عودة الرسائل البحرية... تل أبيب تتحسّس «انتقاماً» إيرانياً

عودة الرسائل البحرية... تل أبيب تتحسّس «انتقاماً» إيرانياً

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٨ نوفمبر ٢٠٢٢

أظهرت ردود الفعل الإسرائيلية على حادثة استهداف ناقلة النفط «زيركون» قبالة سواحل عُمان، مخاوف كبيرة من أن تكون إيران قد عادت إلى تفعيل خيار المواجهة البحرية، سعياً لفرض معادلة موسّعة جديدة، سواء ربطاً بالاعتداءات الإسرائيلية على الساحة السورية، أو بالدور الذي يقوم به الكيان في الاضطرابات التي تضرب الداخل الإيراني. ومهما يكن، فالأكيد أن الرسالة وصلت إلى المؤسّسة السياسية والأمنية في تل أبيب بعيداً عن التقديرات والتقارير المشوَّهة التي تَصدر من هنا أو هناك، وأن المعنيين سواء في إسرائيل أو الولايات المتحدة بدأوا البحث في كيفية التعامل مع هذا التطور، وخصوصاً أن إيران أفهمت هؤلاء أنها مستعدّة للذهاب بعيداً في الردّ على ما تتعرّض له
أظهرت ردود الفعل السياسية والإعلامية في تل أبيب، على استهداف ناقلة النفط «زيركون»، والتي تعود ملكيّة جزء منها إلى رجل أعمال إسرائيلي، أن المؤسّستَين السياسية والأمنية فوجئتا بالحدث وتوقيته وساحته. والظاهر أن مردّ التفاجؤ ذاك، هو استبعاد الإسرائيليين أن تلجأ إيران إلى خطوة كهذه، في ظلّ ما تُواجهه من تحدّيات داخلية وحملات عالمية، وبعدما سبق أن نجحت في فرْض معادلة بحرية العام الماضي، عبر الردّ على استهداف السفن التي تنقل النفط إلى سوريا، باستهداف ناقلات تعود بشكل أو بآخر إلى مالكين إسرائيليين. إلّا أنه وفقاً لفرضية مسؤولية إيران عن العملية، على أساس ما اتّهمتها به إسرائيل والولايات المتحدة، فإن تلك «الحادثة أثارت مروحة تساؤلات في تل أبيب حول السبب الذي دفع إيران إلى الإقدام عليها، وتحديداً في هذا التوقيت وعبر استهداف ناقلة نفط بحرية»، بحسب صحيفة «هآرتس». كذلك، دارت تساؤلات حول أهداف الهجوم ورسائله، في ما يتعلّق بتوجّهات إيران العملياتية، وتقديراتها إزاء ردود الفعل التي يمكن أن تُلاقيها.
مع بداية تدفّق المعلومات الصحافية حول الحادثة، تعدّدت الفرضيات في كيان الاحتلال، إلّا أنها عادت وتمحورت بشكل رئيس حول كوْن الهجوم ردّاً على الاعتداء الإسرائيلي الأخير على الحدود العراقية السورية، حيث استهدف العدو صهاريج وقود، من دون التسبّب بسقوط إصابات. ويعني ربْط استهداف ناقلة النفط بالاعتداء المذكور، أن إيران، كما سبق أن فرضت خطوطاً حمراً إزاء قتْل مستشاريها العسكريين على الأراضي السورية (بخلاف تقارير المعارضة السورية التي تتحدث كلّ فترة عن مقتل إيرانيين في غارات إسرائيلية)، فهي تعمل الآن على توسيع نطاق هذه المعادلة لتشمل طبيعة مُحدَّدة من العمليات، كاستهداف قوافل النفط، وهو ما يمكن أن تتّضح معالمه أكثر لاحقاً. وما يعني إيران في هذا المجال، هو أن تصل الرسالة إلى جهات القرار في دولة الاحتلال، بعيداً عن التقديرات والتقارير المشوَّهة التي تَصدر من هنا أو هناك. صحيح أن العدو سيعمل، بمعاونة الأميركيين، على استغلال الواقعة لتزخيم الحملة الدبلوماسية والإعلامية ضدّ طهران، وهو ما بدأ به بالفعل عبر المقارنة بين المُسيَّرة التي استهدفت ناقلة النفط، والمُسيَّرات التي تستخدمها روسيا ضدّ أوكرانيا، والحديث عن أن الهجوم هو محاولة إيرانية لتخريب «كأس العالم» المُقام في قطر، إلّا أن تقارير إعلامية اسرائيلية شكَّكت في جدوى تلك الحملة ونتائجها على إيران، كون الأخيرة تتعرّض بالأساس لانتقادات دولية قاسية، مع الاستهداف الأخير أو من دونه.
