوار بشأن مطالبها. وأكد إردوغان في مكالمته الهاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضرورة تأمين هذه المناطق، إضافة الى الدور التركي المرتقب في الأزمة الأوكرانية وزيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لتركيا الأسبوع المقبل.
ثمة أسئلة عن الانسحاب الروسي تقلق إردوغان ولها علاقة بطرحه للمنطقة العازلة لكونه يرى إلى جانب بعض دول الخليج أن إيران هي الرابحة عسكرياً من أزمة أوكرانيا إذ يضطر الروس اليوم إلى سحب القوة الكبرى من سوريا بعد أن أدّوا دوراً موازناً للوجودين التركي والإيراني.
فهل نظرية التوازن داخل سوريا ستختل؟
تشهد الحرب حال سكون حيث استعاد النظام السيطرة على معظم المناطق، فضلاً عن الشمال الذي أتينا على ذكره ، إلا أن القلق من خروج الروس يمكن أن يعزّز الحضور العسكري الإيراني. تركيا بدأت بإعادة العلاقات بدول الخليج خصوصاً الإمارات والسعودية. الأخيرة يهمها وجود محور سنيّ في وجه إيران في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وتريد التقارب مع أنقرة وتترقّب الخلافات بينها وبين طهران في قضايا مثل التهديدات بالتدخل في سنجار ومسألة تأليف الحكومة العراقية الجديدة، وتصدير الغاز عبر كردستان العراق والتعاون مع “إسرائيل” ومشكلة المياه .
يجري تقليل مفاعيل هذه المشكلات إلا أنها مؤثّرة. وكانت إيران قد صرّحت بأنها تتفهّم موقف أنقرة من (قسد) لكنها تقف ضد أيّ توسّع تركي في الشمال السوري. لطالما عرضت روسيا على تركيا المفاوضة والحوار مع الدولة في سوريا لأنه لا يمكن التوصّل إلى حل إلا إذا توصّلت سوريا وتركيا، وحلفاؤهما، إلى تفاهم جديد بخصوص وضع الأراضي الحدودية بصورة مجملة، بحيث يشكّل الشمال السوري معضلة ديموغرافية وأمنية كبيرة لتركيا لا يمكن حلّها بالتدخلات العسكرية.
أنقرة تريد تحقيق إنجازين ينعكسان على الداخل. الأول عسكريّ غايته القضاء على فكرة الحكم الذاتي الكردي المدعوم من الغرب. والآخر يتمثّل في الحصول على منطقة آمنة تعيد إليها اللاجئين السوريين، ما يحقّق لها منافع انتخابية بعد أن أصبحت قضية اللاجئين نقطة استقطاب حاد في يد المعارضة تسخدم إعلامياً وسياسياً ضد إردوغان.
لم ترفض واشنطن وموسكو وجود منطقة آمنة للحدود التركية، إلا أنّ الخلاف كان ولا يزال على حجمها. (30) كيلومتراً في عمق هذا البلد يعني احتلالاً للشمال الشمال السوري، وهذا غير محبّذ لدى جميع القوى الدولية والإقليمية ولو في هذه المرحلة على الأقل.
الميادين