رهانٌ على هدنة شتوية ..موسكو - كييف: لا سلام وشيكاً

رهانٌ على هدنة شتوية ..موسكو - كييف: لا سلام وشيكاً

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٩ نوفمبر ٢٠٢٢

مع دخول الحرب الروسية على أوكرانيا مرحلة الاستنزاف، والتدمير المنهجي، لإظهار القوّة، يبدو أن ثمّة تعويلاً روسياً على ما ستُفرزه انتخابات التجديد النصفي الأميركية، من فوزٍ مرجّح للجمهوريين، من شأنه، إذا ما صدقت التوقّعات بتغيّر في السياسات، أن يضعف موقف كييف، وهو ما يستتبع بالضرورة تعزيزاً لموقف موسكو. في هذا الوقت، بدأت تطغى على الخطاب الأميركي نبرة أكثر تصالحيّة إزاء «الحلّ النهائي» من خلال التفاوض، وإنْ كان المراقبون الروس لا يزالون يَرونه بعيداً، لوعورة الطريق أمام احتمال عَقْد محادثات. ولكن هؤلاء يرجّحون هدنةً مؤقّتة يمكن أن تساعد أوكرانيا على النجاة من الشتاء، والجيش الروسي على إعادة تنظيم صفوفه
دخلت الحرب الروسية على أوكرانيا مرحلةً يمكن تسميتها بالاستنزاف، مع بدء موسكو بضرب البنى التحتية الأوكرانية في أعقاب استهداف جسر القرم وسفنها في البحر الأسود. وتستند الاستراتيجية الروسية الجديدة إلى تبيان الفروق الهائلة في الإمكانات بينها وبين أوكرانيا، الاقتصادية منها والعسكرية، إذ تتعمّد القضاء بشكل منهجي على قدرات الجيش الأوكراني العسكرية، إلى جانب ضرْب البنية التحتية للطاقة الأوكرانية، ما نتج منه أعطال كبيرة في التغذية الكهربائية إلى جانب تضرُّر قطاع المياه. وإذ تدرك موسكو جيّداً أن استراتيجيتها هذه لن تكون كافية في ظلّ استمرار تجديد الإمكانات العسكرية الأوكرانية، عبْر ضخّ السلاح الغربي، يبدو أنها تراهن أيضاً على انتخابات التجديد النصفي الأميركية، لتغيير نهج الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا، وخصوصاً إذا صَدقت التقديرات باستعادة الجمهوريين مجلسَي الكونغرس أو أحدهما على الأقلّ، ما من شأنه أن يُسهم في تعطيل خُطط الرئيس جو بايدن، في هذا الخصوص. ومن بين أعضاء الحزب الجمهوري المنقسم بين معسكرَين، والذي يطغى عليه مريدو الرئيس السابق دونالد ترامب، مَن يريد تغيير مسار الأحداث، عبر وقْف تقديم الدعم لأوكرانيا، وهو ما أكدته مثلاً النائبة عن ولاية جورجيا، اليمينية المتطرّفة مارجوري تايلور غرين، حين قالت: «في ظلّ الجمهوريين، لن تحصل أوكرانيا على فلس واحد»، لأن «بلدنا أكثر أهميّة». وفي الإطار نفسه، قال النائب عن ولاية تكساس، تشيب روي، إنه «ليس لإدارة بايدن الحقّ في الاستمرار في مطالبتنا بكتابة شيكات على بياض لأوكرانيا، في وقت يعاني فيه الشعب الأميركي من ارتفاع هائل في التضخّم، ويصل الدين القومي إلى 31 تريليون دولار».
ومع تَحوّل الاتجاهات المتوقّع في الكونغرس الأميركي، قد تجد أوروبا نفسها وحيدة في دعم أوكرانيا، في ظلّ وضع اقتصادي صعب تعيشه مجموعة اليورو، تُضاف إليه بوادر خلاف بين دولها، وخصوصاً فرنسا وألمانيا، طفا على السطح أخيراً، بعد زيارة المستشار الألماني، أولاف شولتز، للصين وحيداً، ورفضه الذهاب برفقة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون. وأمام ثقل الضغوط الاقتصادية في القارة العجوز، واحتمال تزعّم الجمهوريين الكونغرس، يَبرز سؤال: كيف ستتصرّف أوروبا في أوكرانيا إذا غدت وحيدة؟ وأيّ أهداف ستُحقّقها وخصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء؟ وسط هذه التحديات، بدأ الإعلام الأميركي، وخصوصاً صحيفتا «وول ستريت جورنال» و«واشنطن بوست»، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، بالحديث عن بوادر انفتاح دبلوماسي على موسكو، عبّر عنها إجراء مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، «محادثات سرية مع الجانب الروسي»، و«حثّه أوكرانيا سرّاً على التراجع عن رفضها الجلوس مع روسيا على طاولة المفاوضات». وسبقت هذه التسريبات، إشارات «إيجابية» بعث بها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في مقابلة أجراها أخيراً مع شبكة «إيه بي سي» الإخبارية، حين ذكّر، مثلاً، بأن «هدف الدعم الأميركي لأوكرانيا هو تمكينها من الدخول في مفاوضات من موقع قوي» للخروج من الحرب، وبأن «الحرب ستكون نهايتها في وقت ما عبر الدبلوماسية».
