طهران - موسكو نحو تعاون استراتيجي: الغرب لا يتأقلم

طهران - موسكو نحو تعاون استراتيجي: الغرب لا يتأقلم

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٣ أبريل ٢٠٢٣

يتعزّز التقارب الإيراني - الروسي يوماً بعد آخر، مع تعمّقه على أكثر من مستوى، جرى التعبير عنها في الاتفاق الاستراتيجي الجديد المزمع توقيعه قريباً بين البلَدين. ومن هذه المستويات، يُقلق الغرب خصوصاً تعاون الجانبَين على المستوى العسكري، وما يُحكى عن قُرب حصول طهران على مقاتلات «سو-35»، وأنظمة دفاع جوّي من طراز «أس-400»، والخشية من تحوّل الجمهورية الإسلامية إلى «تهديد أكبر»، مستندةً إلى واقع أنها أصبحت رسميّاً في المعسكر الشرقي
توازياً مع التصعيد الحاصل بين الغرب من جهة، وإيران وروسيا من جهة أخرى، أخدت طهران وموسكو تعزّزان تقاربهما أكثر فأكثر، وباتتا، اليوم، تقفان على عتبة التوقيع على معاهدة استراتيجية طويلة الأمد، يرى مسؤولو البلدَين أنّها تشكّل «سدّاً منيعاً أمام الضغوط الغربية». وعلى هذه الخلفية، أعلن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، خلال زيارته إلى موسكو، الأسبوع الماضي، أن التوقيع على «معاهدة التعاون المشترك» بين البلدَين يمرّ بمرحلة «الخطوة النهائية»، معرباً عن أمله في أن يتمّ التوقيع على الوثيقة النهائية خلال زيارةٍ سيقوم بها نظيره الروسي، سيرغي لافروف، إلى طهران في المستقبل المنظور.
وكانت أوّل معاهدة استراتيجية بين طهران وموسكو وُقِّعت في آذار من عام 2001. ومع انتهاء سريانها في عام 2021، أي بعد 20 عاماً، تحرّك الطرفان في اتّجاه صياغة اتفاق جديد تُحدِّد ملامحه الظروف والمتطلّبات الراهنة، وأهمّها اشتداد المواجهة والتوتّر في علاقات البلدَين مع الغرب. وتمتدّ فترة الاتفاق الجديد هي الأخرى لـ20 عاماً، فيما يشكّل التعاون على المستويَين الاقتصادي والعسكري، الدعامتين الرئيسيتين له. وإذ حملت تطوّرات السنوات الأخيرة على الصعيد الدولي، إيران وروسيا نحو مزيد من التقارب، إلّا أن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، في عام 2018، وإعادة تفعيل العقوبات ضدّ الجمهورية الإسلامية، دفعا هذه الأخيرة إلى الإحجام عن التعاون مع الغرب، وهو ما استحثّها على توسيع نطاق علاقاتها مع الدول التي تخوض هي الأخرى منافسة ومواجهة مع الغرب، أو على ما يسمّى سياسة «التحوّل شرقاً». ومن الإرهاصات المهمّة لهذه السياسة، على مدى العامَين الأخيرَين، يمكن الإشارة إلى انضمام إيران إلى عضوية «معاهدة شنغهاي للتعاون»، وتوقيعها على الاتفاق الاستراتيجي - ومدّته 25 عاماً - مع الصين، فضلاً عن توقيعها اتفاقات مماثلة مع بلدان مِن مِثل فنزويلا، وكذلك إجراء مناورات عسكرية منتظمة مع موسكو وبكين. وفي هذا الاتجاه، تعمّقت العلاقات بين طهران وموسكو أكثر فأكثر، لا سيما بعد تولّي إبراهيم رئيسي سدّة الرئاسة في الجمهورية الإسلامية. ومن جهة أخرى، تشجّع الروس على تطوير العلاقة مع الإيرانيين بعد الحرب الأوكرانية، التي تحوّلت إلى مواجهة حادة مع المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة.
