تركيا.. مرشّحٌ جديد من خارج «الصندوق»: حسابات المعارضة ترتبك

تركيا.. مرشّحٌ جديد من خارج «الصندوق»: حسابات المعارضة ترتبك

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢٨ مارس ٢٠٢٣

على بُعد أسابيع من موعد الاستحقاق الرئاسي، تتواصل الحملات الانتخابية التركية، وسط دخول أسماء جديدة إلى «البورصة»، سيكون من شأن بعضها إرباك حسابات المتنافسَين الرئيسَين: رجب طيب إردوغان وكمال كيليتشدار أوغلو. وإذ يبدو ترشيح محرم إينجه نفسَه مصدر إقلاق للمعارضة، يدفعها إلى محاولة إقناع الرجل بالانسحاب من السباق، من دون أن تمتلك إلى الآن الثمن المناسب الذي يمكن أن يرتضي به هو في المقابل، فإن «تحالف الجمهور» يواصل العمل على اجتذاب الأحزاب الصغيرة، وآخرها «الرفاه» الذي نسخ رئيسه، فاتح أربكان، مواقفه المناهضة لإردوغان، وأعلن انضمامه إلى التحالف المذكور
تتكثّف حركة الترشّح للانتخابات الرئاسية التركية، والتي يتنافس فيها، بشكل رئيس، رجب طيب إردوغان وكمال كيليتشدار أوغلو، اللذان سيفوز أحدهما إمّا من الدورة الأولى أو الدورة الثانية، مع فارق أنه في حال انتصار الأوّل، فسيستمرّ في قصره الفخم في «بش تبه»، بينما إذا ربِح الثاني، فسيقيم في قصر «تشانكايا» التاريخي المتواضع الذي أقام فيه أتاتورك للمرّة الأولى كرئيس للجمهورية عام 1923، ومن ثمّ ألغاه الرئيس الحالي عام 2014 وانتقل منه إلى قصره الجديد. وإلى إردوغان وكيليتشدار أوغلو، قبِلت «اللجنة العليا للانتخابات» ترشيح كلّ من محرم إينجه وسنان أوغان، بعدما جمع كلّ منهما الشرط المطلوب، وهو مئة ألف توقيع، قبل أن تغلَق أبواب التواقيع مساء الإثنين. ومن شأن ترشيح إينجه أن يخلق إرباكاً في صفوف المعارضة، التي كان هو مرشّحها عام 2018 بوجه إردوغان، ولكنه انفصل لاحقاً عن «حزب الشعب الجمهوري»، وأسّس حزب «مملكت» (البلاد). ومردّ هذا الإرباك أنّ استطلاعات الرأي تعطي إينجه من 3 إلى 6% من الأصوات من حصّة المعارضة، وهي نسبة عالية في ظلّ ما تمنحه الاستطلاعات المؤيّدة لإردوغان من نسبة تصل إلى 47% للرئيس الحالي، و45% لكيليتشدار أوغلو. وبحساب الأرقام، فإن إينجه، في حال صحّت تلك الاستطلاعات، سيحقّ له الحصول على حوالي 40 مقعداً في البرلمان على حساب «تحالف الأمة» - إذا ما أراد الانسحاب من السباق الرئاسي -، الأمر الذي يبدو صعب التحقّق. ولذا، تَبذل أوساط المعارضة جهوداً من أجل ثني إينجه عن الترشّح أو على الأقلّ تجيير أصواته في الدورة الثانية لصالح كيليتشدار أوغلو، في مقابل انضمامه إلى الفريق الاستشاري لـ«الشعب الجمهوري»، وفق ما جاء في رسالة وجّهها إليه مئة وسبعة نوّاب سابقين من الحزب، شدّدت على أن «الأولوية المطلَقة لنا هي أن نتحرّر من ديكتاتورية إردوغان».
في المقابل، وفي ظلّ التحالف الضمني بين المعارضة والأكراد، يركّز إردوغان جهوده على تصوير المعركة بوصفها مع الفئات التي تُعدّ امتداداً للإرهاب والانفصال. وفي هذا الإطار، قال الرئيس، في خطابٍ السبت في ذكرى تأسيس وقف نشر العلم في إسطنبول، إن «كلّ شبكات الشرّ في الداخل والخارج توحّدت في المعركة ضدّنا في 14 أيار»، مضيفاً أن هذا التاريخ «سيكون مفترق طرق تاريخياً لتركيا»، ومتّهماً المعارضة بأنها «من أجل بضعة أصوات تحالفت حتى مع التنظيمات الإرهابية». بالتوازي مع ذلك، وبعدما نجح «تحالف الجمهور» في كسْب حزب «الدعوة الحرّة» الكردي الديني، أعلن فاتح أربكان، رئيس «حزب الرفاه» الجديد، التخلّي عن الترشّح لرئاسة الجمهورية، والانضمام إلى التحالف المذكور، إثر حصول نقاش داخلي بين مسؤولي الحزب. وعلى هذه الخلفية، تعرّض فاتح لحملة من المعارضة، التي ذكّرته بقوله إن «ممارسات تحالف الجمهور واضحة للعيان. لا يمكن أن أكون شريكاً في الجرائم التي ارتُكبت على مدى عشرين عاماً، ولن أصعد إلى مركب التيتانيك الغارق. حزب العدالة والتنمية انتهى سياسياً». أيضاً، يتعارض الموقف الجديد لأربكان مع مواقف والده الراحل نجم الدين، الذي اعتبر إردوغان «مجرّد دمية تابعة للصهيونية والغرب»، و«مَن يعطيه صوته كمَن يشتري بطاقة إلى جهنم». والجدير ذكره، هنا، أن «حزب السعادة» يَعتبر نفسه الوريث الشرعي لخطّ نجم الدين أربكان، الذي أسّس بنفسه الحزب المذكور في مواجهة حزب «العدالة والتنمية» عام 2002، علماً أن كليهما قاما على أنقاض «حزب الفضيلة» الذي حظرتْه المحكمة الدستورية حينها.
