ماذا لو وقعت الحرب؟ مستوطِنو شمال فلسطين بلا ملاجئ

ماذا لو وقعت الحرب؟ مستوطِنو شمال فلسطين بلا ملاجئ

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٨ يونيو ٢٠٢٣

يسترجع المستوطن شمعون بيطون، القاطن في مستوطنة «أفيفيم» على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلّة، المسار المكرور الذي يسلكه يومياً ليصل إلى مستوطنته، حيث يلحظ في كلّ مرّة يمر فيها بسيّارته ملاجئ عموميّة «مبعثرة» في مساحات مفتوحة، وعند التقاطعات الخالية من أيّ روحٍ حيّة. يقول بيطون في تقرير لصحيفة «إسرائيل اليوم»: «تمرّ الأشهر، ويصبح من الصعب تجاهل الأعشاب النابتة حول الملاجئ العمومية، فقد بلغ طولها حدّاً غطّت معه الأسقف». وعندئذٍ، يتبادر إلى ذهنه السؤال ذاته: «لماذا وضعوا هذه الملاجئ في أماكن تنعدم فيها احتماليّة الاستخدام ساعة الطوارئ؟ خصوصاً أنها "يتيمة الأبوين"، وليس هناك من يُجري فيها أيّ أعمال صيانة»، يضيف بيطون، قبل أن يتابع محبَطاً: «في وقت الحاجة، ستبقى هذه الملاجئ ميتة. ليس في هذا الأمر أيّ منطق». ويتساءل: «إذاً لماذا نشروا هذه الملاجئ بالذّات في هذه الأماكن المهملة؟ لماذا الملاجئ التي من المفترض أنها معدّة لإنقاذ أرواح البشر في ساعة الطوارئ ليست موضوعة في الأماكن التي من الممكن فيها تحقيق غاية إنقاذ الأرواح؟»، مشيراً إلى أنه «في المستوطنة التي أَقطن فيها (أفيفيم)، وُضع ملجآن عموميان مغلقان، أمّا لماذا أغلقا؟ فلا أحد لديه جواب على ذلك. من بحوزته مفاتيح هذه الملاجئ؟ أيضاً لا أحد لديه الإجابة على ذلك. هذا فضلاً عن أن ملجأين اثنين فقط لا يكفيان أصلاً، يجب أن يكون العدد أكبر في كلّ منطقة سكنية لمعالجة حاجة الناس إلى الحماية لحظة سقوط الصواريخ».
مِثله مثل مستوطنين كثر في الشمال، يشعر بيطون بالنقمة؛ إذ يسخر من الاعتبارات التي على أساسها توضع الملاجئ، وهي اعتبارات بحسبه «تقدّر بأنه من الأفضل أن تكون هذه الأخيرة في أماكن مهمَلة ومساحات مفتوحة عند تقاطعات الطرق ومحطّات الانتظار الخالية». هذا بالرغم من أن «وقت التحذير في مستوطنة قريبة من الجدار هو صفر»، بحسبه، فيما «غالبية السكّان ستسمع صفارة الإنذار بعد سقوط الصاروخ ودويّ انفجاره، وسيتبع ذلك انفجارٌ آخر، ثمّ سقوط ثانٍ وثالثٍ وهلمّ جرّاً... حتى لحظة الهدوء»، ما يعني عملياً أنه «لن يكون لدى الأمهات والأطفال الذين يقضون وقتاً في الحدائق أو أماكن اللهو، وقت للعودة إلى المنزل أو لدخول الأماكن المحصّنة، فيما من المفترض أن الملاجئ العمومية عليها أن توفّر لهم الاستجابة الأوّلية». ولئن كان مستوطنو الشمال «مثلهم مثل جميع سكّان إسرائيل»؛ حيث يتسوّقون في المتاجر، ويلعب أطفالهم في الملاعب والحدائق العمومية، ويصلّون في الكُنس أيام السبت، فإن «مستوطنتنا قريبة من الحدود اللبنانية، ولهذا شهدنا سلسلة من الأحداث الأمنية، بدءاً من سقوط الصواريخ، مروراً بالحرب، وصولاً إلى تسلّل المخرّبين... أحداث حتّمت علينا الركض إلى الملاجئ تحت النار»، كما يقول بيطون. وبناءً على ما تَقدّم، «تعمل خيراً دولة إسرائيل إن أوجدت عشرات آلاف الشواكل المنفردة من أجل بناء الملاجئ العمومية ووضعها في المستوطنات المحاذية للجدار»، ولكن «دولة إسرائيل تواصل التخلّي عن أمن سكّان الشمال، مانحةً إيّاه لأيدي السماء»، بحسب المستوطن.
