الأقصى يواصل ملحمته: تحدّي منع التقسيم

الأقصى يواصل ملحمته: تحدّي منع التقسيم

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٧ أبريل ٢٠٢٣

يخوض المقدسيّون، في كلّ ليلة منذ بدء شهر رمضان، معركة لتثبيت حقّهم في الاعتكاف في المسجد الأقصى طيلة أيام الصوم، وهو ما ينعكس مواجهات شبه يومية مع قوّات الاحتلال. ورفَع العدو من وتيرة اعتداءاته على المعتكفين مع ازدياد أعدادهم في المسجد، وإصرارهم على الاعتكاف فيه من دون أيّ شروط إسرائيلية، وإحباط مخطّطات تقسيمه زمانياً ومكانياً، بالاستلهام من نجاحهم في فرض إرادتهم في معركة البوابات الإلكترونية ومعركة باب الرحمة. وتتطلّع إسرائيل، من وراء تصعيد عدوانها على الأقصى، إلى فرْض جملة وقائع، أولاها أنها صاحبة القرار والسيادة على الحرم، وبالتالي هي مَن يقرّر مَن يحقّ له دخوله والصلاة والاعتكاف فيه، ومواقيت إغلاقه وفتحه. وانطلاقاً من ذلك، تقتحم قوات الاحتلال، يومياً، المسجد بعد انتهاء صلاتَي العشاء والتراويح، حيث تعتدي على المصلّين وتعمد إلى طرْدهم. في المقابل، يدرك المقدسيون أن العدو يسعى إلى فرض «التقسيم» على غِرار ما جرى في الحرم الإبراهيمي في الخليل، وخاصة أن إخلاء الأقصى من المعتكفين، يمهّد لاقتحام آمن ومُريح» له من قِبَل المستوطِنين في صباح اليوم التالي.
وكان «مجلس الأوقاف الإسلامية» (التابع لوزارة الأوقاف الأردنية)، المسؤول عن إدارة الحرم القدسي، قد حصر سابقاً الاعتكاف في المسجد الأقصى بالأيام العشرة الأخيرة من رمضان، بل بلغ الأمر بمدير المسجد، عمر الكسواني، في التاسع من رمضان الماضي، حدّ توجيه نداءات عبر سمّاعات الأقصى إلى المعتكفين فيه للخروج منه، وإتاحة الفرصة للسدنة لتنظيفه تمهيداً لإغلاقه، والتوجّه بدلاً من ذلك إلى الاعتكاف في مساجد البلدة القديمة. وعلى ضوء هذا الموقف الذي يستذكره الفلسطينيون اليوم جيّداً، وما تَسرّب أخيراً عن وجود تفاهمات جرى التوصّل إليها في قمّتَي العقبة وشرم الشيخ لمنع الاعتكاف في المسجد إلّا في العشر الأواخر من رمضان، وفي ظلّ الاعتداء العنيف والواسع على المصلّين في الحرم مساء الثلاثاء، اضطرّ الأردن لنفي تلك التسريبات، في حين أصدر «مجلس الأوقاف» دعوة إلى «المسلمين كافة ومَن يستطيع مِن مدن وقرى فلسطين لإعمار المسجد الأقصى المبارك، والصلاة والتعبّد وقراءة القرآن ونيل الأجر المضاعف في أُولى القبلتَين»، مؤكداً أن «المسجد الأقصى لم ولن يُغلَق في وجه المعتكفين، كلّ بحسب استطاعته وبرنامجه ونيّته، طيلة أيام وليالي شهر رمضان الفضيل».
ويسعى المعتكفون، كلّ عام، إلى كسْر ما دأبت عليه شرطة الاحتلال منذ سنواتٍ طويلة، لناحية إغلاق المسجد الأقصى بعد صلاة العشاء مباشرةً، ومنْع الدخول إليه بتاتاً إلّا قبل أذان الفجر، وبموافقة مجلس الأوقاف. واتّخذت هذه المساعي، في الآونة الأخيرة، مساراً تصاعدياً، في ظلّ تزايد اقتحامات المستوطِنين للحرم القدسي، وتساهل الشرطة الإسرائيلية معهم وسماحها لهم بممارسة طقوسهم التلمودية في ساحاته، وصولاً إلى تنظيم الجمعيات الاستيطانية اقتحامات واسعة له في الأعياد اليهودية، وتحريضها على ذبح القرابين فيه تمهيداً لإقامة الهيكل المزعوم. وانطلاقاً من ذلك، يُظهر الفلسطينيون إصراراً كبيراً على المضيّ في الاعتكاف على رغم الانتهاكات الوحشية ضدّهم، والتي استتبعت مواجهات يُنتظَر أن تتكرّر في الأيام المقبلة، مع تحوّل الأقصى إلى العنوان الرئيس للمعركة، واقتراب عيد الفصح اليهودي الذي تعتزم مؤسّسات الهيكل واليمين المتطرّف تنظيم أوسع اقتحامات للمسجد فيه، وذبح القرابين في ساحاته.
