إردوغان يعزّز حظوظه: عودة عن «الخطأ السوري»

إردوغان يعزّز حظوظه: عودة عن «الخطأ السوري»

أخبار عربية ودولية

السبت، ٣١ ديسمبر ٢٠٢٢

يَجهد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لتحقيق اختراقات مهمّة قبيل توجّهه إلى الانتخابات الرئاسية التي لا يزال يتأمّل كسْبها إذا ما سارت خططه في الاتجاه المرسوم لها. ولعلّ أهم اختراق استطاع الرَجل تحقيقه، وبضغط من الحليفة الروسية التي توثّقت العلاقات معها في أعقاب الحرب الأوكرانية، أنْ اجتمع وزيرا الدفاع التركي والسوري ومعهما رئيسا الاستخبارات، كمقدّمة للقاء سيجمع وزيرَي خارجية البلدَين ومن ثمّ رئيسيهما. وفي هذا، يشير الإعلام التركي إلى جملة فارقات و«عودة عن الخطأ» الذي ارتُكب قبل أحد عشر عاماً، تجعل الجميع رابحاً، باستثناء إيران!
يُعتبر اللقاء الذي جمع وزيرا الدفاع التركي خلوصي آقار، والسوري علي محمود عباس، ومعهما رئيسا الاستخبارات التركي حاقان فيدان، والسوري علي المملوك، الأوّل على المستوى السياسي بين البلدَين منذ أحد عشر عاماً. وهو لقاء ما كان ليُعقد في موسكو، لولا وساطة وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، ومشاركته. ولا شكّ في أن الاجتماع يمثّل محطّة متقدِّمة في محاولات المصالحة بين أنقرة ودمشق، والتي لمّح إليها أكثر من مرّة المسؤولون الأتراك، ولا سيما رئيس الجمهورية، رجب طيب إردوغان. وفي حال سارت التطوّرات وفق ما هو مخطَّط له، سيجري اللقاء المقبل على مستوى وزراء الخارجية، وهو ما لمّح إليه وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، لتعقّبه قمّة على المستوى الرئاسي.
البيانان الصادران عن وزارتَي الدفاع في البلدين، اختصرا اللقاء بثلاث نقاط: الإيجابية، الدعوة إلى حلّ مشكلة اللاجئين، وبذل الجهود المشتركة لمحاربة الإرهاب. وتحدّث البيان التركي عن أن الاجتماع «تناول الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين والمعركة المشتركة ضدّ كل التنظيمات الإرهابية المتواجدة على الأراضي السورية»، واصفاً المناخ الذي طبع اللقاء بأنه «بنّاء»، وبأن الطرفَين اتّفقا خلاله على مواصلة الاجتماعات في إطارها الثلاثي. وعلى الجانب السوري، كان اللقاء، وفق البيان الصادر، «إيجابيّاً». أما البيان الروسي، فقد ذكر أن الاجتماع «ناقش المعركة المشتركة ضدّ المجموعات المتطرّفة، وحلّ مشكلة اللاجئين». وقد لوحظ أيضاً، من دون أيّ تفسير، أنه لم يتمّ نشر أيّ صورة مشتركة للوفود الثلاثة المشارِكة في اللقاء.
وفي إطار هذا الاختراق الحاصل وأسبابه والتوقعات المتوخاة منه، تفاوتت التعليقات وتباينت أحياناً لدى الخبراء والمحلّلين الأتراك. ورأى حسين باغجي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الشرق الأوسط التقنية، أن اللقاء كان «في محله»، وأن تركيا «هي التي كانت تفضّل أن يكون اللقاء مع دمشق غير مباشر، وأن يكون عبر طرف ثالث هو روسيا لأنها البلد الأهمّ في هذا المجال. ومن هذه الزاوية، فإن إيران استُبقيت خارج الصورة، علماً أنها إحدى الدول الضامنة في مسار أستانا، والضامنة لوحدة الأراضي السورية». وقال باغجي إن أنقرة بدأت تعود إلى سياسة التواصل مع الجيران، وفي هذا، وفق تعبيره، «عودة عن الخطأ»، مشيراً إلى أن هناك انتخابات ستجري في تركيا العام المقبل، وأنه حتى لو حصل تغيير في السلطة، فإن الحكومة الجديدة ستواصل السياسات نفسها.
وفي هذا المجال أيضاً، رأى الكاتب مراد يتكين، أن اللقاء «يعني أخباراً سارة لإردوغان، حيث سيكون بإمكانه لاحقاً الصلاة في الجامع الأموي، لكن كضيف للأسد»، لافتاً إلى أن مصادر تركية لم تشأ الكشف عن هويتها ذكرت له أن اللقاء بحث ثلاثة أمور:
1- مسار الأزمة السورية وحلّها.
2- حلّ مشكلة المهاجرين السوريين.
3- الجماعات المتطرّفة ومكافحة الإرهاب.
