«الصمت» في الخلافات الزوجية.. استفزاز أم علاج؟

«الصمت» في الخلافات الزوجية.. استفزاز أم علاج؟

آدم وحواء

الجمعة، ٢٥ فبراير ٢٠٢٢

في الخلافات الزوجية، أحياناً يعتبر أحد الزوجين أن صمت الطرف الآخر تصرف مستفز حتى لو اعتبره الطرف الصامت معادلاً للحكمة والرغبة لامتصاص الغضب وتفادي تصاعد الخلاف.
في هذا التحقيق سنسعى إلى التعرف إلى آراء وتجارب الأزواج مع الصمت المستفز، خلال احتدام الخلاف أو النقاش. وهل فعلاً يتحول الصمت إلى أمر مستفز؟ أم أن الصمت يمكن أن يكون الأسلوب الأمثل لتفادي تصاعد الخلافات بين الزوجين، خاصة إذا كان أحدهما سريع الانفعال.
تحكي نبيلة كرم، موظفة بعجمان، عن تجربتها مع «الصمت المستفز» وتقول: «أعتقد أن الكثير من الزوجات مثلي يعانين من الشعور بالإحباط عندما يجدن أزواجهن في خضم الخلافات الزوجية يتصرفون بنوع من الهدوء المبالغ فيه، ويلتزمون الصمت في وقت تحتاج فيه الزوجة إلى المشاركة في النقاش بإيجابية، وعدم التصرف بلا مبالاة أو تجاهل لمشاعرها، وللأسف الشديد يعتقد بعض الأزواج أن هذا الصمت وسيلة حكيمة لامتصاص غضب المرأة، ولكن الواقع أن عدم اهتمامه بالتواصل الإيجابي والفعال معها يؤدي إلى استفزازها، ويتسبب أحياناً في زيادة الخلاف والغضب المكبوت بسبب إحساس الزوجة بالإهمال والتجاهل، وأن زوجها لا يكترث بإرضائها ولا يسعى لحل النزاع أو نزع فتيل المشكلة التي تزعجها، ويكتفي فقط بالصمت من دون حتى التعاطف مع مشاعرها وهكذا تنتهي المناقشة إلى لا شيء وتظل جمرة النار متقدة تحت الرماد».
أما لمياء حلمي، ربة بيت بالشارقة، فتقول:«تجربتي وخبرتي بعد 12 عاماً من الزواج تؤكد أن الصمت أحياناً في الخلافات الزوجية يكون نعمة كبيرة، وخياراً مثالياً لإنهاء الخلاف خاصة لو كان الكلام والرد المتوقع سيكون حاداً أو عنيفاً، وحينها سيكون ذلك مستفزاً بشكل أكبر بكثير من الصمت، وربما يؤدي لنتائج أخطر لا يمكن إصلاحها.
وعن نفسي كنت في سنوات زواجي الأولى أشكو من لجوء زوجي للصمت وتجاهل كل ما أقوله خلال الخلاف،خاصة إذا كان أسلوبي يغلب عليه الانفعال والبكاء، ثم تغير أسلوب زوجي وأصبح أكثر انفعالاً ويلجأ لاستخدام الردود العنيفة والعبارات الحادة في النقاش، ولهذا أصبحت أتمنى أن يعود لعادة الصمت في الخلافات.
رد واحتواء
إحسان عبد الله، موظف بدبي، يطلعنا من منظور مختلف على تجربته في التعامل مع الخلافات الزوجية ويقول: أنا شخص سريع الانفعال وقدرتي على التحكم في ردود أفعالي عند الغضب ليست مثالية، وعادة أكون أنا صاحب الصوت المرتفع عند الخلاف، وأجد نفسي أنفجر غاضباً بشكل لا يجعلني قادراً على أن استمع للطرف الآخر، بينما زوجتي تتمتع بأعصاب قوية وهدوء وتحكم في انفعالاتها، فهي شخصية عاقلة ومتزنة هادئة الطباع وتجيد ترويض انفعالي الغاضب، وقد تعلمت منها الكثير فهي تلتزم الصمت طويلاً عندما تجدني غاضباً، قبل أن تقرر أن تبدأ في الرد والحديث وتنجح في تحويلها إلى مناقشة هادئة. 