يسعى المعتكفون، كلّ عام، إلى كسْر ما دأبت عليه شرطة الاحتلال منذ سنواتٍ طويلة، لناحية إغلاق المسجد بعد صلاة العشاء مباشرةً
واستطاع المعتكفون، بالفعل، وضع المسجد الأقصى والانتهاكات المرتكَبة فيه على رأس الأجندة الوطنية، مسهِمين في توليد مزيد من الزخم الثوري في الشارع، في مشهدٍ أعاد إلى الأذهان صور معركة «سيف القدس»، إذ وصلت المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال إلى مدن أم الفحم وكفر مندا وحيفا في الداخل، فيما ارتفع عدد عمليات المقاومة في الضفة الغربية المحتلّة، واتّخذت المقاومة في غزة موقفاً صلباً تَمثّل في توسيع نطاق قصفها لمستوطنات «الغلاف»، توازياً مع توجيهها رسائل إلى الوسطاء بأنها على استعداد للدخول في مواجهة شاملة مع العدو، إذا ما تَطلّب الأمر. وألقى هذا الموقف، الذي حرّك سلسلة اتّصالات إقليمية في محاولة لمنع الانفجار، بظلاله على الكيان؛ إذ ذكرت صحيفة «هآرتس» العبرية، في تقرير، أن «الحكومة الإسرائيلية تخشى اندلاع مواجهة عسكرية مع قطاع غزة في هذا الوقت تحديداً، الأمر الذي سيجبر مئات الآلاف من المستوطنين على قضاء عيد الفصح في الملاجئ»، في حين أشار موقع «واللا» العبري إلى أن «المقاومة في غزة وسّعت، فجر الخميس، دائرة استهداف المستوطنات المحاذية للقطاع، في محاولة لفرض معادلة جديدة»، مبيّناً أن «الصواريخ وصلت إلى منطقة أوفاكيم - غرب بئر السبع -، فإلى أيّ مدى ستصل في المرة القادمة؟». وإذ لفت إلى أن «غزة تصعّد جهودها أيضاً لاستهداف طائرات سلاح الجوّ»، فقد أفادت «القناة الـ12» العبرية بأن التقديرات تشير إلى أن صواريخ أرض - جوّ التي تُطلَق أخيراً من القطاع هي إنتاج محلّي.
من جهتها، سلّطت قناة «كان» العبرية الضوء على ما سمّته «تآكل قوّة الردع»، قائلةَ: «يجب قول الحقيقة... لقد تآكَل الردع ضدّ غزة، والذي تمّ بناؤه في العامَين الماضيَين، بشكل تدريجي، حيث منذ بدء أحداث الأقصى تمّ إطلاق 25 صاروخاً من غزة، وحتى الأمس أُطلقت صواريخ، لكن لا يوجد ردّ حتى الآن، هذه عودة إلى "روتين التنقيط"». كذلك، تناولت «القناة الـ12» وضْع المستوطنين في غلاف غزة، لافتةً إلى أنهم استيقظوا فجر الخميس وهُم في حالة ذعر شديد، بعدما سمعوا سلسلة من الانفجارات القوية التي هزّت أرجاء «الغلاف»، بفعل صواريخ أرض - جوّ التي أُطلقت من غزة نحو الطائرات الإسرائيلية. ونقلت عن أحدهم قوله: «قرابة الخامسة والنصف، كانت هناك سلسلة جنونية من الانفجارات، وكأنها أصابت المنزل، اهتزّ كل شيء»، لافتةً إلى أن «لإطلاق هذه الصواريخ هدفاً مزدوجاً: الأوّل عرقلة عمل طائرات سلاح الجوّ ومحاولة إصابتها، والثاني إرهاب سكّان الغلاف عند انفجارها في الهواء».