«الطاقة الذرية» على خطّ «الحرب»: الاتفاق النووي أكثر بُعداً

«الطاقة الذرية» على خطّ «الحرب»: الاتفاق النووي أكثر بُعداً

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

 تمضي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في مواجهة مع إيران، بدأت تُعمّق الفجوة المتّسعة أصلاً بين طهران والقوى الغربية، مع تحوّل المحادثات الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي إلى مفاوضات استنزافية لا يَظهر أنها ستؤدّي إلى أيّ نتيجة. مواجهةٌ يوازيها استغلال الغرب الاضطرابات في الجمهورية الإسلامية لمضاعفة ضغوطه على الأخيرة، علّه ينتزع منها تنازلات لم يتمكّن من تحصيلها إبّان عمليّة التفاوض، ما يضع الاتفاق، مرّة جديدة، على سكّة الإلغاء، خصوصاً إذا نُفّذ التهديد بإحالة قضيّة المواقع الإيرانية الثلاثة التي عُثر فيها على آثار يورانيوم، إلى مجلس الأمن الدولي
زاد القرار الأخير الصادر عن مجلس مُحافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» ضدّ إيران، والردود عليه، من تعقيدات الظروف الكفيلة بتسوية الملفّ الإيراني في هذه الهيئة، باعتباره شرطاً مسبقاً لإحياء الاتفاق النووي. وكان مجلس حكّام الوكالة، تبنّى، الخميس الماضي، قراراً دعا فيه طهران إلى «التعاون الفوري» مع التحقيقات التي يُجريها مفتّشو «الطاقة الذريّة» حول آثار يورانيوم عُثر عليها في ثلاثة مواقع غير مصرّح عنها. ويُعدّ هذا هو القرار الثاني الذي يتبنّاه المجلس خلال العام الجاري، وفيه انتقاد للجمهورية الإسلامية على خلفية «عدم تعاونها مع الوكالة الدولية لإزالة الالتباس، والردّ على أسئلتها». ويُذكر أنه في الاجتماع الذي التأم في حزيران الماضي، صدر قرار مماثل، صوّتت ضدّه، كما القرار الأخير، كلّ من روسيا والصين.
وشكّل بقاء الخلافات بين إيران و«الطاقة الذرية» على حالها في ما يخصّ ملفّ آثار اليورانيوم، أهمّ عقبة اعترضت طريق المحادثات الهادفة إلى إحياء «خطّة العمل الشاملة المشتركة». فبالنسبة إلى طهران، يمثّل إغلاق هذا الملفّ لدى الوكالة شرطاً مسبقاً لإحياء الصفقة، فيما يعارض الغرب، من جهته، ذلك المطلب، معتبراً أن الخلاف «تقني محض». لكنّ الجمهورية الإسلامية لا تخفي قلقها إزاء بقاء هذه المسألة مفتوحة من دون حلّ، بما سيشكّله من سبب إضافي لممارسة مزيد من الضغوط عليها، حتى بعد إحياء الاتفاق. ولا تدور تساؤلات «الطاقة الذرية» حول الأنشطة النووية الحالية لإيران، بل تطاول ماضي البرنامج النووي ما بين عامَي 2003 و2004، والذي تقول طهران إنها قدّمت الإيضاحات اللازمة للوكالة في شأنه. وعلى رغم أنه تمّت، في صفقة 2015، معالجة جميع القضايا المتعلّقة بالماضي من خلال ما يُعرف بنظام الضمانات، بيدَ أن «الطاقة الذرية» تقول إنها حصلت على المعطيات المتعلّقة بالمواقع الثلاثة المُشار إليها أعلاه بعد التوقيع على الاتّفاق، ما يحتّم على إيران «تقديم إيضاحات».
وفي ردّه على خطوة مجلس المحافظين، اعتبر وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، قرار المجلس «إجراءً غير بنّاء»، مؤكداً أن بلاده «ستردّ بالمثل»، من دون أن يعطي مزيداً من التفاصيل. لكنّ إيران، وفي حالات مشابهة، ردّت على هذا النوع من القرارات الدولية، من طريق تسريع برنامجها النووي. وتعقيباً على القرار السابق لـ«الطاقة الذرية» في حزيران الماضي، بادرت الجمهورية الإسلامية إلى خفْض مستوى تعاونها مع مفتّشي الوكالة، وأخرجت 27 كاميرا مراقبة تابعة للأخيرة من الخدمة في منشآتها النووية. وتمّت المصادقة على القرار الجديد على رغم إيفاد إيران وفداً إلى فيينا قبل أسبوعين، لإجراء محادثات مع «الطاقة الذرية»، التي قرّرت في المقابل أن يقوم وفد منها بزيارة لطهران، وهو ما حمل الإيرانيين، على ما يبدو، على استبعاد صدور قرار يُدينهم. إلّا أن رئيس «مؤسّسة الطاقة الذرية الإيرانية»، محمد إسلامي، عاد، في أعقاب صدور قرار مجلس المحافظين، ليلقي بظلال من الشكّ على «جدوى» تلك الزيارة، وما إن كانت ستسفر عن «نتائج مثمرة»، ملمّحاً إلى إمكانية إلغائها. وقال إسلامي، أوّل من أمس، إن بلاده «ستردّ بکلّ قوّة» علی قرار الوکالة الذي وصفه، هو الآخر، بأنه «إجراء غير بنّاء» و«عمل خاطئ». وفي المقابل، أعرب مندوب روسيا الدائم لدى المنظّمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف، عن أمله في أن يبقى برنامج المحادثات بين إيران و«الطاقة الذرية» مدرَجاً على جدول الأعمال، معتبراً أن صدور قرار ضدّ إيران جاء «مبكراً للغاية»، متهماً الدول الغربية باستخدام الوكالة لإثارة المشاكل على طريق مواصلة المحادثات الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي.
ومنذ أيار عام 2019، أي بعد عام على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، أقدمت الجمهورية الإسلامية على خفْض مستوى التزاماتها الواردة في متن الاتفاق، وهي لا تزال ماضية في هذا الطريق. ومع تسارع وتيرة البرنامج النووي الإيراني، وصل مخزون اليورانيوم المخصّب، وفقاً لأحدث تقارير الوكالة، إلى نحو 18 ضِعف الكميّة المسموح بها. ويأتي ذلك فيما يبدو أن الفجوة التي اتّسعت أصلاً بين إيران والغرب عقب تحوُّل محادثات إحياء الاتفاق إلى مفاوضات استنزافية على مدى السنة ونصف السنة الأخيرة، قد كبُرت خلال الشهرَين الأخيرَين، على خلفيّة الاضطرابات في الجمهورية الإسلامية، والتي تستخدمها الدول الغربية لتكثيف الضغوط على طهران. وعلى رغم أن قرار مجلس المحافظين يتّسم، في المرحلة الحالية، بـ«أهمية رمزية»، غير أن المراقبين يقيّمون نبرته بأنها أكثر حزماً وصراحة مقارنةً مع القرار الذي سبقه، ويذهبون إلى أنه يمكن أن يشكّل مقدّمة لإحالة ملفّ إيران إلى مجلس الأمن الدولي، وهو ما عبّرت عنه تصريحات السفيرة الأميركية لدى الوكالة الدولية، لورا هولغيت، في الاجتماع الأخير، والتي انطوت، للمرّة الأولى، على تهديد بـ«إحالة ملفّ إيران إلى المجلس»، في حال «لم تكن الجمهورية الإسلامية جاهزة للتعاون الضروري للإجابة على أسئلة الوكالة».