«الأكياس» مقابل المواقف: أوروبا... أين «البوصلة الأخلاقية»؟

«الأكياس» مقابل المواقف: أوروبا... أين «البوصلة الأخلاقية»؟

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٥ ديسمبر ٢٠٢٢

يُعدّ البرلمان الأوروبي، كما يُعرّف عن نفسه، «البوصلة الأخلاقية» للاتحاد الأوروبي؛ فهو يُعنى، من بين أمور كثيرة أخرى - وفق ما يَرِد على موقعه الإلكتروني الرسمي - بـ«حماية الحقوق الأساسية داخل الاتحاد»، و«الدفاع عن حقوق الإنسان خارجه»، فضلاً عن «دعْم الديموقراطية حول العالم». ولا يقتصر دور هذه الهيئة المنتخَبة على «تعزيز صنْع القرار الديموقراطي في أوروبا»، بل يتعدّاه إلى «دعْم النضال من أجل الديموقراطية وحرية التعبير والانتخابات النزيهة في جميع أنحاء العالم». وإنْ لم يكن في ما سلف، أيّ ذكْر للفساد أو مكافحته، فهذا ربّما لأن مؤسّسات بضخامة الاتحاد الأوروبي و«عراقته»، باتت تخصّص جُلّ جهدها واهتمامها، حالها حال الولايات المتحدة، للدفاع عن القيم الديموقراطية - كما ذكَرَت - حول العالم. مع ذلك، يَظهر من الفضيحة التي هزّت البرلمان الأوروبي، أن الفساد ينخر هذه الهيئة وتالياً المؤسّسة الأوسع، فيما يُقلق رئيستها، روبرتا ميتسولا، «تَعرُّض الديموقراطية الأوروبية لهجوم». أمّا رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، فترى، من جهتها، أن شبهات الفساد «مثيرة للقلق الشديد»، كونها «مسألة ثقة بالأشخاص الذين هم في قلْب مؤسّساتنا»، مذكّرة بأنها اقترحت إنشاء «سلطة مستقلّة» تُعنى بالمسائل الأخلاقية.
وعلى خلفية الفضيحة، تحرّك البرلمان الأوروبي لإقالة نائبة رئيسته، اليونانية إيفا كايلي، بعدما ضُبطت متلبّسة عند العثور على «أكياس مليئة بالأوراق المالية» في شقّتها. وغداة توجيه الادعاء البلجيكي اتهامات بمشاركتها - إلى جانب آخرين - في «منظّمة إجرامية وغسل الأموال وفساد»، وتلقّي رشى يُعتقد أن قطر وراءها، للتأثير على صنْع القرار في بروكسل، صوّت أعضاء البرلمان، أوّل من أمس، بغالبية 625 صوتاً، لإقالة كايلي، وهي واحدة من ستة أشخاص أُوقفوا في إطار تحقيق بشبهة الكسب غير المشروع، قبل توجيه اتّهامات إلى أربعة وإطلاق سراح اثنين. ويُشتبه في أن النائبة التي تتولّى أحد مناصب نواب رئيسة البرلمان الـ 14، تلقّت مبالغ من الدوحة للدفاع عن مصالح الإمارة التي تستضيف حالياً مباريات كأس العالم لكرة القدم. وإلى كايلي التي أُودعت السجن، سُجن ثلاثة آخرون في إطار التحقيق المستمرّ، بعدما ضبطت الشرطة البلجيكية، خلال المداهمات العشرين التي جرت إلى اليوم، «600 ألف يورو في منزل أحد المشتبَه فيهم، ومئات آلاف اليوروات في حقيبة مصادَرة من غرفة أحد فنادق بروكسل، وحوالي 150 ألف يورو في شقّة يملكها عضو في البرلمان الأوروبي»، وفق النيابة العامة الفدرالية البلجيكية. وإذ أعربت ميتسولا عن «غضبها الشديد وحزنها»، فهي توعّدت بأنه «لن يكون هناك أيّ إفلات من العقاب (...) لن يتمّ إخفاء أيّ شيء، وأعلنت فتح «تحقيق داخلي للنظر في كل الوقائع المرتبطة بالبرلمان»، والتثبُّت من تحسين الآليات المعتمَدة في هذه الهيئة، على أن يصار إلى إطلاق «عملية إصلاح لمعرفة مَن يمكنه الوصول إلى مقارّنا، وكيف يتمّ تمويل هذه المنظمات والمنظمات غير الحكومية وهؤلاء الأشخاص، وأيّ علاقات تربطهم بدول ثالثة، وسنطالب بالمزيد من الشفافية في شأن الاجتماعات مع جهات فاعلة أجنبية».
ويمتلك الاتحاد الأوروبي قاعدة بيانات يتعيّن على المنظّمات الراغبة في الضغط والتأثير على عمليّة سنّ القوانين، التسجيل فيها في إطار آلية تُعرف بـ«سجلّ الشفافية»، وتندرج في إطارها المنظمات غير الحكومية، ومجموعات الضغط، والجمعيات، فيما تنصّ القوانين على ضرورة أن تُقدِم كل المنظّمات غير الحكومية المسجَّلة على الكشف عن ميزانيتها وعن مصادر أيّ تبرّعات تتجاوز العشرة آلاف يورو. وطالت الفضيحة الأخيرة منظمة غير حكومية تُعرف باسم «فايت إنبيونيتي» أو «محاربة الإفلات من العقاب»، فيما تكشف التقارير أن هذه المنظّمة غير مسجلّة في قاعدة البيانات الأوروبية، وأن النائب الأوروبي السابق، الإيطالي بيير أنطونيو بانزيري، الذي يرأسها، رهن الاحتجاز، فيما عمل فرانشيسكو جيورجي، مساعد كايلي وشريكها، فيها.
ويأتي التحقيق في الوقت الذي تُسلَّط فيه الأضواء العالمية على قطر التي تستضيف كأس العالم، وسط انتقادات لسجلّ حقوق الإنسان فيها ومعاملتها للعمال الأجانب. ومع بدء البطولة، هاجمت كايلي، في كلمة أمام البرلمان الأوروبي، في 21 تشرين الثاني، منتقِدي قطر، وأشادت بالإمارة الخليجية باعتبارها «رائدة في ما يتعلّق بحقوق العمال». ووفق مصدر مطّلع على القضيّة، تحدّث إلى «رويترز»، فإنّ جميع المتّهمين الآخرين إيطاليون، وهم النائب الأوروبي السابق بيير أنطونيو بانزيري، والمساعد البرلماني فرانشيسكو جورجي، وهو شريك حياة كايلي، ونيكولو فيجا تالامانكا الأمين العام لإحدى جماعات حقوق الإنسان. كما أن هناك إيطالياً آخر، هو الأمين العام لـ«الاتحاد الدولي لنقابات العمال»، لوكا فيسينتيني، أُفرج عنه بشروط. وأفاد الادعاء البلجيكي بأن بانزيري متّهم بتلقّي مدفوعات من قطر والمغرب للتأثير على العاملين في البرلمان الأوروبي، وبأن زوجته ماريا كوليوني، وابنته سيلفيا، على علم بتلك الأنشطة، وشاركتا في نقل الهدايا.