ومع استمرار الحملات الانتخابية، رأى مرشّح المعارضة، في حديث إلى تلفزيون «خلق» المُعارض، أن «الشعب إلى جانب التغيير، وعليه أن ينهي هذه المهمّة من الدورة الأولى وألّا يتعب مرّتَين»، وذلك ردّاً على قول وزير العدل، بكر بوزداغ، «إنّنا سنربح المعركة من الدورة الأولى». ويرى الكاتب مراد يتكين أن «إردوغان يلعب لعبة الأمل والتخويف؛ فهو يقول إنه ليس ثمّة أحد سواه يستطيع مواجهة آثار الزلزال، وفي الوقت نفسه يحذّر من أنّنا إذا رحلنا فسوف يمنعون الحجاب من جديد، ويذهب الدِّين من أيدينا». أمّا بالنسبة إلى كيليتشدار أوغلو، فهو يثق، بحسب يتكين، بقوّة التحالفات التي أجراها وكان مهندسها منذ عام 2018 - ومن بينها الحصول على التأييد الكردي الضمني -، وفي حال انتصر، فسيكون حزب «الشعب الجمهوري» في السلطة للمرّة الأولى منذ آخر حكومة لبولنت أجاويد عام 1979. لكنّ المعركة لن تقتصر على الانتخابات الرئاسية، بل ستشمل المقاعد النيابية. وفي هذا الإطار، برز قرار «الشعب الجمهوري» عدم ترشيح أيٍّ من قياداته الحزبية الرئيسة للنيابة، باعتبار أنه في حال فاز كيليتشدار أوغلو بالرئاسة، فستتفرّغ هذه القيادات للعمل التنفيذي في الحكومة وحول الرئيس. وفي المقابل، ظهرت إشارات «سلبية» لجهة ترشيح «حزب العدالة والتنمية» شخصيات حكومية بارزة مِن مِثل وزير الداخلية سليمان صويلو، ووزير الدفاع خلوصي آقار، ورئيس الحكومة والحزب السابق بن علي يلديريم وغيرهم، إذ فسّر البعض هذه الترشيحات الثقيلة بأنها إمّا استعداد لتقبّل الهزيمة الرئاسية ليتفرّغ هؤلاء لدورهم في البرلمان حتى لا يصبحوا «عاطلين عن العمل»، وإمّا تمهيد لتغييرات جذرية في السلطة التنفيذية في حال فاز إردوغان بالرئاسة. ويَدخل «تحالف الجمهور» المعركة النيابية بأربعة أحزاب، هي: «العدالة والتنمية»، «الحركة القومية»، «الرفاه الجديد»، و«الدعوة الحرة». ووصف علي إحسان ياووز هذا التحالف بأنه «ممثّل الوقفة الوطنية والمصالحة السياسية والأخلاقية».
من جهته، وتفادياً لأيّ مخاطرة أو فخّ قد تَعدّه السلطة له بإغلاقه من جانب المحكمة الدستورية قبل الانتخابات، قرّر «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي أن يتقدّم مرشّحوه تحت اسم «حزب اليسار الأخضر» ليكون ضمن «تحالف العمل والحرية»، الذي يضمّ أيضاً «حزب العمال التركي» و«حزب العمل» وأحزاباً يسارية أخرى. وبرزت، هنا، موافقة الصحافي المخضرم والمعروف، حسن جمال، على اقتراح الرئيسة الموازية لـ«الشعوب»، بيرفين بولدان، ترشيحه عن الحزب للدخول إلى الندوة النيابية. ومعروف عن جمال (79) أنه عمل مراسلاً وناشراً ورئيساً لتحرير صحيفة «جمهورييات» وكاتباً وناشطاً، وتُعدّ هذه هي المرّة الأولى التي يقرّر فيها أن يكون جزءاً من العمل السياسي المباشر والنيابي. كما عُرفت عنه معارضته الشرسة لحكم إردوغان، ودفاعه عن إرساء ديموقراطية كاملة في تركيا وإعطاء الأكراد حقوقهم في الهوية واللغة، كما دفاعه عن القضية الأرمنية. والصحافي البالغ من العمر 79 عاماً، هو حفيد وزير البحرية أثناء الحرب العالمية الأولى، جمال باشا، الملقّب بالسفّاح نظراً إلى تنفيذه أحكام الإعدام بحقّ روّاد «حركة التحرّر العربية» في دمشق وبيروت عام 1916. كما أن والده هو أحمد باشا، الابن الأكبر لجمال باشا. أمّا حزبَا «النصر» و«العدالة» فقرّرا أن يَدخلا الانتخابات معاً تحت اسم «تحالف آتا»، وهو لقب يُطلَق على أتاتورك. ويمتاز الحزبان بمعارضتهما المطلَقة لوجود اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، فيما اشتُهر رئيس «النصر»، أوميت أوزداغ، بمواقفه المتطرّفة ضدّ هؤلاء.