جنين لا تستريح: قتال.. فمجزرة... فقتال

جنين لا تستريح: قتال.. فمجزرة... فقتال

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٠ مارس ٢٠٢٣

يسعى جيش العدو، وفق ما أنبأت به تطوّرات الأسابيع الماضية، إلى ترسيخ سياسة جديدة قائمة على ارتكاب المزيد من المجازر، وتنفيذ عمليات اغتيال وإعدام جماعية، في مدن الضفة الغربية وبلداتها، في محاولة منه لردع حالة المقاومة والاشتباك المتصاعدة. وفي هذا السياق، وبينما كانت مدينة جنين تُضمّد جراحها التي خلّفتها المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في مخيّمها عصر الثلاثاء وارتقى فيها 6 شهداء بينهم مقاتلون فدائيون، لَحِق بهم صباح الخميس الطفل وليد نصار متأثّراً بجروحه التي أصيب بها آنذاك، ارتكب العدو مجزرة جديدة فجر أمس، باغتياله 3 مقاومين في بلدة جبع جنوب جنين. وبحسب شاهد عيان تحدّث إلى «الأخبار»، فإن قوّات الاحتلال الخاصة أطلقت الرصاص على مركبة كان يستقلّها الشبّان سفيان فاخوري وأحمد ملايشة وأحمد فشافشة، في حوالى الساعة السادسة إلّا ثلثاً، قبل أن تقتحم المكان، وتَنشر القنّاصة على أسطح المنازل، وتَمنع المواطنين من الاقتراب، لتندلع على إثر ذلك اشتباكات أصيب خلالها شابّ في رأسه.
وينتمي الشهداء إلى «كتيبة جبع» التي نفّذت في الاشهر الماضية عمليات عدّة ضدّ جنود العدو ومُستوطِنيه، وتُعدّ امتداداً لـ«كتيبة جنين»، التابعة لـ«سرايا القدس». كما أن اثنين منهما لم يَمضِ على تَحرّرهما من الأَسر سوى بضعة أشهر، ليعودا إلى درب المقاومة. وبحسب مصادر عبرية، فإن المقاومين اشتبكوا مع قوّات الاحتلال الخاصة قبل استشهادهم، بينما اندلعت اشتباكات مسلّحة في البلدة، تمكّن خلالها المقاومون من إسقاط طائرة تجسّس مسيّرة إسرائيلية. من جهتها، ادّعت الإذاعة الإسرائيلية أن الشهداء مثّلوا «قنبلة موقوتة»؛ إذ كان في نيّتهم تنفيذ عملية، مشيرةً إلى أنهم لدى محاصرتهم لاذوا بالفرار واستقلّوا السيارة وأطلقوا النار تجاه جنود العدو الذين قاموا بتصفيتهم، فيما زعمت قناة «كان» العبرية أن الشبّان الثلاثة أطلقوا النار تجاه قوّة إسرائيلية قبل أن تتمّ تصفيتهم، مضيفةً أنه عُثر على مسدّسات وبنادق وعبوات ناسفة في مركبتهم. على الضفّة المقابِلة، وقف أقرباء الشهيد سفيان الفاخوري، القائد في «كتيبة جبع»، وأصدقاؤه، في وداعه الأخير في مستشفى جنين، حيث جدّدوا إصرارهم على المقاومة وتمسّكهم بها، فيما صرخ أحدهم: «لا إسرائيل بتهزنا، ولا بن غفير بهزنا، وكلّ ولادنا استشهاديين لأجل الوطن». وصاحت امرأة، بدورها: «لازم نرفع راسنا فيه، هذا شهيد، وشو الأم الفلسطينية بتخلّف غير شهداء وأبطال وأسود؟ ارفع رأسك، فهمت».