«صرخة» بيطون احتواها تحقيق أجرته الصحيفة حول وضع الملاجئ في الشمال؛ حيث لفتت إلى أن «عشرات الملاجئ العمومية نُشرت في السنوات الأخيرة في أنحاء الشمال، غير أن السلطات المحلّية في المستوطنات المقامة على طول الحدود الشمالية، تقرّ بأن غالبية هذه الملاجئ مهمَلة في مساحات مفتوحة، بينما يجب أن تكون داخل المستوطنات». وانطلاقاً من هذا الواقع، تَوجّه رؤساء المجالس إلى مسؤول كبير في قيادة الجبهة الداخلية لحلّ المشكلة، فكان جوابه: «نحن نقترح على المواطنين الذين يفتقرون إلى الحماية تخصيص غرفة معيّنة داخل بيوتهم لهذا الغرض، على أن تساعدهم في ذلك شركات عديدة». أمّا مناسبة التحقيق، فهي «الوضع الأمني المتوتّر» على الحدود الشمالية، والذي حتّم مجدّداً الحديث حول الحاجة الماسّة إلى حماية فعّالة ضدّ الهجمات الصاروخية، خصوصاً أنه خلال «عيد الفصح اليهودي»، أُطلقت عشرات الصواريخ بشكل مفاجئ على المستوطنات الشمالية، فيما المشروع الحكومي لحماية المستوطنات الشمالية، «درع الشمال»، والهادف إلى بناء ملاجئ في بيوت المستوطنين الشماليين (الواقعة على بعد 9 كم من الحدود)، «يتقدّم ببطء شديد، مترافقاً مع نقص حادّ في التمويل». وطبقاً للصحيفة، فإن المرحلة الأولى من الخطّة خرجت إلى الضوء في عام 2020، وكان من المفترض بموجبها أن توفّر الحكومة الحماية لـ21 مستوطنة شمالاً، ولـ5000 مستوطنة في أنحاء الأراضي المحتلّة في غضون ثلاث سنوات. غير أنه «حتى اللحظة، فقط 1200 مستوطنة هي في مراحل البناء». علاوة على ذلك، قرّرت الحكومة، في آذار الماضي، تقليص كلفة المشروع بشكل كبير.
بناءً على ما تَقدّم، وفي ظلّ النقص القائم، قرّرت وزارة الأمن والجيش وضع ملاجئ عمومية في الأماكن العامة، بما فيها الحدائق وملاعب الأطفال والكُنس اليهودية، ومحطّات انتظار الحافلات على جانبَي الطرق ومفارقها. والملاجئ العمومية هذه، وفق الصحيفة، هي حلّ كلفته أقلّ بكثير من كلفة الملاجئ الخاصة، كما أنها فعّالة بالدرجة نفسها لمن هم على مقربة منها، كونها مبنيّة من الباطون المسلّح بتقنية متقدّمة، وبإمكانها استيعاب حتى 18 شخصاً في الوقت نفسه. وقد «أثبتت فعاليتها في إنقاذ الأرواح خلال السنوات الأخيرة التي شهدت فيها مستوطنات الجنوب معارك ضدّ قطاع غزة». ومع ذلك، يكشف التحقيق أن غالبية تلك الملاجئ، وخاصة في المناطق المفتوحة، «مهمَلة ولا يمكن استخدامها في حالات الطوارئ»؛ فمعظمها «مغطّى بالأعشاب الطويلة، وبعضها أبوابها موجّهة لناحية الشمال - أي إلى الجهة التي ستطلق منها الصواريخ -، فيما بعضها الآخر مقفل، والثالث حُوّل إلى مراحيض». وبينما لم تُكلَّف أيّ جهة مسؤولة بصيانتها، تقول مصادر في الجيش الإسرائيلي للصحيفة إن «استخدامها مُعدّ بالأساس لأغراض عسكرية».
وعلى هذا الأساس، فإن مدير دائرة الأمن في المجلس الإقليمي «مَروم الجليل»، غاي إيال، «غاضب من الدولة»، التي بحسبه «تخلّت عن مستوطنات الشمال». ويشير إيال إلى «(أنّنا) توسّلنا لنشر المزيد من الملاجئ العمومية في المستوطنات، غير أن وزارة الأمن ردّت بأن مطلبنا ليس حلّاً جذرياً»، مضيفاً: «أعتقد أن الملاجئ العمومية هي الحلّ الأمثل في الوقت الذي فيه زمن التحذير صفر، والأطفال يلعبون في الملاعب... لكن وزارة الأمن تدّعي أنها ستنشر الملاجئ العمومية في حالة الطوارئ. ولكن (أشكّ) في أن أحداً سيفعل ذلك حين تحين الساعة». ولأن الجيش الإسرائيلي لا يقدّم الاستجابة الكافية لسكّان الشمال، فإن «صندوق الصداقة» أخذ على عاتقه توزيع ملاجئ عموميّة من أموال يتبرّع بها سكّان المستوطنات، وسط التزام من جانب السلطات المحلّية بالحفاظ عليها، ليصل عدد هذه الملاجئ إلى 28 خلال السنوات الأخيرة، بالمقارنة مع مئات شبيهة بها وُضعت في مستوطنات الجنوب. وردّاً على هذه الحقائق، قال متحدّث باسم الجيش الإسرائيلي إن «قيادة الجبهة الداخلية هي الجهة المنظِّمة قانونياً لمجال الحماية، وفقاً لقانون الحماية المدنية. مع ذلك، قيادة الجبهة ليست ملزَمة بوضع الملاجئ العمومية، ولكنها تفعل ذلك من دافع مساعدة السلطات المحلّية، وفق الميزانيات المخصّصة لها. بشكل عام، توضع الملاجئ العمومية في الأماكن العامة وفي الأماكن التي بالإمكان وضعها فيها وفقاً لتراخيص التخطيط والبناء».