وفي الأرقام، تفيد الإحصاءات الرسمية بأن قيمة التبادل التجاري بين البلدَين، شهدت نموّاً بنسبة 20% عام 2022، مقارنة بالعام الذي سبقه، لتصل إلى 4.9 مليار دولار. وتأمل كل من إيران وروسيا في أن يصل هذا الرقم إلى 40 ملياراً مع وضْع الاتفاق الاستراتيجي الجديد موضع التطبيق. أيضاً، يتعرّض البلدان لأقسى العقوبات الغربية، وهو ما دفعهما وحفّزهما على تمتين علاقاتهما الاقتصادية، والإفادة من طاقات أحدهما الآخر لخفض آثار هذه العقوبات. كذلك، تُعدّ إيران أحد الأركان الرئيسة لمشروع ممرّ «الشمال - جنوب» الذي ستجني منه منافع اقتصادية، فضلاً عن كوْنه يمثّل فرصةً مهمّة لروسيا للإفادة من طاقات الترانزيت لتدعيم علاقاتها التجارية مع البلدان الأخرى. وفي هذا الإطار، قال رئيس غرفة تجارة وصناعة روسيا، سيرغي كاثيرين، إن «الشركات الروسية بدت مهتمّة كثيراً لدخول السوق الإيرانية. إيران تُعدّ جسر اتصال للتجارة مع الشرق الأوسط وجنوب وجنوب شرقي آسيا. والنقطة الأخرى هي أن لدى طهران خبرة فريدة من نوعها في التعاطي مع العقوبات الغربية». وأضاف: «تتوافر في الوقت الراهن، الظروف اللازمة لتعزيز التعاون مع إيران في جميع المجالات تقريباً، بدءاً من الزراعة وصولاً إلى التكنولوجيات الحديثة والطاقة والهندسة والنسيج والسياحة. كما تتوافر إمكانات هائلة للاستثمارات المشتركة والتعاون في المناطق الاقتصادية الخاصة».
أما التعاون العسكري فيمثّل الجانب الآخر من العلاقات الروسية - الإيرانية، والذي مِن المقرَّر أن يتعزّز في الاتفاق الاستراتيجي الجديد. وعلى الرغم من أن الطرَفين تعاونا، على مدى السنوات الماضية، في المجال العسكري، بيدَ أن التعاون الجديد بينهما بات مثيراً للجدل، ومبعَث قلقٍ بالنسبة إلى الغرب. فخلال السنة الأخيرة التي مضت على الحرب الأوكرانية، أثارت قضيّة بيع إيران مُسيّرات «شاهد 136» لروسيا لاستخدامها في الحرب، جدلاً واسعاً؛ إلى درجة أنها تسبّبت في فرْض عدّة حُزم عقوبات غربية على السلطات والكيانات الإيرانية، تماشياً مع العقوبات المتعلّقة بالبرنامج النووي وقضايا حقوق الإنسان. لكن عمليّة إرسال المُسيّرات الإيرانية إلى روسيا، استمرّت خلال الأشهر الماضية، في ما يمثّل علاقة ثنائية الاتجاه، لا سيما أن موسكو ستسلّم طهران مقاتلات متطوّرة في مقابل حصولها على المسيّرات. وقبل أقلّ من شهر، تحدّثت ممثليّة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى الأمم المتحدة عن «وضْع نصّ نهائي» لاتفاق شراء مقاتلات «سوخو-35» من روسيا، لكنّها أحجمت عن إعطاء المزيد من التفاصيل في هذا الخصوص، ووصفت الأمر بـ«السرّي». وفي هذا الإطار، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، قبل أقلّ من شهرين، وفي ضوء تحليل صور ومعطيات الأقمار الاصطناعية، عن «قاعدة عقاب 44 تحت الأرض» الإيرانية، أن الجمهورية الإسلامية تستعدّ على الأرجح لاستقبال مقاتلات «سوخو-35» الروسية.
وإضافة إلى ذلك، يُقال إنه من المقرّر أن تسلّم روسيا، إيران، منظومة «أس-400» للدفاع الجوّي، الأمر الذي سيسهم في ترقية قوّة الردع المحليّة في ظلّ التهديدات الغربية والإسرائيلية ضدّ البرنامجَين النووي والصاروخي الإيرانيَّين. وكانت الإدارة الأميركية حذّرت، خلال الأشهر الأخيرة، من «تعاون عسكري واسع النطاق» بين طهران وموسكو، واعتبرته «مُضرّاً» لأوكرانيا ولجيران إيران وللعالم، إذ إنه في حال تسليم هذه المقاتلات إلى الجمهورية الإسلامية، فإن هذه الأخيرة «ستتحوّل إلى تهديد أكبر».
وعلى صعيد متّصل، أجرت إيران وروسيا ومعهما الصين، مناورات عسكرية شمال المحيط الهندي على مدى الأعوام الأربعة الأخيرة، وهو ما يشكّل أحد مظاهر نموّ العلاقات العسكرية بين الجانبَين. ويبدو أن أحداثاً من نوع اتفاق التعاون الاستراتيجي بين إيران وروسيا، تُظهر أن الاتحاد بين الدول التي تخوض منافسة مع الغرب، أَصبح أكثر جديّة مع الوقت، وهذا يمكن أن يمثّل أحد ملامح وسِمات النظام الدولي الجديد، الذي تعتزم القوى الناشئة تحدّي القوّة الأميركية فيه.