الضفة بمواجهة التغوّل... العدو يستبيح المؤسّسات المدنية

الضفة بمواجهة التغوّل... العدو يستبيح المؤسّسات المدنية

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٩ أغسطس ٢٠٢٢

في حلقة جديدة من مسلسل اعتداءاتها المتصاعدة في الضفة الغربية، أقدمت قوات الاحتلال على إغلاق مقارّ ستّ مؤسّسات مدنية فلسطينية كانت صنّفتها «إرهابية»، على رغم أن تصنيفها هذا لم يلقَ تأييداً من جانب دول أوروبية عدّة، لهشاشة الأسس التي بُني عليها. وينبئ هذا التطوّر، الذي تَرافق مع اقتحام متجدّد لمدينة نابلس، بأن إسرائيل ماضية في تصعيد سياساتها العدوانية في الضفة، ظنّاً منها أنه بات بإمكانها استفراد الأخيرة، في ظلّ ما تدّعى أنه «تمكُّنها» من تحييد قطاع غزة في العدوان المنتهي للتوّ. وكانت هذه النيّة بدأت تتجلّى منذ مدّة، مع الارتقاء بسياسة «جزّ العشب» الهادفة إلى القضاء على بذور المقاومة في الضفة، والتي استهدف آخر فصولها الشهيد إبراهيم النابلسي ورفاقه
أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، أمس، مقرّات تسع مؤسّسات فلسطينية حقوقية وأهلية في مدينتَي رام الله والبيرة وسط الضفة الغربية، بعد اقتحامها إيّاها ونهْبها محتوياتها. وداهمت عشرات الآليات العسكرية أحياء المدينتَين، وسط مواجهات عنيفة مع الشبّان الذين تصدّوا لها بالحجارة والزجاجات الحارقة. وفي أعقاب ذلك، أغلق جنود العدو مقارّ تلك المؤسّسات، وثبّتوا ألواحاً حديدية على بوّاباتها، كما علّقوا أوامر إغلاق عليها، بعد أن عبثوا بمحتوياتها واستولوا على ملفّات ومعدّات عدد منها. وجاءت هذه الاعتداءات بعد ساعات من قرار وزير الحرب، بيني غانتس، تصنيف ثلاث مؤسّسات فلسطينية بصورة نهائية كـ«مؤسّسات إرهابية» بحجّة تمويلها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، وهي «اتحاد لجان المرأة» و«مركز بيسان» و«مؤسسة الضمير»، بينما طاول الاقتحام وقرار الإغلاق أيضاً مقرّ «الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فلسطين»، و«مؤسسة الحق»، و«اتحاد لجان العمل الزراعي»، و«اتّحاد لجان العمل الصحّي».
ويمثّل هذا القرار تحدّياً للسلطة الفلسطينية التي يستمرّ «التنسيق والتعاون» بينها وبين سلطات الاحتلال وتحديداً في المجال الأمني، خاصة أن بعض المؤسّسات التي تعرّضت للاقتحام والإغلاق لا تَبعد عن مقرّات الأولى ومربّعاتها الأمنية سوى أمتار قليلة، على غرار «مؤسّسة الضمير» القريبة من مجلس الوزراء. كذلك، تمثّل الخطوة تحدّياً للدول الأوروبية التي قرّرت 9 منها في 13 تموز مواصلة «التعاون» مع المؤسّسات الفلسطينية، لغياب الأدلّة التي تُثبت مزاعم الاحتلال بكونها «إرهابية»، مؤكدة في بيان لها أنها لم تتلقَّ «أيّ معلومة مهمّة من إسرائيل قد تبرّر تراجعها عن سياستها حيال هذه المنظّمات». وكانت الحكومة الإسرائيلية أعلنت، في تشرين الأول 2021، إضافة ستّ منظّمات غير حكومية فلسطينية تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والأسرى إلى قائمة «المنظّمات الإرهابية»، مدّعيةً ارتباط تلك المنظّمات بـ«الجبهة الشعبية».