وخلص الكاتب إلى أن النتيجة الأولى، هي أن إردوغان قد تخلّى عن هدف إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد؛ أمّا الثانية، فهي أن الرئيس التركي يريد البدء في بعض الإجراءات - ولو الرمزية - لإعادة اللاجئين ليستفيد، علّه يحقّق بعض الاستفادة قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية. واتُّفق في اللقاء، وفق ما أورد يتكين، على أن العملية العسكرية البرية لن تُنفَّذ إلّا في حال هاجم «حزب العمال الكردستاني» القوات التركية، وخلا ذلك لن تكون هناك عملية. برأي الكاتب أيضاً، فإن التقارب التركي - الروسي، يُعدّ أحد نتائج الحرب الروسية على أوكرانيا، فالطائرة التركية التي كانت تُقلّ وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات، لم يُسمح لها في طريق العودة من موسكو إلى أنقرة بعبور الأجواء الأوكرانية، ما اضطرها للالتفاف والطيران مدّة خمس ساعات عبر الأجواء الجورجية، وبدل أن تصل إلى العاصمة التركية ليل الأربعاء/ الخميس، وصلت صباح الخميس. وذكّر يتكين أيضاً بأنه في إطار بحْث إردوغان عن المال لتخفيف الأعباء الاقتصادية، فهو قام بمناورات المصالحة مع السعودية والإمارات وإسرائيل، أما بالنسبة إلى روسيا، فوجد أن تأجيل الديون لن يكون كافياً، فكان أن رضخ للضغط الروسي، ووافق على التقارب مع دمشق الآن، كي يحرّر موسكو من العبء السوري، ويضع الوجود الأميركي في سوريا - وهذا أيضاً ما تريده روسيا - في حالة حرجة. وتساءل مراد يتكين في ختام مقالته، عن السبب الذي حدا بتركيا أساساً لتكون طرفاً في الحرب السورية، ليجيب إنها أَنفقت 40 مليار دولار على أربعة ملايين لاجئ سوري، وهو ما انعكس سلباً على التضخّم وكلفة المعيشة. كما سأل: «ماذا لو لم يدخل إردوغان الحرب السورية انتصاراً للإخوان المسلمين؟ ربّما لم يكن للولايات المتحدة أن تنحاز إلى جانب حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية. وربّما لم تكن لتنقطع العلاقات التجارية بين تركيا وشبه الجزيرة العربية، كما ربّما لم تكن العلاقات مع مصر لتنقطع. لكن التاريخ والسياسة لا يُقرآن بأدوات "إذا" و"لو". الآن ينبغي النظر إلى الأمام».
من جهته، قال آخر سفير تركي لدى سوريا، عمر أونهون، إن لقاء وزيرَي دفاع البلدَين لم يكن مفاجئاً، وإن الحدث الأخير «إيجابي ويمثّل الخطوة الأولى في مسيرة صعبة. لكن المشكلات بين البلدَين لن تُحلّ في يومَين». ووفق الديبلوماسي، فإن «تركيا هي الطرف المبادِر للمصالحة، وروسيا بدورها ضغطت على الجانب السوري. وهذا يعكس أن أنقرة تثق كثيراً بالجانب الروسي»، مذكّراً بأن إردوغان «رسم، في 16 كانون الأول الجاري، خريطة طريق للمصالحة، عندما قال إن اللقاءات ستتمّ تدريجيّاً على التوالي على مستوى الاستخبارات فوزراء الدفاع فالخارجية فالرؤساء، على أن تقوم روسيا بدور الوساطة». وذكر أونهون أن تركيا تطالب بعمل شيء ما بخصوص اللاجئين، وضدّ القوات الكردية قبل الانتخابات الرئاسية، إذ هي «تريد أن تصحّح صورتها في المنطقة بوصفها عنصر تهديد. وهذا لا يكون فقط بتعليق العمل العسكري، بل بتزخيم المسار السياسي مع دمشق وموسكو»، لافتاً إلى أن هناك «أزمة ثقة كبيرة بين أنقرة ودمشق، وستأخذ وقتاً لتبديدها». لكن أولوية تركيا، في الوقت الراهن، هي إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، علماً أن الظروف الحالية لا تساعد على ذلك، إذ هناك أزمة اقتصادية كبيرة في سوريا، وأكثر من 70 ألف مسلّح لا يزال مصيرهم غير معروف. كما أن الأسد الذي يسيطر على 55% من مساحة سوريا، لا يُقدِّم أيّ ضمانات أمنيّة لمَن سيعود.
وفي صحيفة «جمهورييات»، كتب سرتاتش إش، أن الضغط الروسي غيّر موقف الأسد الرافض للقاء مع تركيا قبل الانتخابات، معتبراً أن «الرابح الأكبر» في نهاية يوم اللقاء هو الرئيس السوري. فالتراجع التركي عن الموقف منه هو ربح للطرف الآخر، معتبراً أن إيران تُعدّ من بين الخاسرين «لأن المصالحة مع تركيا تقوّي يد الأسد في مقابل كل من روسيا وإيران». وكرّر إش أن أهمّ نقطة لدى السلطة في تركيا هي مسألة اللاجئين التي تضغط كثيراً على إردوغان. وفي الإطار نفسه، أشار غونيري جيفا أوغلو، في «ميللييات»، إلى أن العلاقات التركية - الروسية أصبحت أقوى منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، إذ لم تَعُد أنقرة تعيش تحت وطأة الضغوط الروسية لسحْب قواتها من المناطق التي تسيطر عليها في سوريا. وقال جيفا أوغلو إن بلاده تحوّلت، بعد العقوبات الغربية على روسيا، إلى شريك مفتاح لموسكو. وبدلاً من تصعيد تركيا للموقف العسكري، ضغطت روسيا على دمشق لبدء المفاوضات لأنها لا تريد أن تجد نفسها من جديد وجهاً لوجه أمام القوات التركية.