مجموعة عمل تخصّصية لتعديل الدستور: إيران تبدأ مسار الإصلاحات

مجموعة عمل تخصّصية لتعديل الدستور: إيران تبدأ مسار الإصلاحات

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٤ نوفمبر ٢٠٢٢

 
في وقت باتت فيه التجّمعات الاحتجاجية الإيرانية محصورة داخل الجامعات، يتصاعد النقاش في الأوساط السياسية والإعلامية حول ضرورة إجراء إصلاحات ملحّة، لم تَُعد من قبيل الترف أو الفعل القابل للتأجيل. وإذ علمت «الأخبار»، من مصادر مطّلعة، أن لجنة تخصّصية قد تشكّلت بالفعل للبحث في إدخال تعديلات على الدستور الذي لم يطرأ عليه أيّ تغيير منذ العام 1989، فإن الجدل في شأن إصلاح الهياكل والمسارات لا يفتأ يشتدّ، متجاوزاً دوائر الإصلاحيين، بانضمام محافظين وأصوليين إلى المطالبة بـ«الإصغاء إلى صوت الشعب»
 وسط الاحتجاجات والاضطرابات التي مرّت عليها خمسون يوماً في إيران عقب وفاة الشابة مهسا أميني، تَبرز مؤشّرات إلى نيّة الجمهورية الإسلامية القيام بإصلاحات، وتغيير الهياكل والسياسات. وفي هذا الإطار، أبلغ مصدر مطّلع، «الأخبار»، بتشكيل مجموعة عمل تخصّصية لتعديل الدستور. وبحسب المصدر، فإن مجموعة العمل هذه تشكّلت داخل «المجلس الاستراتيجي الإيراني للعلاقات الخارجية»، الذي يرأسه كمال خرازي، كبير مستشاري المرشد الأعلى علي الخامنئي، ووزير الخارجية الأسبق، الذي يُعدّ أحد الوجوه التي تحظى بثقة الخامنئي. ويُعدّ هذا المجلس أحد المراكز الاستشارية المهمّة في إيران، ويشغل عباس عراقجي، المساعد السابق لوزير الخارجية وكبير المفاوضين الإيرانيين في المحادثات النووية، منصب أمينه العام.
وكانت تعديلات قد أُدخلت على دستور الجمهورية الإسلامية في تموز 1989، ومذّاك لم يطرأ عليه أيّ تغيير، بينما يرى الكثيرون أن الظروف والتغيّرات الاجتماعية تجعل من الضروري إجراء تعديلات عليه. وقد تكون التصريحات الأخيرة لمهدي محمدي، مستشار رئيس البرلمان، بوصْفه أحد الوجوه المطّلعة على الأخبار الأمنية، مؤشّراً إلى وجود قرار بسلوك خيار من هذا النوع؛ إذ غرّد محمد، أخيراً، على «تويتر»، بالقول: «في هذه الأيام، شاهدْت عن كثب انشغال ذهن النظام بالإصلاحات التي يجب أن يعتمدها، قبل أن يكون مشغولاً بالقمع». وأضاف إن «ثمّة مناقشات ساخنة تجرى على قدم وساق، محورها أن جزءاً من المجتمع لم يُؤخذ في الحسبان، ويجب أن يُؤخذ بالاعتبار». وفي الإطار نفسه، وفي وقت باتت فيه معظم التجمّعات الاحتجاجية محصورة في الجامعات لتبدو الشوارع أكثر هدوءاً، تُسجّل نقاشات جادّة بين وجوه التيّارات الموالية للنظام حول ضرورة الإصغاء إلى صوت المحتجّين وإدخال إصلاحات حقيقية، توازياً مع الإجماع على معارضة التدخّل الأجنبي وأعمال الشغب والعنف.
