السلوك المجتمعي.. علاقات تعتمد قيم الاحترام المتبادل.. وقبول غير مشروط للآخر

السلوك المجتمعي.. علاقات تعتمد قيم الاحترام المتبادل.. وقبول غير مشروط للآخر

شعوب وعادات

الاثنين، ٢٠ أبريل ٢٠٢٠

إن العقل الأحادي في كثير من الأحيان يحارب التعدد، ما يخلق نوعاً من الازدواجية في السلوك، ويجعل القيم النبيلة شعارات للتغني فقط، وفقاً لما أكده المرشد الاجتماعي أحمد إبراهيم محمود، فمشكلة رفض الآخر برزت في كثير من المجتمعات بعد الجائحة، ويمكننا أن نحدد أبرز أسبابها وهو الجهل بالآخر، ونلاحظ على صفحات التواصل الاجتماعي بكثرة ما أطلقه بعض المتعصبين من شعارات تقول إن وباء كورونا هو عقاب من الله، وجندي من عنده لمحاربة الصين، متذرعين بحجج وإشاعات أطلقتها أمريكا لشيطنة الصين مثل الادعاء بأنهم يقتلون مسلمي الايغور، وعندما هاجم الوباء الدول الإسلامية صمتت أصواتهم الغبية كلياً، وأدركوا أن الوباء عبارة عن مرض لا يميز بين دين وآخر، ووجوده في رقعة من الأرض هو خطر يهدد كل الأرض، وتابع محمود: للأسف، إن هذه الظواهر الغبية تساهم في خلقها أحياناً المدارس، رغم أنها يفترض أن تكون مراكز إشعاع علمي وحضاري للطفل منذ نشأته الأولى، على سبيل المثال عزل الطلاب المنتمين لديانات مختلفة عند إعطاء حصص التربية الدينية احتراماً للخصوصية الاجتماعية، مهما كانت الحسنات، بالرغم من أن جميع الديانات تجمعها معظم المبادئ والقيم الأخلاقية، وتكمل بعضها، وتتفق مع كل القوانين الوضعية التي تحرم القتل، والسرقة، وغيرها من القيم المدمرة للإنسان، في حين تختلف الديانات في أمور وأحكام قليلة، ويمكننا للتغلب على ذلك من خلال وضع المبادئ والقيم الموحدة في كتاب مدرسي واحد يتضمن إطاراً أخلاقياً فقط، وتدريسه لتعزيز الوحدة الاجتماعية الوطنية، وحتى الإنسانية، وتنشئة ثقافة احترام الآخر لدى الطلاب منذ طفولتهم بدلاً من بذور التفرقة، ونبذ ثقافة شيطنة الآخر التي تربى الكثيرون عليها، فمن واجبنا مواجهة الأفكار التعصبية التي تم إقحامها في مجتمعاتنا منذ أكثر من ألف عام التي دعت لمحاربة الآخر، وأنتجت الإرهاب الذي فتك ببلادنا لسنوات، ورغم سحق عدد كبير من قطعان الإرهابيين المنحرفين في سورية، إلا أن بعض أفكارهم مازالت تسكن في أفكار بعض ضحاياهم الذين هم بحاجة لتصحيح الفكر والتوعية حتى لا يكونوا جمراً تحت الرماد، وأوضح محمود أن البعض يظنون أن واجب الغير أن يحترمهم لاعتقادهم الزائف أنه أقل مكانة منهم، دون أن يعترفوا لهذا الغير بنصيبه من الاحترام، وهذا يشكّل فجوة كبيرة، وآفة خطيرة لأساس المجتمعات الذي يفترض أن يبنى على التنوع، واحترام الجميع لآراء ومعتقدات وقيم وعادات بعضهم البعض، كما أن احترام الآخر لا يقتصر فقط على الاحترام المتبادل بين الطرفين، بل يتضمن أيضاً السماح للآخر بممارسة خياراته دون أي احتقار أو كره، فالتدين يمثّل علاقة الإنسان بربه، وهو ظاهرة فردية، وانتشار مظاهره بشكل واسع وجماعي يدل على وجود الإكراه، فالله خلق البشر مختلفين، وجعل الاختلاف من سنن الكون، ووجود شخص لامتدين أو حتى ملحد لا يعني أن هذا الشخص سيىء، أو يشكّل خطراً، لأن معظم الملحدين كانوا ضحايا لممارسات اجتماعية سلبية دفعتهم للإلحاد، وأصبح الكثيرون بعد هذه الجائحة يدركون قيمة أن التبرع لعمل إنساني كإنشاء مشفى، أو شراء أجهزة طبية للعناية المشددة من أسمى القيم الإنسانية والدينية.
 
