الانفتاح السعودي على سورية: حاجة وخيار سياسي إلزامي

الانفتاح السعودي على سورية: حاجة وخيار سياسي إلزامي

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢٠ فبراير ٢٠٢٣

عد انتهاء ولاية ترامب الذي شكّل مظلة سياسية دولية لكل ما يفعله ولي العهد السعودي، عادت السعودية إلى فتح قنوات حوار مع جيرانها، فتمت المصالحة مع قطر، وانفتحت المملكة على تركيا.
على الرغم من نفي السوريين، انشغل الإعلام العربي والعالمي بما تناقلته وسائل الإعلام الروسية من تصريحات لمصدر سوري مسؤول، أعلن فيها أن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان سيزور دمشق قريباً، وذلك استكمالاً للحملة الإغاثية الإنسانية التي قام بها السعوديون عبر إرسال طائرات إغاثة ومساعدة للسوريين بعد الزلزال مباشرة.
 
وكان ابن فرحان قد قال في مقابلة مع "بلومبيرغ" في وقت سابق من هذا العام، إن دول المنطقة يجب أن تعمل معاً لإيجاد "حل سياسي" للحرب في سوريا وإيجاد طريقة للتعامل مع الحكومة السورية.
 
وبصرف النظر عن حصول الزيارة في القريب العاجل أو تأجيلها، فإن تحولات السياسة الخارجية السعودية تشي بأن التقارب السعودي السوري سيحصل عاجلاً أم آجلاً، نظراً إلى ما يلي:
 
السياسة الخارجية السعودية ما قبل الحرب الأوكرانية
عملياً، منذ ما قبل الحرب الأوكرانية، تبذل المملكة العربية السعودية جهوداً حثيثة للعودة كقائدة في منطقة الشرق الأوسط والتموضع في سياسة تسعى من خلالها لحجز مقعد لها في التطورات العالمية والبروز بصفتها دولة مهيمنة إقليمياً، وفي الوقت نفسه قادرة على الاستفادة من أي نظام عالمي جديد سيبرز في المستقبل بعد انتهاء الصراعات الحالية بين روسيا والغرب، والصين والولايات المتحدة الأميركية.
 
منذ "الربيع العربي" وما قبله، انخرطت السعودية في صراعات تنافس إستراتيجي مع تركيا وإيران، إضافة إلى قطر والإمارات العربية المتحدة اللتين حاولتا اكتساب موقع نفوذ إقليمي على حساب "الشقيقة الكبرى" السعودية.
 
لكن منذ وصول الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية العهد في السعودية، وبعد انتهاء ولاية ترامب الذي شكّل مظلة سياسية دولية لكل ما يفعله ولي العهد السعودي، عادت السعودية إلى فتح قنوات حوار مع جيرانها، فتمت المصالحة مع قطر بعد حصار دام سنوات، وانفتحت المملكة على تركيا، وتمّ توقيع اتفاقيات للاستثمار السعودي فيها بعد توتر بين البلدين يعود إلى تباين سياستهما حول "الربيع العربي" ومقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول.
 
أما مع إيران التي تتسم العلاقة معها بالتوتر والصراع بالوكالة، فإن الحوارات الجارية بين الطرفين تفيد بأن الخيار الدبلوماسي بات الأجدى لحلّ الصراع والتنافس بينهما، وخصوصاً أن إيران قادرة على أداء دور مهم في الحرب الدائرة في اليمن التي تريد السعودية إنهاءها.
 
أما الإمارات التي تطمح إلى دور جيوسياسي وإستراتيجي أكبر في المنطقة، فإنها تبقي على علاقة جيدة مع السعودية، ولو في حدها الأدنى.
 
التغييرات الهيكلية الداخلية
أدت إستراتيجية البلاد للنمو الاقتصادي بعد النفط أو ما سمي "رؤية 2030" إلى تغييرات شاملة في المجتمع السعودي، فقد أصبحت البلاد أكثر ليبرالية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وبات التركيز داخلياً على تحرير المرأة من القيود السابقة وإلغاء دور المؤسسات الدينية في التحكّم في المجتمع ومحاربة الفساد، وهي من الأمور المطلوبة لتشجيع بيئة الاستثمار واستقطاب المستثمرين من الخارج.
 
تأثير الحرب الأوكرانية
أعادت الحرب الروسية في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة النظر في أهمية السعودية ودورها لدى الغرب والعالم، وخصوصاً بالنظر إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن كان قد توعد بجعلها "دولة معزولة"، لكنه عاد - بضغط التطورات والحاجة إلى الطاقة - إلى زيارة المملكة ومقابلة ولي العهد السعودي والتراجع عن تهديداته. 
 
واليوم، تدرك المملكة أهمية دورها وقدرتها. لذلك، تقوم بممارسة سياسة متعددة الأقطاب تهدف إلى إثبات القدرة على أداء دور محوري في الاقتصاد والطاقة والاستثمار العالمي. لذلك، رفضت التحالف مع الغرب ضد روسيا والسير بالعقوبات الغربية المفروضة عليها، واستضاف السعوديون كلاً من الرئيس الأميركي جو بايدن والزعيم الصيني شي جين بينغ خلال عام 2022. 
 
وكان قرار صندوق الاستثمارات العامة السعودي عام 2022 إنشاء 6 صناديق توجه 24 مليار دولار لمصر وعُمان والعراق والأردن والسودان والبحرين من أوضح المؤشرات على إستراتيجية الرياض لتوسيع قوتها ونفوذها في المنطقة عبر التنمية والاستثمارات.
 
الانفتاح على دمشق: حاجة وخيار
ما زالت السعودية تنظر إلى إيران باعتبارها أكبر تهديد لطموحاتها الإقليمية. لذلك، تسير في مسار مزدوج: من جهة تشجيع العقوبات والضغوط القصوى الغربية على طهران والتنافس معها عبر حروب بالوكالة والضغط على حلفائها في المنطقة، ومن جهة ثانية المشاركة في محادثات مع الإيرانيين لخفض التصعيد.
 
بناء عليه، إن الانفتاح السعودي على الحكم في دمشق يمثل بالنسبة إلى السعوديين جزءاً من التخلص من إرث الحروب المكلفة السابقة، والتوجه نحو سياسة صفر مشاكل، لكنه في الوقت نفسه خيار يعتقد السعوديون أنه سيكون مفيد لاحتواء النفوذ الايراني في المنطقة، على أساس أن التقارب العربي مع الرئيس السوري بشار الأسد سيجعله قادراً على تنويع خياراته السياسية بدلاً من دفعه إلى البقاء في تحالف إستراتيجي إقليمي وحيد مع طهران، وخصوصاً بعدما أبدى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نيّته التقارب مع دمشق، وانخرطت الإمارات في مسار مصالحة مع السوريين منذ سنوات.