الإفراط بالنظافة.. وسواس قهري.. مبالغة غير مقبولة.. والنتيجة خلافات عائلية واجتماعية

الإفراط بالنظافة.. وسواس قهري.. مبالغة غير مقبولة.. والنتيجة خلافات عائلية واجتماعية

شعوب وعادات

الجمعة، ٥ يناير ٢٠١٨

لم أكن أسمع بحالة طلاق كتلك التي كانت نسوة حارتنا يتكلمن بها في إحدى الجلسات الصباحية، كان الحديث عن إحدى الجارات التي اعتادت حضور قهوة الصباح معهن إلى أن جاء وقت، وامتنعت عن زيارتهن ليعلمن أنها مريضة، وفي زيارة دائمة لطبيب نفسي استمرت في العلاج لعام كامل دون جدوى  إلى أن قرر زوجها الانفصال عنها، واصطحاب أطفاله بعيداً عن امرأة أربكت حياته الزوجية، وهي تعيش بحالة وسواس قهري مع النظافة.. وهذا ما دفعنا للبحث عن أسباب ودوافع هذا المرض وصولاً إلى نتائجه على الحياة الأسرية لنجد أن هناك حالات طلاق كثيرة في دول العالم سببها هذا المرض… فما هو هوس النظافة، وما هي درجات الإصابة به؟؟؟.

عبء كبير

إن الأخطر من عدم الاهتمام بجانب النظافة، هو الاهتمام المفرط في النظافة والذي يصل إلى حد الوسواس القهري، والمبالغة فيها إلى حد الجنون، فكما هو معلوم أن الزيادة كالنقصان، وأن الإفراط والتفريط كلاهما مذموم، ولعل من الجميل أن نحرص على نظافة بيوتنا ومحيطنا، وأن نهتم بعملية الترتيب في المنزل، ولكن ليس لحد يخلق من ذلك الاهتمام مشاكل وسلوكيات تزعج الآخرين، وتجرح شعورهم، غير أن البعض قد يتجاهل ذلك سواء بقصد، أو من دون قصد، وتكون النتيجة صدامات مع الأهل، وعزوف من محيط الأصدقاء، فيشكل هذا المرض عبئاً وحرجاً كبيراً على صاحبه، ويمتد ذلك لجميع من يتعامل معهم، وبالذات أسرته، فقد تصل لدرجة  تشعرهم بالأرق والضجر والتعب النفسي والمجهود العضلي في آن واحد.

كارثة زوجية

إحداهن تغسل الخبز بالماء، وأخرى لا تأكل إلا المغلف، والثالثة تغسل يديها 300 مرة في اليوم، وأخرى تفتح الأبواب بكوعها.. وغير ذلك من الحالات التي تعيشها مهووسات النظافة في الكثير من تفاصيل الحياة، فعبير حزاني (معلمة للغة الانكليزية)، لا تمسك النقود إلا بالمناديل، وتعلل ذلك بوجود الملايين من الجراثيم والبكتيريا على هذه النقود، وحنان الشيخ “صيدلانية”، لا تأكل أو تشرب أي شيء لدى زيارتها للآخرين سوى الماء المعبأ في قناني، وتعلل ذلك بأنها لا تستطيع أن تأكل معهم، خوفاً من عدم نظافة الطعام أو الأطباق والأشخاص، وتشكو إسراء من هوس صديقتها بالنظافة، فهي لا تتناول طعاماً إلا من يدها أو يد أمها، وما دون ذلك لا يمكنها تناول شيء من الطعام، هي نماذج كثيرة عجيبة لأناس قد يرى المجتمع أنهم يبالغون في هوس النظافة.. هذه النماذج حين تطفو على سطح الحياة الزوجية، فهي تنتقل من مستواها الطبي إلى الاجتماعي، وتتحول إلى كارثة داخل البيت حين تتحول إلى قنبلة موقوتة تفجر براكين الغضب والنفور والسخط من كلا الطرفين المعتدل والمريض بالفوبيا، وحين يفقد الإنسان السيطرة على التمييز يتحول إلى ضحية نفسه، وفي النهاية يحدث الطلاق، ليس من الفوبيا نفسها، بل من السلوك الذي أصبح مرضاً.

اكتئاب

أكدت دراسة أمريكية حديثة أن هوس النظافة قد يكون مرتبطاً بارتفاع معدلات الاكتئاب، واعتبرت الدراسة أن الإفراط في التنظيف قد يعيق قدرة دماغنا على إنتاج بعض المواد الكيميائية التي تجعلنا سعداء، مثل السيروتينين، ما يتسبب بالاكتئاب، وأشارت الدراسة  إلى أن معدلات الاكتئاب أعلى جداً في العالم الغربي منه في الدول الفقيرة، لأن نظام المناعة عند الناس أقل تدرباً للتعامل مع البكتيريا، وقال أحد الباحثين: “نعتقد أن نظام المناعة يتسبب بالاكتئاب، ففيما ينمو الناس يتطور نظام المناعة لديهم، وإذا تعرّضوا لبكتيريا وطفيليات أكثر يصبح جسمهم أكثر قدرة بالسيطرة على الالتهابات”.

وسواس

عرفت لنا الدكتورة سها نعمان، “علم نفس”، وسواس النظافة بأنه الاهتمام الزائد على الحد الطبيعي بالنظافة، وهو فعل دائم ومتكرر، ويأخذ شكل الطقوس كتكرار الوضوء، وغسل الأيدي، والاستحمام، ونظافة البيت والملابس، وتسمى هذه الحالة بوسواس النظافة، وليس فوبيا، فالفوبيا تعني الخوف، وهناك فرق، وأضافت نعمان: “تبدأ الأعراض عادة في سن مبكرة، ولكن يتأخر المريض في عرض نفسه على الطبيب النفساني في أغلب الأحيان، جهلاً منه بالمرض، أو خجلاً من الأعراض، فيخفيها عن الناس، أو حتى الخوف من حديث الآخرين عنها، مشيرة إلى أن وساوس النظافة تكون ناتجة عن شعور الإنسان بالذنب، وتهديدات للذات، فيحاول الهروب منها بما يمارس من أفعال قهرية، ولفتت إلى أن الإنسان يدرك أن ما يقوم به تافه، إلا أنه يجد نفسه مجبراً على القيام به فيما يعرف باضطراب الوساوس القهرية، وهذه الوساوس قد تتخذ شكل الأفكار القهرية، أو الخيالات القهرية، أو السلوكيات القهرية، إذ تصل إلى المرض الحقيقي حيث يعاني ذلك الشخص من وساوس نظافة واضطراب في شخصيته، ما يؤدي به إلى إرهاق من حوله، خاصة أنه لا يعترف بأنه مريض، وأن لديه مشكلة، وتختلف شدة المرض من مريض لآخر، فمنهم من يعاني من أمراض نفسية أخرى كالاكتئاب النفسي، أو القلق، ومنهم من يحتاج لعناية باطنية طبية، مؤكدة أن على المريض تناول العلاج النفسي الدوائي بواسطة الطبيب النفسي، والذي يهدف لمقاومة الأفكار الوسواسية، ومنع الأفكار القهرية.

ميس بركات