تعرية المجتمعات
الكثير من الناس في المجتمعات الراقية يتسمون بالوطنية، واحترام الآخر معاً، وينادون بضرورة احترام معتقدات الآخرين لأنها تعكس احترام الإنسان لذاته ومبادئه، سواء كانت أخلاقية أو دينية، فرجل الدين مهما علا شأنه يسقط من العيون والقلوب عندما يكون كلامه مجرد مقارنات بين أتباع دينه والغير، متناسياً موضوع الأخلاق، وعمل الخير، أما إذا بقي محترماً في عيون أتباعه بعد سلوكه الخاطئ فهذا دليل جهل وتخلف في المجتمع، وينذر بكارثة أو صراع محتمل النمو مع الأيام، وفقاً لما أكدته الباحثة الاجتماعية نسرين العلي، كما أن الأحادية إذا سادت في المجتمع فهذا يعني أن قيمة الفرد تقدّر وفقاً للتقاليد الجماعية عوضاً عن تقييمه من خلال عمله لتطوير هذا المجتمع، أو أخلاقه، أو مساعدته لهم، ما يسبب الفشل في المجتمع، وانتشار الأنانية، ولعلاج ذلك لابد من نشر مبدأ احترام الآخر، وتطويره وصولاً لدرجة الاحترام من أجل الاحترام الذي يسود في كل المجتمعات الراقية، فمد يد العون للآخر، وإن كان مغايراً لعاداتنا وانتمائنا، ولا تربطنا به مصالح، هو خصلة إنسانية راقية وسامية، ولكن هذا لا يعني السكوت عن أخطاء الغير التي قد تهددنا بأي خطر، فنقد الانحرافات لا يقلل من شأن قيم الاحترام، وعلى العكس فهو ضرورة لضمان سير المجتمعات، وقد لاحظنا منذ بداية وباء الكورونا كيف أن الولايات المتحدة الأمريكية استغلت الكارثة، وسارعت للشماتة بالصين، وحساب ما ستجنيه الشركات الأمريكية من أرباح بسبب تعثر اقتصاد الصين في حينه، فقط لمجرد أن اقتصاد الصين يتوجه نحو المرتبة الأولى عالمياً في غضون عام 2030، وبشكل أثار الشكوك حول وقوف ترامب وراء تفشي الفيروس، كما أن تخلي أوروبا عن ايطاليا في جائحتها، وتدخل روسيا لنجدتها، تسبب في فقدان انتماء المواطنين للاتحاد الأوروبي الذين ظنوا أنهم ينتمون إليه، ويمثّلهم، هذا الاتحاد الذي مازال ينبطح تبعاً لأهواء ترامب، والذي رفض أيضاً رفع العقوبات عن سورية وإيران للوقوف بوجه الجائحة على الأقل التي تهدد كل الكرة الأرضية في حال تفاقمها حتى لو خارج اتحادهم الهش، وبيّن كيف أنهم يحقدون على الشعوب لا الأنظمة، ويعاقبونها بعد طول ادعائهم بحماية حقوق الشعوب وسعيهم لإسقاط أنظمتها بحجة نشر الحرية، وبالتالي فقد تجسد بشكل واضح مدى إيمان كل دولة بالقيم الإنسانية التي لطالما تغنت بها، وظنت نفسها يوماً مثالاً في تطبيقها.
بشار محي الدين المحمد-البعث