إيران تُحوّل استراتيجيّتها: «العتبة النووية» كأداة ردع

إيران تُحوّل استراتيجيّتها: «العتبة النووية» كأداة ردع

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٣ أغسطس ٢٠٢٢

أظهرت إيران، أخيراً، تحوُّلاً جذرياً في أدبياتها حول برنامجها النووي؛ إذ كشفت، للمرّة الأولى، امتلاكها القدرات الفنّية اللازمة لتصنيع الأسلحة النووية. تحوُّل يبدو أنه يندرج في إطار سياسة «الردع النووي» التي تستهدف طهران من خلالها استثمار تلك القدرات في دفْع الطرف الآخر إلى التنازل، وخصوصاً بعدما لمست إصرار القوى الغربية على إبقاء الضغوط والعقوبات مسلَّطة عليها، بهدف هندسة اتفاق لا تراه منسجماً ومصالحها
 أعلن مساعد رئيس الجمهورية الإيرانية، رئيس «مؤسّسة الطاقة الذرّية الإيرانية»، محمد إسلامي، مطلع الأسبوع الجاري، أن إيران باتت قادرة على صُنع القنبلة الذرّية، مستدرِكاً بأن «هكذا خطّة غير مدرَجة على جدول الأعمال». وقَبله، قال رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران والمُعيّن من قِبَل المرشد علي الخامنئي، كمال خرازي، إنه «ليس سرّاً أن لدينا القدرات الفنّية لصناعة قنبلة نووية، لكن لا قرار لدينا بذلك». وبعد فترة وجيزة من تصريحات خرازي، أكد مساعد السلطة القضائية السابق للشؤون الدولية، محمد لاريجاني، للقناة الثانية في التلفزيون الإيراني، أنه «إذا توصّلت إيران إلى مرحلة تصنيع القنبلة النووية، فلا أحد قادر على منعها من القيام بهذا».
ويؤشّر تتابُع هذه المواقف إلى تَغيّر في أدبيّات المسؤولين الإيرانيين حول البرنامج النووي لبلادهم. إذ دائماً ما أكد هؤلاء أن هذا البرنامج ذو طابع سلمي، وأن إيران، بناءً على الفتوى الصادرة عن الخامنئي، تُحرّم صناعة القنبلة الذرية، بل إن طهران كانت ترفض اتّهامها بأنها ترمي إلى الوصول إلى العتبة النووية، وتؤكد أنّها لم تتّخذ أيّ إجراء يجعلها أقرب إلى إنتاج السلاح النووي. والظاهر أن الجمهورية الإسلامية تريد من وراء الحديث، للمرّة الأولى، عن امتلاك «القدرات الفنّية» لإنتاج قنبلة ذرّية، تحفيز الأطراف الأخرى المنخرطة في محادثات إحياء الاتفاق النووي، ولا سيما الولايات المتحدة، على تقديم المزيد من التنازلات، في إطار سياسة «الردع النووي». سياسةٌ تقوم على استثمار تلك القدرات كعامل ردع في مقابل الضغوط والتهديدات الغربية والإسرائيلية، من أجل الدفْع نحو التوصُّل إلى اتفاق أو على الأقلّ سحب الموضوع النووي الإيراني من دائرة المخاطر الدولية، وخصوصاً مع فشل جولة المحادثات الأخيرة في الدوحة في تحقيق أيّ تَقدُّم عمّا انتهت إليه الجولات السابقة التي اختُتمت في آذار الماضي.
ويبدو أن إيران عملت على استكمال جميع الخطوات التكنيكية المطلوبة لصناعة السلاح النووي، على رغم أن برامجها المختلفة، سواء النووي السلمي أو الفضائي أو الصاروخي البالستي، لا تندرج في إطار موحّد لإنتاج هذا السلاح. ومع ذلك، فإن تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة، وصناعة اليورانيوم المعدني، وتصنيع حاملات الأقمار الصناعية التي تعمل بالوقود الصلب أو الوقود المركّب، والقادرة على القيام بدور الصاروخ الباليستي الحامل للرأس النووي، تتيح اعتبار تلك البرامج، المنفصلة بعضها عن بعض في الظاهر، منسجمة لبلوغ العتبة النووية. وكان الموقف الإيراني التقليدي حول رفض الشقّ العسكري من البرنامج النووي، يستند إلى محورَين: أوّلهما إفتاء الخامنئي بحُرمة صناعة هكذا سلاح، وثانيهما أن الأخير لا يقع ضمن «العقيدة الأمنية» للجمهورية الإسلامية. وإذ أعاد خرازي، في مقابلته الأخيرة مع قناة «الجزيرة»، تأكيد تلك الاعتبارات، مشدّداً على أن تصنيع السلاح النووي ما يزال يفتقر إلى المردود الأمني وهو على طرف نقيض من «المعتقدات الأيديولوجية» للنظام، إلّا أنه رأى أن بلوغ العتبة النووية يشكّل «عامل ردع».
في هذه الأثناء، باتت روسيا، التي تنخرط حالياً في صراع مرير مع الغرب على خلفية حربها على أوكرانيا، داعمة لمواقف إيران النووية أكثر من أيّ وقت مضى، وخصوصاً لناحية سياسة «الردع النووي»، التي يبدو أن كلا الحليفَين يعدّانها ورقة رابحة. وممّا يعزّز ذلك الاقتناع، لدى طهران تحديداً، هو أن قبول القيود النووية لم يفضِ إلى الانفراج الاقتصادي المرغوب، كما لم يصدّ عمليات الإزعاج، وبالتالي، فإن العمل على إحداث نوع «توازن القوى» عبر بلوغ «العتبة النووية» ربّما يحمل الطرف الآخر على الجلوس خلْف طاولة المحادثات بروحيّة الاستعداد للتنازل. ويؤشّر ذلك، من ضمن ما يؤشّر إليه، إلى أن إيران غَيّرت توجّهاتها كلّياً حيال الموضوع النووي، وأضحت تَعتبر اتفاق 2015 غير ذي صلة، وهو ما لم تفلح في منْع الوصول إليه الضغوط الغربية المتواصلة على طهران.
في هذا الوقت، تتركّز الأنظار على مسوّدة الاتفاق الجديدة التي أعدّها مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، وعرَضها على كلّ من طهران وواشنطن من أجل مناقشتها. وبحسب مساعد وزير الخارجية وكبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، فإن إيران قدّمت ملاحظاتها حول هذه المسوّدة، إلّا أنه لم يتّضح ما إذا تمّ رفضها أو قبولها. لكن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، رأى أن «بالإمكان إفشال العقوبات من خلال مقاومتها، لذلك نرى من واجبنا أن نضع مطلب الشعب في الصمود أمام الطامعين ونظام الهيمنة على جدول الأعمال، وألّا نتراجع عن مواقف الجمهورية الإسلامية». وفُسّرت تصريحات رئيسي على أنها رفض مبطّن للمسوّدة الجديدة، على رغم أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، علي ناصر كنعاني، أعلن أنه قد تنعقد قريباً جولة جديدة من محادثات إحياء الاتفاق.