وردّاً على ما أورده الإعلام الأميركي، أشار الكرملين إلى أن «وسائل الإعلام الغربية لطالما أوردت الكثير من الأخبار الكاذبة»، فيما رفض الناطق باسمه، ديمتري بيسكوف، التعليق على ما جاء في تقرير «واشنطن بوست». ولا تزال روسيا تبدي انفتاحاً على إجراء محادثات تفضي إلى حلّ مع أوكرانيا، وهو ما جدّد بيسكوف الإشارة إليه، فيما أكد نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، أن «لا شروط مسبقة» لبلاده لإجراء مفاوضات مع كييف. في غضون ذلك، كشفت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخوروفا، عن استمرار الاتصالات بين موسكو وواشنطن في شأن بعض القضايا، مؤكدة، في تصريحات إلى وكالة «تاس» للأنباء، أن بلادها لا تزال منفتحة على الحوار مع الولايات المتحدة. وفي الموازاة، كشف سوليفان عن اتّصالات مع الجانب الروسي للحدّ من مخاطر استخدام السلاح النووي. من جهته، استبعد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، إمكانية الحلّ العسكري في أوكرانيا، مؤكداً أن الصراع يجب أن ينتهي عبر الحوار، وقال إن واشنطن على اتّصال مستمرّ مع موسكو عبر قنوات متعدّدة، بينها السفارة الروسية لدى الولايات المتحدة، والسفارة الأميركية لدى روسيا، لافتاً إلى أن بلاده «تعتقد بضرورة تدعيم قنوات الحوار مع موسكو، على رغم التوتّر الحالي، لكنها لن تبحث معها تفاصيل الحلّ السلمي للأزمة الأوكرانية».
ويعتقد الخبراء الروس أن الطريق إلى المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا لا يزال مسدوداً نتيجة التطوّرات الأخيرة، وأهمّها ضمّ موسكو أجزاء من الأراضي الأوكرانية إليها (دونباس وخيرسون وزابوروجيا). ويرى الخبير السياسي، سيرغي شميدت، أن «عمليات تبادل أسرى الحرب تشير إلى استمرار بعض الاتّصالات بين الأطراف المتحاربة»، وهو ما يعني أنه «لا يزال هناك أمل في إبرام نوع من الصفقة المؤقّتة»، يمكن أن تكون نتيجتها «تجميد الصراع لبعض الوقت». من جهته، يقول الكاتب أندريه ياشلافسكي، في صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس»، إن دعوة المسؤولين الأميركيين «لا تهدف إلى دفع أوكرانيا إلى طاولة المفاوضات، إنّما هي محاولة متعمَّدة لضمان دعم حكومة كييف من قِبَل الدول الأخرى المتخوّفة من استمرار الصراع لسنوات طويلة». ويلفت إلى أن المناقشات «تُظهر مدى تَعقُّد موقف إدارة بايدن تجاه أوكرانيا، حيث تعهّد المسؤولون الأميركيون علناً بدعم كييف بكميات هائلة من المساعدات طالما لزم الأمر، فيما يأملون، في الوقت نفسه، بحلّ النزاع الذي تسبّب في خسائر فادحة في العالم على مدى الأشهر الثمانية الماضية، وغذّى المخاوف من نشوب حرب نووية». ووفقاً لياشلافسكي، يرجّح المسؤولون الأميركيون أن «يدعم» الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، المفاوضات مع روسيا، وأن «يقدّم، في نهاية المطاف تنازلات، كما اقترح في بداية الصراع»، مشيراً إلى أن هؤلاء «يَرَون أن كييف تحاول تسجيل أكبر قدْرٍ من النجاحات العسكرية قبل حلول فصل الشتاء، حين سيغدو ممكناً فتح نافذة للدبلوماسية».
وفي الاتجاه نفسه، يعتقد الدبلوماسي الأميركي السابق، مايكل كيميج، أن بإمكان موسكو وكييف «إبرام هدنة لفصل الشتاء، لأن هذا سيلبّي الأهداف العسكرية للجانبَين». ويشير كيميج إلى أنه، في الوقت الحالي، لا يزال البلدان بعيدين جدّاً عن الاتفاق على شروط حلّ الأزمة، مشيراً إلى أن «من غير المرجّح أن تنسحب موسكو من مناطق جديدة أو أن تتخلّى عن ضمّ المناطق الأربع، ومن غير المرجح أيضاً أن تتخلّى كييف عن الهدف المعلَن بالعودة إلى حدود ما قبل شباط، وحتى حدود عام 2014». انطلاقاً ممّا تقدَّم، يرى الخبير أن «احتمالية التوصُّل إلى هدنة شتوية بين موسكو وكييف مرتفعة جدّاً»، لأن ذلك «يمكن أن يساعد أوكرانيا على النجاة من الشتاء، والجيش الروسي على إعادة تنظيم صفوفه».