تَوجُّه لشرعنة عشرات البؤر: «الاستيطان الرعَوي» يأكل الضفة

تَوجُّه لشرعنة عشرات البؤر: «الاستيطان الرعَوي» يأكل الضفة

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٩ سبتمبر ٢٠٢٢

يعيش الأهالي في بلدة سنجل شمال مدينة رام الله، مواجهة يومية ومفتوحة مع المستوطنين، الذين يسعون تحت حماية جيش الاحتلال للاستيلاء على مزيد من أراضيهم، وتحويلها إلى مراعٍ لعدد قليل من مواشيهم، أو زراعتها و«التشبيك» في ما بينها تمهيداً للسيطرة عليها، وهي ظاهرة باتت تنتشر في أرجاء الضفة الغربية، تحت مسمّى «الاستيطان الرعَوي». وتُقام على أراضي بلدة سنجل، البالغة مساحتها 16 ألف دونم، 9 آلاف منها تُصنَّف كمنطقة «ب» وفق «اتّفاق أوسلو»، مستوطَنتان وبؤرتان صغيرتان ومعسكر لجيش العدو. وتسعى سلطات الاحتلال، منذ زمن، لتوسعة تلك المستوطنات وربطها بعضها ببعض حتى تُشكّل ما يُعرف بـ«بلوك» استيطاني، لكنّها دائماً ما فشلت في ذلك، وهو ما ألجأها أخيراً إلى ما يُعرف بـ«الاستيطان الرعَوي» عبر السيطرة على الأراضي المنتشرة بين المستوطنات والبؤر، من خلال رعْي المواشي أو الزراعة والاعتداء على الأهالي. ويقول رئيس بلدية سنجل، معتز طوافشة، لـ«الأخبار»، إن البلدة التي يبلغ عدد سكّانها 6 آلاف نسَمة، والمُحاطة بـ5 مستوطنات من الغرب حتى الشرق، تتعرّض أراضيها وممتلكات الفلسطينيين فيها لاعتداءات من المستوطنين، بحماية جيش الاحتلال أو مسلّحين. ويبيّن طوافشة أن «الاستيطان الرعَوي شكْل من أشكال الاستيطان، ويحظى بدعم سلطات الاحتلال ومجلس المستوطنات في الضفة، ومن خلاله يرعى المستوطنون أعداداً قليلة من مواشيهم على مساحات كبيرة من الأراضي ومن ثمّ يسيطرون عليها، وسط تهديد المواطنين الذين يتوجّهون للدفاع عن أراضيهم بالسلاح لإشعارهم بعدم الأمان، كما يقوم بعضهم بزراعة الأراضي القريبة من البؤرة التي يعيشون فيها للتواجد فيها أكبر وقت ممكن»، مضيفاً: «بطلعوا أغنامهم إلى أراضي المواطنين بالليل والنهار، ويزرعون، والأهالي تقوم بعد ذلك بقلع ما يقومون بزراعته وهكذا».
وتشهد منطقة الرفيد في بلدة سنجل، منذ العام الماضي، محاولات من أحد المستوطِنين للسيطرة على أرض تزيد مساحتها عن ألف دونم، من خلال رعْيه أغنامه فيها، واقتلاعه المئات من أشجار المواطنين منها، ورشّ مزروعاتهم بالمبيدات الحشرية. وتَعتمد سياسة «الاستيطان الرعَوي» على سيطرة مستوطِن واحد أو بضعة مستوطنين على مساحات واسعة من الأراضي، من خلال بضعة رؤوس من الماشية. ومع مرور الوقت، يستولي هؤلاء على تلك المساحات، ويهدّدون أصحابها بالسلاح، ليتبع ذلك نصبُ بيوت عشوائية متنقّلة، تتحوّل لاحقاً إلى بؤرة استيطانية. وتستهدف هذه السياسة، بالدرجة الأولى، المناطق المصنَّفة «ج»، والتي يتمدّد فيها المشروع الاستيطاني بشراسة بدعْوى أن الأراضي المستهدَفة فيها هي «أراضي دولة». ويحظى «الاستيطان الرعَوي» بدعم كامل من حكومة الاحتلال مُمثَّلة بـ«الإدارة المدنية»، التي بدأت قبل أيام، بحسب صحيفة «هآرتس»، الترويج لخطّة تسمح بتشريع عشرات البؤر التي أقامها مستوطنون تحت ستار «مزارع الرُعاة». ووفقاً لتقديرات الصحيفة، فإن الخطّة تستهدف «البؤر الاستيطانية غير القانونية، التي تستوفي المعيار الأساسي بوجودها على أراضٍ حكومية، وتتطلّب شرعنتها موافقة وزير الأمن ووزارة القضاء، وهو ما من شأنه صياغة قواعد لإنشاء مزارع الرُعاة في الضفة، فضلاً عن استخدامه لتشريع البؤر القائمة حالياً تحت هذا العنوان». وحدّدت إدارة الاحتلال