ونشر إسحاق جهانغيري، النائب الأوّل للرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، أخيراً، نصّاً لقي تفاعلاً واسع النطاق في الساحة الإعلامية والفضاء الافتراضي. ورأى جهانغيري، في هذا النصّ، أنه «لا يمكن إطلاقاً تجاهل السلطة ولا صوت الشعب»، مُذكّراً بقرار صادقت عليه حكومة روحاني لتطبيق المادة 27 من الدستور، في ما يخصّ الاعتراف رسمياً بالحق في تنظيم الاحتجاجات الشعبية، لكنه «سُحب من جدول الأعمال بسبب شكاوى تَقدّم بها بعض الأشخاص والتيّارات». ورأى أنه «لو وُضع ذلك القرار موضع التنفيذ، ربّما كان سيتمّ على الأقلّ إبراز جزء من حقوق الشعب في الدستور، بما فيها احتجاجاته في السوح العامة وضرورة اهتمام المسؤولين بها». وحذّر من أنه «إنْ لم نأخذ قدرة الشعب بالاعتبار، ولم نصغِ إلى صوته ولا سيما النساء والشباب في الأوان المناسب، وإذا قمْنا بتقييد قدرة الشعب على الانتخاب، فإنه سيمارس قدرته في اتّجاهات أخرى، وفي هذه الحالة، قد يتضرّر الجميع». وفي الاتّجاه نفسه، شدّدت صحيفة «اطلاعات» على ضرورة «الإصغاء إلى احتجاجات الجماهير»، وحذرت من أن «الصوت الأحادي لا ينسجم مع المجتمع الإيراني». وكتبت الصحيفة: «يجب التسليم بأنّنا لم نستحدث آليات معتمَدة للاستماع إلى صوت الشعب، وأن مؤسّسة الانتخابات تمرّ بمشاكل في ضوء الدائرة الضيّقة لتأييد الأهلية»، مستدرِكةً بأنه «يبدو أنه برغم كلّ الجراح التي حدثت، فإن السبيل لإيجاد مخرج من هذا الوضع، يتمثّل في الجهوزية الصادقة لنظام الحُكم للاستماع إلى صوت الشعب والاهتمام به، ولتحقيق وضع كهذا، يتعيّن على السلطات الثلاث تحديد آليات ملائمة وإيجادها».
على أن الدعوة إلى إصلاح الهياكل والمسارات لم تَعُد مقتصرة على الشخصيات ووسائل الإعلام الإصلاحية، بل إن وجوهاً محافظة، مِثل محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، باتت تتحدّث عن ضرورة «إصلاح نظام الحوكمة». وفي هذا الإطار، رأى قاليباف أن «وضع حدّ للدعوة إلى العنف والإطاحة بنظام الحكم، يمثّل الشرط الضروري لتحقيق النتيجة، وإيجاد تغيير ملموس في نتيجة الاحتجاجات»، معتبراً أن «النظام السياسي للبلاد، ولكونه قائماً على إرادة الشعب، يشكّل أرضية حاسمة لأيّ إصلاح وتغيير لتوفير المصالح العامة، وطبعاً فإن جزءاً من هذا التغيير يتمثّل في إصلاح نظام الحوكمة في إطار النظام السياسي للجمهورية الإسلامية، الأمر الذي يجب أن يفضي إلى حوكمة جديدة». كذلك، تحدّث رضا أكرمي، وهو من رجال الدين الأصوليين، عن أهمية «إصلاح الهياكل من قِبَل النُّخبة والعقلاء والحريصين على الدولة»، الذين دعاهم إلى «أن يقولوا بداية أين تكْمن مشاكلنا على وجه التحديد، وبعد أن يدرسوا الموضوع، فَلْيعرضوه على الشعب، وليتمّ من خلال الاستفتاء إصلاح الدستور، مثلما أن الإمام (الخميني) سمح بعد عشرة أعوام بمراجعة القانون». وأعرب عن اعتقاده بـ«(أننا) يجب أن نمارس العمل الإصلاحي شيئاً فشيئاً، وأن ينفّذه الشعب والحكومة معاً، لا نستطيع القول إننا نفعل ما نريد، إن إصلاح الأمور يجب أن يتمّ حتماً وسيفضي إلى نتيجة، وهذا واجب، لا يمكن القيام بعمل ما من دونه».
هكذا، يبدو أن مبدأ الإصلاح بات متّفقاً عليه ومحلّ إجماع اليوم في إيران، لكن حدوده ونطاقاته تظلّ غير واضحة المعالم، أقلّه حالياً.