ويثير ضرْب «زيركون» مجموعة من التقديرات والمخاوف التي تتجاوز الحدث في بُعده التكتيكي المحدود، لتمتدّ إلى رسائله ومؤشّراته التي تتّصل بمجمل الساحة البحرية والإقليمية. ففي الوقت الذي تُواجه فيه إيران عمليات تخريب موجّهة ومدعومة من الخارج، وضغوطاً دولية متنامية، بدءاً من دورها المفترض في الحرب في أوكرانيا إلى برنامجها النووي وخياراتها الإقليمية، أتى هذا الاستهداف ليُشكِّل ارتقاء في سياسة التحدّي لإسرائيل والولايات المتحدة. كما أنه يعكس ثقة مرتفعة لدى طهران بقدرتها على الردع في مواجهة أيّ ردود فعل يمكن أن تَعقب عملاً خشناً مماثلاً. ولعلّ من أهمّ الأسئلة التي تَحضر لدى تل أبيب الآن، هو ما إن كان الهجوم يُشكّل بداية مسار جديد من الردود في مواجهة عمليات التخريب والاستهداف التي يقف وراءها العدو في الداخل الإيراني، و/ أو لفرض سقف مُحدَّد للاعتداءات الإسرائيلية في الساحة السورية. وفي هذا السياق، لفت المعلق السياسي في صحيفة «إسرائيل اليوم»، يوآف ليمور، إلى جانب أساسي من المخاوف الاسرائيلية، بقوله إن «مزاج إيران الصدامي يجب أن يُقلق إسرائيل»، وإن «على تل ابيب أن لا ترى في هذا الهجوم استهدافاً لشركة اقتصادية بمُلكية مواطنٍ إسرائيلي، بل كهجوم على دولة إسرائيل»، خاصّة أن «الأخيرة ستضطرّ إلى مواصلة العمل أيضاً في المستقبل ضدّ مصالح إيرانية على أرض إيران، وفي أنحاء العالم، بهدف ردعها وجباية ثمنٍ منها».
من جهة أخرى، تشكّل العملية حدثاً كاشفاً إضافياً بالنسبة إلى جهات التقدير والقرار في كيان العدو، عن نتائج تراجُع فعالية قوّة الردع الأميركية، ما يجعل إيران أكثر اندفاعاً وتوثّباً للمبادرة الى خطوات من هذا النوع. وفي حال توسيع دائرة الأبعاد التي تتداخل فيها التقديرات مع المخاوف، ثمّة ترقّب في تل أبيب لِما إنْ كان تطوّر العلاقات مع موسكو وبكين، سيدفع طهران نحو خيارات أبعد مدى ويوسِّع هامشها الإقليمي. وبالاستناد إلى ما تَقدّم، يصبح ما نقلته صحيفة «هآرتس» عن المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، من وصْفها للحادثة بأنها «خطأ استراتيجي»، بعيداً جداً عن الواقع، حتى مع استغلال الواقعة على المستوى الإعلامي؛ إذ إن ما جرى أتى في توقيت وسياق أكثر ملاءمة لإيران من أيّ حدث سابق، حتى عندما فعّلت الأخيرة خيار الردّ على الاستهدافات الإسرائيلية للسفن الإيرانية السنة الماضية، وأدّى ذلك في نهاية المطاف إلى انكفاء إسرائيل عن هذه الاستراتيجية التي أقرّت بفشلها.
في كلّ الأحوال، المؤكّد، مع افتراض صحّة الاتهامات الإسرائيلية، أن الرسالة الإيرانية وصلت إلى المؤسّسة السياسية والأمنية الإسرائيلية، ومِن خلفها واشنطن أيضاً. وفي ضوء ذلك، فإن على الإسرائيليين والأميركيين أن يُحدّدوا خياراتهم وقراراتهم المضادّة: هل سيتمّ ستجاوز هذا الاستهداف، والتسليم بمضمون الرسالة التي يدركونها جيداً؟ أم سيبادرون إلى ردّ على الردّ، ومن ثمّ يعود الطرفان إلى سياسة الاستهداف المتبادل للناقلات والسفن في البحر، لكن مع إضافة جديدة هذه المرّة، هي أن إيران لديها الكثير من الأسباب للذهاب أبعد في هذا المسار؟ الأكيد أن القرار الإسرائيلي تؤثّر فيه العديد من العوامل الداخلية والخارجية، وعلى رأسها موقف الولايات المتحدة وأولوياتها، وأمن الطاقة العالمي الذي يواجه تحدّيات تجعله أكثر حساسية إزاء أيّ حدث أمني في البحار.