وسائل التواصل.. تحييد متسارع للروابط الاجتماعية.. ودخول مبرمج في العالم الافتراضي

وسائل التواصل.. تحييد متسارع للروابط الاجتماعية.. ودخول مبرمج في العالم الافتراضي

شعوب وعادات

الجمعة، ٢٥ أغسطس ٢٠١٧

يواصل الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي من تشديد قبضتهما على الأسر، وخاصة الجيل الصاعد والناشئة منذ سنوات، ومن المرجح أن تستمر الزيادة في ساعات التسلية بهذا العالم الافتراضي، بل يمكن تسميته مصطلحاً حالة من حالات  الإدمان الفيسبوكي، فلم يعد التلفزيون سيد السهرة، ولم يعد الكتاب خير جليس، ولم تعد الحوارات، وتبادل الثقافات هي العناوين الرئيسة للجلسات والسهرات، ولم تقتصر الأمور على الجيل والناشئة، بل تعدّى الأمر ذلك، إذ وصل إلى الكبار.

فكيف تؤثر التجربة التلفزيونية في تنمية لغة الطفل، وكيف تؤثر مواقع التواصل الاجتماعية في تطور الخيال أو الإبداع، إذ يتركز القلق بشأن الفيسبوك وأخطاره عموماً على مواقع يشاهدها الجيل، فهي لا تحمل مضامين معرفية ولا نفعية، إنما قد تشكّل انحرافاً خلقياً ضحلاً أكثر مما ينبغي في وقت من الأوقات، كان التأثير البارز للتلفزيون في بداية الستينيات والسبعينيات وحتى نهاية الثمانينيات، ومطلع التسعينيات مرتبطاً بمشاهدة الأطفال المنزلية، زاد خلال العقد الماضي دور هذه الوسيلة الإعلامية في المجال التربوي، لكن سرعان ما انحسر، وتراجع مع ظهور الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها، ما بات يزيد القلق لدى الآباء بشأن العلاقة بين مشاهدة الجيل وانشغاله فيسبوكياً عن تحصيلهم الدراسي.

لكن هناك من يقول: إن هذه المواقع، أي النت، من شأنها أن توسع مدارك الجيل، وتجعله أكثر قرباً من الأحداث العالمية والمحلية من خلال سرعة وصول وتناقل الأحداث والمعلومات، وخاصة عندما تكون دقيقة وصحيحة، وعلى هذا الرأي يجيب المهتمون في الشأن الثقافي والتربوي أن الإدمان بهذا الشكل مخاطره أكثر من منافعه، فضلاً على أن الكثير من ما يكتب عبر هذا العالم الافتراضي يفتقد إلى الصحة والدقة، ولا يخضع للرقابة والتدقيق، ناهيك على أن تصفح أشياء بعينها قد تشجع على السلوك غير السوي، هل هم طماعون.. ماديون.. أم كرماء.. أم روحانيون.. أم عنيفون.. أم أصحاب سلوك غير مستقيم وغير سوي، وهل يملكون سعة الأفق أو غير ذلك؟.. أسئلة كثيرة يمكن طرحها، هذا ما سنحاول البحث عن إجابات لها من مختلف معنيي الاختصاصات.

جيل بلا ضابط

السيدة فاطمة الأحمد، تربية وعلم نفس ومديرة المركز الثقافي في مصياف، قالت: إن هذا الجيل انغمس في مواقع التواصل الاجتماعي حتى قرط أذنيه فيه الصالح من الفائدة، وفيه الطالح من تشويه للسلوك العام، فيما لو أدى الى الانحراف، وانتهى الأمر، إنه أشبه بالإدمان، فليل الشباب نهار، ونهارهم عيون تراقب كل جديد، تتناقله مواقع التواصل الاجتماعي، فأياً كانت المعلومة عندما تزيد الأمور عن حدها تصبح غير مقبولة، بمعنى أوضح، والكلام مازال لمديرة المركز الثقافي في مصياف، لم يعد أولادنا جيل التلفزيون، ولا جيل الكتاب، لا الثقافي منه، ولا المدرسي، ويتجلى ذلك بإصرارهم على عملية النقل عند الامتحانات طبعاً، لا يجوز التعميم هنا، لكن هي مسألة نسبية، ما يعني أن هذا الجيل صنعه، ويصنعه عالم افتراضي آخر هو الفيس، فالصورة التي يخرج بها المرء من الأحاديث مع الآباء بشأن انشغال أبنائهم بالنت، هي صورة آباء، فقدوا السيطرة باطراد، وباتوا ينسحبون تدريجياً من القيام بدور فعال في تنشئة أجيالهم، مضيفة: إن المشهد الذي نراه يومياً هو انزواء الجيل على مختلف شرائحه “صغاراً ويافعين” لجهة تصفح مواقع التواصل الاجتماعي في البيت والسيارة حتى على مائدة الطعام، وهنا لابد لنا من مقارنة التجربة التلفزيونية لدى جيلنا لجهة القراءة، وما كان  يقدمه التلفزيون من مواد هادفة، يتم الإشراف عليها رقابياً قبل عرضها مع تجربة ما يقدّم، وما تتناقله صفحات التواصل الاجتماعي في غيابنا وحضورنا، لكن بعيداً عن أعيننا، ما قد يشوّه القيم لنكتشف ما إذا كانت التجربتان في الواقع لنشاطين متشابهين لبيان حاجات متشابهة في حياة الناشئة واليافعين، بمعنى أوضح جيل، بل ضابط بيتي أو انطباطي.

