دليل الوفاء والارتباط المحابس .. رمزية ضائعة في تعقيدات الشراكة الزوجية.. وهجرة للأصابع بحكم التقادم

دليل الوفاء والارتباط المحابس .. رمزية ضائعة في تعقيدات الشراكة الزوجية.. وهجرة للأصابع بحكم التقادم

شعوب وعادات

الجمعة، ٢٦ يناير ٢٠١٨

بدا مثيراً للاستغراب والاهتمام منظر خاتم الزواج الذي شاهدناه في يد تلك السيدة الخمسينية التي كانت تستقل وسيلة نقل عامة، فالخاتم أو المحبس الذي حافظت على ارتدائه السيدة أم أحمد لسنوات طويلة، حالها حال معظم المتزوجين، كان يلتف حول إصبعها المتورم بطريقة تؤكد للناظر إليه استحالة خروجه من يدها، وبدا واضحاً أن مقاسه الآن مختلف تماماً عما كانت عليه الأمور في السابق، وهو ما أكدته لنا حين استفسرنا منها عن سبب استمرارها في ارتدائه، متسائلة: لماذا أقوم بإزالته؟! الخاتم أمر رمزي وأساسي، وينبغي على كل رجل أو امرأة متزوجين المحافظة عليه، وبالنسبة لي، فأنا أرتديه منذ اليوم الأول لزواجي الذي مضى عليه أكثر من ثلاثين عاماً، وأقوم بكل الأعمال، وأنا أرتديه، صحيح أنه اليوم لم يعد مناسباً لمقاس يدي، ولا أستطيع انتزاعه، لكنني اعتدت على الأمر، ويمكن في حال ساءت الأمور أن أقوم بقصه عند الصائغ، وتوسيعه مجدداً، لكن أن أنتزعه، وأتوقف عن ارتدائه بشكل دائم، فهذا أمر مستحيل.

صلة القلب
إلى القلب مباشرة يمضي أحد الشرايين المتصلة مع الإصبع الرابع لليد اليسرى تماماً، حيث موضع خاتم الزواج، لعل هذا التفسير الذي تؤكده حقائق علمية ثابتة، ويؤمن به كثيرون حول العالم، يكشف بعض الأسرار عن أقدم العادات تداولاً وتكراراً عند معظم الشعوب والمجتمعات، التي وإن اختلفت بعض عادات وطقوس الزواج لديها، لكنها تجمع بمعظمها على وضع خاتم رمزي في الإصبع الرابع من اليد اليسرى في أثناء مراسم الزفاف، ليتحول هذا الخاتم إلى رمز ثابت وأمر أساسي لا يمكن إتمام الزفاف من دونه، ولا يمكن التنازل عنه عند العروسين بأي حال من الأحوال، وبالرغم من أن عادة ارتداء الخاتم أوروبية المنشأ، كما توضح البحوث، إلا أنها انتشرت على نطاق واسع حول العالم، وبعد أن كان في بداية ظهوره حصراً على الزوجات أصبح كلا الزوجين يرتديانه لاحقاً.
لكن إذا كان هذا الاتفاق والإجماع أمراً غير متنازل عنه في بداية المراسم، وأساسياً لإتمامها، فالأمر لا يبدو كذلك مع دخول الشريكين في خضم الحياة الزوجية، وتبدو الآراء متناقضة ومختلفة جداً عند الكثير من المتزوجين الذين قمنا باستبيان آرائهم، فحالة أم أحمد المرأة الخمسينية التي ضاق خاتم الزواج في إصبعها، وترفض انتزاعه، لا تبدو حالة متفق عليها عند أزواج آخرين مثل أم إسماعيل التي تخلت عن الخاتم لأسباب مشابهة، حيث تحتفظ تلك المرأة بالخاتم، لكن لا ترتديه، إضافة لآراء أخرى مختلفة ومتباينة.

لكل أسبابه
في المقابل يقدّم أشخاص آخرون، لم نشاهد خاتماً للزواج في أيديهم رغم أنهم مرتبطون، تبريرات وأسباباً مختلفة لعدم ارتداء الخاتم ، يقول أبو جمال، وهو رجل متزوج من أكثر خمسة أعوام، ولا تظهر على يده اليسرى أية إشارات تؤكد هذا الأمر، فقدت مع زوجتي خواتم الزفاف مع أغراض أخرى كثيرة حين اضطررت لترك منزلي نتيجة الأحداث قبل سنتين، لكنني في المقابل لم أفقد الصلة بمن اخترتها كشريكة لحياتي، ومازلنا على قدر من المحبة والود والانسجام، فالأمر شكلي، والخاتم ما هو إلا تقليد متبع ورمز بسيط، لكن خسارته لا تعني انتهاء العلاقة بكل تأكيد،  والأمر  نفسه حدث مع بشار، ولكن بطريقة مختلفة حين أضاع خاتم زواجه في المنزل، ورغم أنه على موعد أمل في العثور عليه في أحد الأيام، لكنه لا يجد حرجاً في استمرار عدم ارتدائه، لأنه كما يقول سيبيعه حين يعثر عليه، أما أم سعد فأوضحت أنها لا ترتدي خاتمها في المنزل خشية فقدانه، وترتديه فقط أثناء خروجها للتسوق، أو في المناسبات الرسمية، أشخاص آخرون أبدوا عدم التأييد لفكرة ارتداء الخاتم لأسباب صحية، وبعضهم قال إنه غير معتاد على وضع أي شيء في يده حتى ولو كان خاتماً للزواج.