تبدي جومانة جمال معلمة بمدرسة خاصة بالشارقة، تفهماً لصمت زوجها في الخلافات ولا تراه أمراً مستفزاً، حيث تقول:«لا أستطيع أن أنكر أنني سريعة الانفعال، ولكنني عادة ما أكون بحاجة لكلمات رقيقة من زوجي لتهدئتي وامتصاص الغضب الناتج عن ضغوط الحياة وتعدد المسؤوليات بين العمل والبيت وتربية الأبناء،وأحياناً أنجح في تفهم صمت زوجي عند انفعالي أحياناً، حيث عادة ما يختار الصمت التام وعدم المشاركة في النقاش معي عندما يجدني غاضبة وهو دائماً ما يصف نفسه «بالحليم» وينصحني باتقاء شر الحليم إذا غضب، ولكنه للأسف يذهب بعيداً في بعض الأحيان بردة فعله حتى أنه لا يتوقف فقط عند التزام الصمت وعدم الرد، ولكنه يستخدم الصمت كنوع من العقاب أو العتاب، وقد يتجنب الحديث معي لعدة أيام إلا للضرورة ويفرض على البيت جواً من الكآبة والخصام ويبرر ذلك عادة بأنه قد يحتاج إلى وقت للتفكير في أي نقاش قبل الاتفاق على حلول مرضية».
الأسلوب الأمثل
 يحدثنا د. أشرف عزب، أستاذ علم الاجتماع عن الأسلوب الأمثل للتصرف في الخلافات الزوجية الذي يدعم الاستقرار العائلي ويقول: لا تخلو الحياة الزوجية من الخلافات، فهذه حقيقة لا شك فيها، وكثيراً ما يعتمد أحد الزوجين أو كلاهما على الصمت كوسيلة لمواجهة المشكلات باعتقاد أن الصمت وقت انفعال وغضب الطرف الآخر هو الحل الأسلم الذي يكفل مرور الأزمة دون تفاقمها، وأنه يقدم شكلاً ملائماً من أشكال احترام الشعور بالغضب، لتجنب تصعيد المشكلات وزيادة حدة الخلاف. وعلى النقيض قد ينظر البعض إلى الصمت على أنه يمثل أحد صنوف الاستفزاز الذي يؤجج النزاع ولا ينهيه. والحقيقة أنه لا توجد هناك قاعدة ثابتة للمواجهة، وإنما يلجأ في ذلك إلى خبرة ومعرفة كل طرف من طرفي العلاقة الزوجية بسيكولوجية الطرف الآخر حين تولد الأزمة، فعلماء النفس والاجتماع أدركوا أن للمرأة طبيعة تجنح إلى الكلام ولا تحبذ الصمت، بينما الرجل بفطرته يميل إلى الصمت، وعلى كل طرف أن يحترم هذه الطبيعة بشكل عام، ووقت الغضب على وجه الخصوص، واستناداً إلى هذه الحقيقة الاجتماعية النفسية، فمن الطبيعي أن تستفز المرأة حين يصمت زوجها أثناء غضبها، وتنظر إلى هذا الصمت بوصفة دليلاً على اللامبالاة وعدم الاكتراث أو حتى عدم الاحترام، بينما قد يستفز الزوج حين ترد عليه زوجته أثناء غضبه على اعتبار أن هذا الرد في هذا التوقيت هو الذي يمثل عدم الاحترام، يبدو أن الأمر يمثل إشكالية كبرى.
يضيف د. عزب: لا شك أن الحل يكمن في الحوار المشترك، ذلك الحوار الهادئ الواعي لحل المشاكل، وهو ما يمثل عين الحكمة لتخطي الأزمات، وليس الحل في الصمت المطلق وقت نشوب الخلاف، فبالحوار الواعي تتجلي أسباب النزاع، وتهيئ الفرص لمواجهتها، والتغلب عليها. بالإضافة إلى أن مراعاة كل من الطرفين لطبائع وخصال الطرف الآخر من شأنه حل الإشكالية وتخطي العقبات.