قبل أكثر من عام، نفخت مدينة جنين في الجمر الراكد تحت الرماد، لتبعث الحياة من جديد في المقاومة المسلّحة في الضفة، وتُجدّد الاشتباك مع العدو عبر مسارات عدّة، أهمّها تأسيس «كتيبة جنين»، التي تحوّلت مع الوقت إلى أنموذج جرى استنساخه في أكثر من منطقة، فوُلدت «كتيبة جبع»، و«عرين الأسود»، وغيرهما من المجموعات المسلّحة، ونفّذ مُقاتلوها عمليات فدائية نوعية في عمق كيان العدو، كـ«بني براك» و«إلعاد» و«ديزنغوف»، وهو ما دفع جيش العدو إلى إطلاق عملية «كاسر الأمواج» بهدف اجتثاث المقاومة الناشئة في الضفة، والتي تمدّدت ونمت واتّسعت رقعتها وقوّتها. واليوم، وإذ تتصدّر جنين مشهد العمل المقاوم، وتنال الحصّة الأكبر من المجازر الإسرائيلية المتوالية، فإنها لا تبدي أيّ تراجُع عن المواجهة، بل تتّسع فيها الحاضنة الشعبية المؤيّدة للمقاومة. ففي كلّ جنازة شهيد في المدينة، يجدّد الشارع ولاءه، مُطالباً بالردّ على مجازر الاحتلال، ليس فقط وفاءً لـ31 شهيداً ارتقوا منذ بداية العام الجاري، وإنّما أيضاً صوناً لوصيّتهم، ووصيّة جميع الذين افتتحوا هذا المسار قبل 20 عاماً. ولعلّ أنموذج شهداء جبع الذين قضوا أمس، وهم الذين لم يمضِ على تَحرّرهم سوى بضعة أشهر من سجون الاحتلال، دليل على الإيمان العميق بنهج القتال، والتشبّث بنهم مخيّم جنين الذي نهض ليقاتل بعد المجزرة التي ارتكبها العدو فيه عام 2002، وأدّت إلى تدمير معظمه.
وأكدت «سرايا القدس - كتيبة جبع» أن «الشهداء الذين ارتقوا اليوم هم أبطال عمليّات الاشتباك ونصْب الكمائن والتصدّي لقوّات الاحتلال على مدار الساعة، وقد كانوا للاحتلال بالمرصاد في كلّ ميادين الجهاد، حتى لحظة ارتقائهم شهداء»، مضيفةً أن «رصاصنا لن يَصمت»، وأن «فاتورة الحساب مفتوحة مع هذا المحتلّ المجرم، وسيَدفع ثمن جريمته غالياً»، مُتوعّدةً «الاحتلال بمزيد من المقاتلين على درب الجهاد في سبيل الله، فالقائد يَخلفه ألف قائد، والرصاصة ستنفجر بدلاً منها ألف رصاصة في صدور العدو الجبان». وجزمت أن «جرائم الاحتلال واستهدافه لمقاتلي سرايا القدس وكتائبنا في الضفة، لن يثنينا عن المضيّ في طريق الجهاد والمقاومة، وإن جهادنا ماضٍ حتى الخلاص من الاحتلال ودحْره عن أرضنا».
وفي الوقت الذي تؤكّد فيه المقاومة أن حضورها في الضفة يزداد ويتوسّع، وأن عمليّاتها ردّاً على مجازر الاحتلال قادمة، يبدو المشهد مفتوحاً على جميع الاحتمالات، وهو الأمر الذي باتت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تُدركه جيّداً، عامِدةً، من جرّائه، بعد كلّ مجزرة إلى إعلان حالة التأهّب القصوى، في وقت تركّز فيه وسائل الإعلام العبرية على أن تَمكّن المقاومة من إسقاط 3 طائرات مسيّرة في جنين في غضون 48 ساعة فقط، بات يفرض واقعاً جديداً على جيش العدو. وبينما تُواصل الضفة معركتها اليومية، تُراقب المقاومة في قطاع غزة ما يَجري هناك، باعثةً إلى المعنيّين برسائل تحذيرية، قد لا يكون خارج سياقها تفجير عبوة ناسفة بجرّافة تابعة للاحتلال قرب القطاع، ظهر الأربعاء. وفي الإجمال، يَتوقّع الفلسطينيون أن تكون الأيام المقبلة مليئة بالتصعيد على الأرض، وتحديداً في الضفة، لأسباب عدّة أبرزها تعاظُم الأزمة التي تعانيها حكومة بنيامين نتنياهو، والتي قد تدفعها إلى تصعيد نهجها العدواني سعياً إلى تحقيق إنجاز سياسي، إضافة إلى استعار رغبة أقطاب «الصهيونية الدينية» في فرْض أجنداتهم وبرنامجهم اليميني الفاشي في ملفّات القدس والمسجد الأقصى والأسرى والاستيطان، ومنْح الضوء الأخضر للمستوطِنين للقيام بما يحلو لهم بحرّية، على غِرار ما جرى في حوارة.