المدنية حوالي 30 - 40 مزرعة ستحصل على التشريع بشكل إجمالي، ما بين مزارع قائمة وأخرى سيتمّ إنشاؤها. وأصبحت «مزارع الرُعاة»، في السنوات العشر الماضية، أكثر البؤر الاستيطانية شيوعاً في الضفة، وقد كانت حركة «أمانا» الاستيطانية هي القوّة الدافعة وراء إنشائها، بحسب صحيفة «هآرتس»، التي تُحصي حالياً حوالي 50 بؤرة استيطانية من هذا النوع في الضفة، تسيطر على حوالي 240 ألف دونم من مساحة المنطقة «ج»، أي أقلّ بقليل من 7٪ منها، وفقاً للمسح الذي أجرته منظّمة «كرم نبوت». وفي السنوات الخمس الماضية فقط، أُقيمت، بمساعدة الجيش، أربع بؤر استيطانية للرُعاة على أراضٍ فلسطينية تُعادل مساحتها، 19 ألف دونم، ما حَرم الفلسطينيين من زراعتها ورعْيها.
أمّا حالياً، فبلغ عدد اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم، في شهر آب، بحسب «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان»، 787 اعتداءً، تراوحت ما بين تخريب ممتلكات وتجريف أراضٍ واقتلاع أشجار ومصادرة ممتلكات وخطّ شعارات عنصرية، وزرع أجسام مشبوهة بين المركبات وإغلاقات وحواجز وإصابات جسدية، وتركّزت في محافظة رام الله التي نالها 159 اعتداءً، ومحافظة بيت لحم بـ125 هجمةً، ثمّ محافظة نابلس بـ98 غارة. كما صادقت سلطات الاحتلال على 3 مخطّطات استيطانية جديدة، بغرض إجراء توسعة داخل مستوطنات قائمة على 291695 دونماً من أراضي الفلسطينيين، حيث تسعى لبناء 265 وحدة جديدة. كذلك، تمّ إيداع 7 مخطّطات استيطانية جديدة، تستهدف 675419 دونماً، من أجل بناء 885 وحدة استيطانية جديدة عليها، في حين نُفّذت 59 عملية هدم طالت ما مجموعه مئة منزل ومنشأة تجارية ومصدر رزق. وقد تركّزت هذه العمليات في محافظة أريحا التي نالتها 8 إجراءات هدم طالت 35 منشأة، والقدس بـ15 عملية تسبّبت بهدم 27 منشأة، وسلفيت بـ9 عمليات أدّت إلى هدم 9 منشآت. وتقيم سلطات الاحتلال في الضفة 94 موقعاً عسكرياً، و176 مستوطنة، و154 بؤرة استيطانية، وأكثر من 300 حاجز ثابت، و60 بوابة عسكرية وزراعية في الجدار الفاصل، كما تُحوِّل 160 ألف دونم من أراضي الفلسطينيين الخاصة إلى «كيبوتسات» (منشآت) زراعية استيطانية.
ويؤكد رئيس «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان»، مؤيد شعبان، لـ«الأخبار»، أن «البؤر الرعَوية خطر حقيقي استخدمه الاحتلال منذ سنوات قليلة، وسيطر من خلاله على مساحات تبلغ ضِعف المساحة التي سيطرت عليها المستوطنات المُقامة منذ احتلال الضفة، والبالغة نحو 100 كيلو متر مربع»، لافتاً إلى أن «هناك توجُّهاً حقيقياً لدى سلطات الاحتلال لشرعنة بعض البؤر الرعَوية (نحو 35 بؤرة) وجعلها بؤراً قانونية، وهذا خطر حقيقي على آلاف الدونمات التي تسيطر عليها». وأوضح أن «مَن يقف خلف البؤر الرعَوية هو تنظيم فتية التلال الإرهابي، مدعوماً من حكومة الاحتلال ومن مجلس المستوطنات، والذي يعمل بلا حدود ويسيطر على ما يقع تحت يديه من أراضي»، معتبراً «تشريع هذه البؤر بداية حرب حقيقية أخرى ضمن الحروب التي تُشنّ لسرقة الأراضي الفلسطينية بقرارات من الحكومة وحماية من الجيش». وتكمن خطورة هذا النوع من الاستيطان في استهداف المناطق الفاصلة بين المستوطنات من أجل السيطرة عليها، ما يعني التمهيد لربط المستوطنات بعضها ببعضها، وإزالة أيّ سياج أو مخطّط أو حدود بينها، وبالتالي جعْل هذه السرقة مفتوحة، بحيث أنه أينما وصلت المواشي في رعْيها، فإن المستوطن باستطاعته أن يضع يده على الأرض التي تصلها، ويُحوّلها إلى مساحة تابعة له.