مدير المناهج

مدير المناهج في تربية حماة، قال في حديث كنا قد أجريناه معه في وقت سابق عن مدى علاقة الجيل بالقراءة ودور المكتبة في حياته: إذا كان الأستاذ لا يقرأ، فكيف له أن يشجع طلابه وتلامذته على القراءة؟.

وقبل إعداد الجيل لابد من محاولة إعداد المعلم، وهذا لا يعني بالمطلق ليس هناك طلاب مبدعون..  نعم لدينا متفوقون ومهتمون بالكتاب المدرسي أولاً وقليلاً بالكتاب الثقافي، إنه جيل استهلاكي مشغول بمتابعة ما ينشر عبر صفحات التواصل الاجتماعي أكثر من أي شيء آخر.

حسن عجيب مهندس معلوماتية، قال: إن المقارنة بين المشاهدة التلفزيونية وقراءة الكتب من جهة، وبين ما يشاهد، ويقدّم عبر صفحات التواصل الاجتماعي فارق كبير لجهة اختلاف نوعية المادة المتاحة في كل وسيلة بصورة هائلة، وهذا لا ينفي بأن هناك كتاباً غثاً وبرنامجاً تلفزيونياً سطحياً يفتقد الى المعلومة الفكرية والثقافية الإبداعية، لكن في كل الأحوال تبقى الخطورة والتأثير هنا أقل من مواقع التواصل الاجتماعي، حيث الصورة المتحركة المبهرة، وهذا الاختلاف يؤثر بصورة جوهرية في تأثير المادة المنتقاة.

آراء متباينة

حاولنا أن نستقصي عدداً كبيراً من الآراء لتقديم المزيد من وجهات النظر وصولاً إلى الرأي الأكثر حضوراً في هذا الصدد، قال المهندس مطيع عبشي مدير عام مؤسسة حكومية: الخطورة لا تكمن فقط في الإدمان على الممنوعات وفقاً على ما هو متعارف عليه لكلمة إدمان، بل نعم نحن في عصر إدمان فيسبوكي، والملفت في تبادل الرسائل عبر الواتس آب وصفحات وبوستات الفيس هي اللغة المحكية، وهذا تشويه للغة العربية، ناهيك على الأخطاء الإملائية من كبار المتعلمين، وكأننا في عصر الأمية للأسف، مشيراً إلى أن القليل من الناس وطلبة اللغات ومدرسي القراءة هم الذين يدركون تأثير هذه الممارسات، في الوقت الذي تعتبر فيه عملية القراءة حالة وعي وتركيز، هكذا تستلزم بالضرورة، أما القراءة عبر مواقع التواصل الاجتماعية، فهي أقل تركيزاً، إذ تدخل ضمن إطار التسلية والانشغال ليس إلا.

وقالت لنا مجموعة من الشباب  “أحمد إبراهيم، غدي ديوب، وسامي أحمد وآخرون”:  إن المطالعة عبر الفيس بوك أسهل من تصفح قراءة الكتب وأكثر متعة، فهي متاحة أسرع من الكتاب، والمعلومة تصل مباشرة، وكأنك تمسك بكل العالم، وأنت في البيت، أو في أي مكان كنت.

من الصعب إيقاف المشاهدة

سؤال واحد حملناه إلى عدد من الشرائح المجتمعية، مؤداه هل تستطيع إيقاف المشاهدة عبر صفحات التواصل الاجتماعي لمدة أسبوع، فكانت الإجابات بالمطلق بالنفي، بل سخر أحدهم، وقال: نعم يمكنني إذا كان جوالي عاطلاً.

إذاً ربما تلعب مواقع التواصل الاجتماعي من خلال الإدراك الحسي ذات الصلة الاستثنائية بالتجربة الفيسبوكية دوراً جعل منها أكثر سحراً من أي تجربة أخرى بديلة كالكتاب.

بعيد عن الواقعية

الحقوقي علي الأصفر، قال: انشغال الجيل بشكل منقطع النظير بالنت عبر اليوتيوب والفيس على مختلف تسمياته، يمكن توصيفه بأنه انشغال  بعيد عن الحياة الواقعية الملموسة، فقد كان في الماضي القريب الأطفال واليافعون مشاركين سلبيين في تجاربهم المدرسية، وكانت الفكرة المعتادة أن لدى المدرسين مجموعة من المواد لتدريسها، وما على الأطفال على مختلف أعمارهم ومراحل دراستهم إلا أن يتشربوا هذه المواد كجزء من عملية تسمى التعليم، كان هذا في السبعينيات والثمانينيات وحتى التسعينيات، وكانت تعتمد على نجاح وشخصية المدرس، فيما إن كان واسع المعرفة والخبرة وعطوفاً ومالكاً لتلك القدرة الكارزمية، وحاضر الذهن والبديهة، وهذا ما يُسمى تربوياً تشرب المعلومات المطلوبة في حين ما نراه اليوم “والكلام مازال للحقوقي علي الأصفر”، العكس تماماً، فاليوم في عصر الفيس بوك لم تعد هذه المعطيات والأسس قائمة، ويكابر من يصر على وجودها في مدارسنا إلّا ما ندر، ومن هنا تكمن خطورة إعداد الناشئة والانشغال الزائد بالفيسبوك بعيداً عن أي اهتمام بالكتاب الثقافي ليصح القول: إنه الإدمان بعينه وبأبيه وأمه.

محمد فرحة