استيلاد ميليشيات صهيونية وشرعنة المستوطنات: الفاشية تحصد مكاسبها

استيلاد ميليشيات صهيونية وشرعنة المستوطنات: الفاشية تحصد مكاسبها

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٨ نوفمبر ٢٠٢٢

 في ذروة احتفالات أنصار حزب «القوة اليهودية»، برئاسة المتطرّف إيتمار بن غفير، بنتائج انتخابات «الكنيست» الأخيرة، كان الدم يقطر من أفواههم وهم يردّدون «الموت للعرب، الموت للعرب». بهذا الشعار، غذّى بن غفير، خلال السنوات الماضية، شهوة القتل لدى المستوطِنين، مستمِدّاً تعاليمه العنصرية وثقافته الإرهابية من حركة «كاخ» الملهِمة له والتي يُعدّ هو أحد تلامذتها، وحاصداً أصوات المستوطِنين التي جعلتْه يلعب دور «الجوكر» في مفاوضات تشكيل حكومة العدو، وأتاحت له فرْض الشروط على رئيس الحكومة المكلَّف، بنيامين نتنياهو، بما يلبّي أحقاده ضدّ الأسرى، وتَطلّعه إلى استباحة المسجد الأقصى من دون قيود، واستهداف فلسطينيّي الداخل المحتلّ. ودأب بن غفير، عبر تغريداته، على التحريض ضدّ فلسطينيّي 1948، مُعرِباً في أكثر من مناسبة عن تمنّيه رحيلهم قريباً. كما دعا سابقاً إلى «طرْد» أعضاء «الكنيست» العرب الذين وَصفهم بـ«مؤيّدي الإرهاب»، وهو نَشر قبل أيّام تغريدة مرفقة بصورة للنائب العربي، أحمد الطيبي، في مطار اللد، قائلاً: «آن الأوان لأن تحمل لنا الأيام بشريات كهذه، وآمل ألّا يعودوا أبداً»، مهدّداً الطيبي بأنه سيكون من ضمن المشاريع التي سيهتمّ بها بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية، ردّاً على تصريحات للأخير قال فيها إنه يشعر بالفخر لأنه كان مستشاراً للرئيس الراحل، ياسر عرفات، الذي رأى بن غفير أن «مَن كان مستشاراً له يجب أن يكون في برلمان سوريا وليس في إسرائيل». وفي الاتّجاه نفسه، يعدّ زعيم «القوة اليهودية» مشروع قانون يتيح للمحاكم ترحيل العرب الذين يهاجمون الجنود والسياسيين في دولة الاحتلال، معتبراً أن عضوَي «القائمة المشتركة»، أيمن عودة وعوفر كاسيف، يجب أن يتمّ ترحيلهما أيضاً «لأنهما يعملان بنشاط ضدّ دولة إسرائيل».
ويتّسق ذلك التوجّه مع دعْم بن غفير لقتْل العرب أينما وُجدوا، ودعوته أنصاره إلى تشكيل ميليشيات مسلّحة مدنية على قاعدة «إذا شعرتَ بالخطر، اقتل... الأمر بسيط»، وهو ما استجاب له بالفعل منسّق حزب «عوتسما يهوديت» في منطقة النقب، ألموغ كوهين، في تشرين الأول 2021، حيث عمد إلى إنشاء ميليشيا بهدف «حماية سكّان الجنوب من الجريمة المستفحلة». وفي آذار 2022، تمّ إطلاق هذا التشكيل في حفل كبير في بئر السبع، تحت اسم «دورية بارئيل»، وبارئيل هو الاسم الأوّل للجندي الإسرائيلي الذي قُتل بعد إصابته في الرأس من مسافة صفر على الحدود مع قطاع غزة، العام الماضي. وقبل أيام معدودة، أعلن أعضاء من الحزب نفسه نيّتهم إقامة ميليشيا أخرى في منطقة «بات يام» المحاذية ليافا. وسبق ذلك ظهور بن غفير نفسه، قبل أسابيع من الانتخابات، مشهراً مسدّسه في وجه المقدسيين في حيّ الشيخ جراح في القدس المحتلة خلال مواجهات اندلعت في المكان، ونشْرُه بعدها بيوم صورتَه واقفاً بجانب اثنين من أطفاله وهما يحملان بنادق ألعاب، وتغريدُه على «تويتر» بالقول: «بعد أعمال الشغب... أقوم بتعليم الأطفال كيفية التعامل مع الإرهابيين»، في إشارة منه إلى الفلسطينيين، الذين ينفي أبسط حق لهم في الوجود، ويدعو إلى إخراجهم حتى ممّا تَبقّى لهم من فلسطين التاريخية.