وأفاد المدير العام لـ«لجان العمل الصحّي»، علي حسونة، «الأخبار»، على هامش وقفة تضامنية أمام «مؤسّسة الحق» في مدينة رام الله، بأن مقرّ اللجان تعرّض لأربع عمليات اقتحام سابقاً، تَخلّلها كسر أبواب ومصادرة حواسيب وإغلاق المقرّ بأمر عسكري لمدّة 6 أشهر. وأشار حسونة إلى «(أننا) نعمل وفق نظام السلطة وقرارات وزارتَي الداخلية والصحة، ولا علاقة للاحتلال بعملنا كمنظّمات مجتمع مدني»، معتبراً أن «الهجمة على المؤسّسات والمنظّمات وخاصة العاملة في مجال حقوق الإنسان، تنبع من رغبة الاحتلال في إسكات صوتها وعدم فضحها لانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتفع وتيرتها أخيراً». وأكد أن «المؤسّسات ستُواصل عملها، وهي لا تتلقّى قراراتها من الحاكم العسكري الإسرائيلي»، مضيفاً أن «عملنا لا يعتمد على مكاتب وأجهزة كمبيوتر، ومراكزنا موجودة في الضفة الغربية، ورغم تأثير اقتحام المكاتب على عملنا إلّا أنه لن يوقفنا، وسنبقى نعمل كما جرى في المرّات السابقة».
من جانبه، وصف مدير برنامج المساءلة في «الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال»، عايد أبو قطيش، في حديث إلى «الأخبار»، ما حصل بأنه «جزء من سلسلة الإجراءات الإسرائيلية ضدّ المؤسّسات الفلسطينية، التي سبق أن تمّ وصْمها بمؤسسات إرهابية وغير قانونية من قِبَل وزير الحرب والقائد العسكري، وهو الأمر الذي كان ينذر بأن الأمور ستكون مفتوحة على مصراعَيها وعلى كلّ الاحتمالات، ومن بينها اقتحام المؤسّسة ومصادرة ممتلكاتها أو اعتقال موظّفيها». وأشار قطيش إلى أن «قوات الاحتلال، وعقب رفض استئناف المؤسّسات من قِبَل القائد العسكري للمنطقة، سارعت إلى اقتحام المقارّ، في مشهد مكرَّر بالنسبة إلينا وعشناه في شهر تموز 2021، عندما جرى اقتحام المؤسّسة ومصادرة أجهزة وملفّات منها». ورأى أن «ما قام به الاحتلال هو جزء من سلوكه المتكرّر للتضييق على عملنا، على رغم رفض المجتمع الدولي الأسس التي بناءً عليها تمّ تصنيف هذه المنظّمات كإرهابية وغير قانونية، لكنّ إسرائيل ماضية في إسكاتها وإخراس صوتها، مع أنها على مدار العام الماضي عجزت عن تقديم أيّ دليل يقنع المجتمع الدولي بالأسس التي وضعتها».
ويأتي الهجوم على المؤسّسات الحقوقية في إطار تصعيد الاحتلال اعتداءاته في الضفة الغربية، وآخر فصولها مواجهة شرسة امتدّت لساعات في المنطقة الشرقية من مدينة نابلس (محيط قبر يوسف)، وتصدّى خلالها المقاومون للمستوطنين وجنود العدو، بينما شارك الفتية والشبّان في رشقهم بالحجارة والزجاجات الحارقة، ما أسفر عن استشهاد شاب، وإصابة أكثر من 30 آخرين، 3 منهم بجروح خطيرة، وهو المشهد الذي تَكرّر في أكثر من مدينة وبلدة. ولا يمكن فصْل هذه الأحداث عن كلّ ما يجري في الضفة، وما جرى من عدوان على قطاع غزة، حيث صعّدت إسرائيل منذ مدّة اعتداءاتها في الأولى بهدف حسم الوضع لصالحها؛ فهي أعطت الضوء الأخضر لزيادة النشاط الاستيطاني وتنفيذ المخطّطات المخبّأة في الأدراج، كما ارتقت بسياسة «جزّ العشب» الهادفة الى القضاء على كلّ مظاهر المقاومة، وسمحت للمستوطنين بممارسة ما يحلو لهم في المسجد الأقصى وفي الاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين، فضلاً في مضيّها قُدُماً في محاولة القضاء على المؤسّسات المدنية والحقوقية، والتي يمكن أن تسهم في فضح الاحتلال في المحافل الدولية، فيما لم يكن استهداف الطواقم الصحافية واغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة إلّا جزءاً من هذا السياق.
وفي خلفية ذلك، يبدو أن إسرائيل تعتقد أنها استطاعت تحييد قطاع غزة من خلال العدوان الأخير، واستعادت قدرة ردعها بما يتيح لها الاستفراد بالضفة. كما لا يمكن إغفال التنافس المحموم بين قادة الاحتلال في الانتخابات المقبلة، واعتقادهم بأن الضفة ستكون عنصراً مهمّاً في ترجيح كفّة أحدهم على الآخر، خاصة في ظلّ اتّباع سياسة إضعاف السلطة سياسياً وميدانياً، والاكتفاء بمحاولة تقويتها اقتصادياً.