تجنباً للإحراج والمشاكل
الملفت أن فئة أخرى، وكان معظمهم من الرجال، تحدثوا عن كون ارتداء الخاتم يعطي حدوداً للتعامل مع الجنس الآخر، ولا يتيح لهم الحديث مع نساء أخريات، لذلك فهم يتجنبون ارتداءه، كما يقول لؤي الذي أوضح لنا عدم التزامه بالخاتم لهذا السبب، ولكن في الجهة المقابلة بدا الأمر مرفوضاً كلياً عند الكثير من النساء اللواتي يعتقدن أن تجنب ارتداء المحبس من قبل الرجال يعني حتماً أنهم سيتجهون لمحاولة استمالة فتيات وإناث أخريات غير الشريك، كما أوضحت لنا السيدة ميساء التي تحدثت عن مشكلة وقعت مع شريكها من مدة ليست ببعيدة بسبب هذا الأمر، وقالت إن الأمور كانت تتجه إلى الطلاق قبل أن يعتذر إليها، ويعدها بعدم خلع محبسه مجدداً، وهو ما هدّأ من روعها إلى حد ما، في حين تحدثت سيدة أخرى عن إصرارها الدائم على أن يقوم زوجها بارتداء خاتم زواجه، موضحة أن الأمر لا علاقة له بثقتها به، أو عدمها، حيث قالت: علاقتي جيدة جداً مع زوجي، وأثق به بشكل مطلق، لكن الخوف لدي حقاً من النساء الأخريات، والملفت فعلاً كان رأي بعض مختصي علم الاجتماع الذين أكدوا أن المرأة، بحسب دراسات واختبارات عديدة، أكثر التزاماً من الرجل بموضوع ارتداء محبس الزواج، واعتباره رمزاً مقدساً، كما بيّنوا أن عدم ارتداء الخاتم عند أحد الزوجين أو عند كليهما غالباً ما يشير إلى فتور العلاقة، أو بداية انتهائها، ولكن هناك طبعاً استثناءات، وحالات خاصة.

“برستيج” اجتماعي
جانب آخر متصل بموضوع خاتم الزواج يرتبط ربما بالبرستيج الاجتماعي الذي بدا أنه اختلف بشكل جذري في ظل الظروف الحالية، والأزمة الممتدة منذ أكثر من سبع سنوات، وبحسب السيد عمران، وهو صائغ في منطقة الحريقة، فإن معظم المقبلين على الزواج كانوا سابقاً يتجهون للخواتم النفيسة، والتصاميم غريبة الأشكال، والثقيلة في الأوزان، وكان ملاحظاً أن الفتيات تفضلن خاتماً مختلفاً وخاصاً يميز علاقة الفتاة، ويمنح الخصوصية لزواجها بالشريك الذي تختاره، ولكن في ظل الظروف الحالية بدا، بحسب هذا الصائغ، أن معظم الشبان المقبلين على الزواج يبحثون عن خواتم بسيطة بأسعار مقبولة دون أي تكلّف في التصميم، وتكون بأوزان خفيفة وأسعار مقبولة، وقال: بدأنا نلاحظ كصاغة أن بعض الأزواج يبتاعون خاتم الذهب فقط لزوجاتهن، أما هم فيرتدون محابس الفضة فقط.

تجربة عملية
ختاماً يمكن الحديث عن تجربة درج الحديث عنها في مواقع التواصل الاجتماعي تبيّن سبباً آخر لاختيار الاصبع الرابع لوضع خاتم الزواج، في هذه التجربة افتح كفيك واجعلهما يتطابقان وجهاً لوجه كأنك تريد التصفيق، والآن حاول إبعاد كل زوجين من الأصابع المتقابلة، وستلاحظ أنه من السهل عليك أن تباعدهم، ولكنك ستندهش عندما تلاحظ أنه من الصعب أن تفصل بنصريك عن بعضهما، كما أنه من الصعب أن تنفصل عن شريك حياتك في الواقع، وهذا دليل على الوفاء والارتباط الدائم بين الشريكين، وهي الرمزية التي يحاول البعض ربطها لارتداء المحابس في تلك الأصابع.
محمد محمود