وهكذا، تبدو أجندة بن غفير واضحة جدّاً، وقد طَرحها بصراحة في مداولات تشكيل الائتلاف الحكومي، وأهمّ معالمها إطلاق يد شرطة الاحتلال والمستوطِنين ضدّ الفلسطينيين، ليس في الضفة فقط وإنّما في الداخل المحتل، وسَنّ قوانين سحْب الجنسية والقتل والطرد، وإطلاق العنان للمشاريع الاستيطانية والتي سيكون النقب مسرحها الأبرز. وسبق أن شارك بن غفير أنصاره في حملة تحريش واسعة في النقب تحت غطاء من حكومة الاحتلال، داعياً إيّاهم إلى تكثيف تواجدهم في هذه المنطقة على غرار الضفة. وفي هذا السياق أيضاً، تَوصّل أحد أبرز وجوه «الصهيونية الدينية» إلى اتّفاق مع نتنياهو على شرعنة 65 بؤرة استيطانية عشوائية في الضفة، وتزويدها بالمياه والكهرباء والبُنية التحتية الخليوية، وتعزيزها بـ«تدابير أمنية»، خلال 60 يوماً من تنصيب الحكومة. كما جرى الاتفاق على تعديل «قانون الإخلاء» الذي تمّ بموجبه الانسحاب من قطاع غزة وبعض مستوطنات الضفة، بهدف شرعنة بؤرة «حومش»، والسماح لليهود بالتواجد هناك لمتابعة دراستهم في المعهد الديني التوراتي، وتسريع إجراءات التخطيط وإنشاء طرق التفافية (للربط بين المستوطنات)، وتوسيع «شارع 60»، وتخصيص الميزانيات اللازمة لذلك بقيمة تُراوح بين مليار ونصف مليار شيكل، فضلاً عن شرعنة بؤرة «أفيتار» المُقامة على جبل صبيح في بلدة بيتا، وعقْد جلسة للحكومة الإسرائيلية فيها.
وترى النائب العربي في «الكنيست»، عايدة توما، في حديث إلى «الأخبار»، أن «خطورة تهديد بن غفير بتهجيرنا وطردنا، لا تكمن في إمكانية تنفيذ تلك التهديدات، بل في نشْر الذعر في صفوف الفلسطينيين»، لافتةً إلى أن «الحكومات الإسرائيلية دوماً كانت عنصرية ومتطرّفة، لكن الحكومة الحالية يسودها الفكر الفاشي لأوّل مرّة، وبالتالي ستكون هناك خطوات من قِبَلها تكرّس من خلالها سياستها بشكل تدريجي وممنهج تجاه الجماهير العربية». وتشير إلى أن «حكومة الاحتلال قرّرت سحْب الإقامة وتصاريح العمل من 500 شخص من أقارب منفّذ عملية أرائيل، وهذا يعني صورة مصغَّرة عن عملية ترانسفير» مرتقَبة، موضحةً أن «إسرائيل لن تضعنا في طائرات وتطردنا خارج الحدود، لكنها ستعمل على خطّة ترانسفير بطيئة، لإرهاب الجمهور بشكل عام، وهذا يكون من خلال جملة من القوانين، ومنها على سبيل المثال سَنّ قانون سحْب الجنسية من كلّ فلسطيني يرفع العلم الفلسطيني». وتصف الحكومة القادمة بأنها «خطيرة جدّاً»، مُبيّنة أن «أخطر ما فيها أمران: أوّلهما أنها تغلق الباب على أيّ إمكانية لحلّ سياسي لإنهاء الاحتلال، بإعلانها أنها ذاهبة في اتّجاه ضمّ كلّ الأراضي الفلسطينية وإخضاعها لسيطرة إسرائيل وقوننة ذلك وسدّ الباب أمام حلّ الدولتين، وثانيهما تعميق سياسة الآبارتهايد تجاه الفلسطينيين أينما كانوا في الضفة والداخل». وتَخلص إلى أن «نضال فلسطينيي الداخل اليوم ليس من أجل نيل الحقوق، وإنّما لتعزيز الصمود والتصدّي لقوانين الآبارتهايد وتحدّيات الاستيطان في النقب وارتفاع مستوى الجريمة»، معتبرةً هذه الأخيرة «مخطَّطاً من تدبير المؤسسة الإسرائيلية لإغراقنا بعيداً عن القضايا الوطنية، وخلْق نزاعات داخلية تجعلنا غير قادرين على المواجهة الوطنية».