الشعر في عيده العالمي … المتحف اللامرئي للحياة وفن جمع المتعة بالحقيقة

الشعر في عيده العالمي … المتحف اللامرئي للحياة وفن جمع المتعة بالحقيقة

شاعرات وشعراء

الاثنين، ٢٢ مارس ٢٠٢١

الشعر هو ذلك الكلام الموزون لحناً، العذب لغة، لا يتقنه إلا قلة قليلة حباها اللـه بهذه الموهبة الفذة، فالشعراء الحقيقيون قليلون في هذه الحياة، والشعر كالمرآة يعكس واقع حياتنا ويترجم الأحاسيس العصية على البوح.
ويعتبر الشعر حجر الأساس في الحفاظ على هوية وتقاليد وعادات كل شعوب العالم، كما يحافظ على الثقافة الشفهية على مر العصور، لقدرته على الربط العميق للثقافات المختلفة، كما يسهم في تعزيز الإنسانية المشتركة بين جميع شعوب العالم أجمع.
 
كما أن الشعر هو المتحف اللامرئي للحياة العربية، وفيه اللقى والآثار والوثائق عن حياة العرب وثقافتهم وترحالهم والمراحل التي مروا بها، وكان عبارة عن تاريخ شفوي يختزن قيم تلك الجماعة المغرقة في القدم، حيث أصبح الرجوع إلى الشعر الجاهلي، وخاصة منه الموثق الذي لا يدانيه الشك، نوعاً من البحث التاريخي في أصول اللغة العربية الفصحى. وكان الشعر، من القضايا التي يبرز فيها تنافس القبائل وتباهيها بعضها على البعض الآخر، ولم يكن فقط وقفاً على أغراض الشعر من مديح وغزل ووصف وهجاء، بل لقيمة الشعر الممنوحة.
 
التنوع اللغوي
 
وقد اختارت المنظمة العالمية للتربية والثقافة «اليونسكو»، يوم 21 آذار عام 1999، ليكون يوماً عالمياً للاحتفاء بالشعر والشعراء، حيث تقرع الطبول وتدق الأجراس للتذكير بالكلمة الجميلة والمشاعر الفياضة والأحاسيس الرقيقة، التي يمتاز بها الشاعر الذي ينثر كلاماً أخّاذاً يسحر العقول ويأخذ بالألباب.
وقد كان يحتفى بهذا اليوم، في شهر تشرين الأول وأحياناً في اليوم الخامس منه، لكن في نهايات القرن العشرين، احتفل العالم به في 15 تشرين الثاني، وهذا اليوم يصادف ذكرى ميلاد ورغيليوس الملحمي الروماني، والحائز جائزة أوغستان للأدب، وعليه فقد حافظ العديد من الدول على هذا التقليد.
 
في شهر أيار عام 1997، انعقد مهرجان ربيع الثقافة الفلسطينية، لمدة أسبوعين في فرنسا، بمشاركة ثلاثة شعراء فلسطينيين هم فدوى طوقان ومحمود درويش وعز الدين المناصرة، حيث وجه الشعراء الثلاثة بياناً، إلى مدير عام اليونسكو بعنوان «الشعر شغف الإنسانية» أو «الشعر بوصلة العالم»، طالبوا فيه بضرورة تسمية يوم عالمي خاص بالشعر.
 
وفي عام 1998، تابع مثقفون مغاربة في (اللجنة الوطنية المغربية) تنفيذ الفكرة الفلسطينية، حيث قدموا طلباً مماثلاً، حتى صدر القرار عام 1999.
 
ووفقاً لمقرر اليونسكو، فإن الهدف الرئيسي من ذلك هو دعم التنوع اللغوي من خلال التعبير الشعري، ولإتاحة الفرصة للغات المهددة بالاندثار بأن يُستمع لها في مجتمعاتها المحلية. وعلاوة على ذلك، فإن الغرض من هذا اليوم هو دعم الشعر، والعودة إلى التقاليد الشفوية للأمسيات الشعرية، وتعزيز تدريس الشعر، وإحياء الحوار بين الشعر والفنون الأخرى مثل المسرح والرقص والموسيقا والرسم وغيرها، كما أن الهدف منه أيضاً هو دعم دور النشر الصغيرة ورسم صورة جذابة للشعر في وسائل الإعلام حيث لا ينظر إلى الشعر بعد ذلك لكونه شكلاً قديماً من أشكال الفن.
 
احتياجات جمالية
 
كان الشعر ولا يزال حجر الأساس في الحفاظ على الهوية الوطنية والتقاليد الثقافية الإنسانية، فهو لسان حال الشعوب، وهذه القيمة الحقيقية للشعر فيها تأكيد على قدرته القوية على التواصل عبر مراحل السنين، وهذا الانتشار ينم عن اتصال مستمر لا ينقطع يربط الثقافات الشعبية للأمم والشعوب.
 
ويوجد في عالم اليوم تعطّش لبعض الاحتياجات الجمالية ويمكن للشعر أن يلبيها إذا اعترف بدوره الاجتماعي في مجال التواصل بين البشر حيث يشكل أداة لإيقاظ الوعي والتعبير عنه.
كما بات الشاعر يضطلع بدور جديد كإنسان وصار الجمهور يقبل بصورة متزايدة على الأمسيات الشعرية التي يلقي الشعراء فيها قصائدهم بأنفسهم.
 
وتمثل هذه الحركة الاجتماعية لاكتشاف القيم المتوارثة، عودة إلى التقاليد الشفوية وقبول الكلمة المنطوقة كعنصر يعزز البعد الاجتماعي لدى الإنسان ويجعله أكثر انسجاما مع نفسه.
 
وهناك اتجاه لدى وسائل الإعلام والجمهور العريض عموماً يجنح إلى عدم أخذ الشاعر على محمل الجد، لذلك يصبح من المفيد التحرك للانعتاق من هذا الوضع لكي ينبذ هذا التصور ويأخذ الشعر مكانه الصحيح في المجتمع.
 
الثقافة الرقمية
 
الشعر موهبة ومثابرة لصقل تلك المنحة الإلهية، مناجاة الروح للروح، الشعر صناعة لغوية للتعبير عن ذواتنا وإنسانيتنا وأحلامنا التائهة.
الشعر محتوى والشعر شكل، يتفاعلان فيخرج منهما سيمفونيات لغوية وأدبية وفنية رائعة تعبر عن ذكاء الإنسان وتميزه عن باقي المخلوقات.
 
لكن بالتأكيد سيقول قائل إن شعر اليوم قد بدّل صورته وسيرته التي جذبت الناس إليه طوال ما مضى من عمر الزمان جراء محاولات تطويره على نحو أفقده النكهة والمذاق، وبالتالي فإن الكرة في ملعب شعراء هذا العصر، الذين يتعين عليهم الاهتمام بذائقة المتلقي واستعداداته أكثر من الميل نحو المغامرة بتجارب تطويرية لا تروق إلا لهم وحدهم.
هذا طبعاً زعم ليس في محله، بدليل أن انحسار الشعر بات سائداً في كل مكان، وليس في عالمنا العربي وحده، وبالتالي فالمسألة لا ترتبط بفقدان الوزن والقافية وجلاء المعاني والأغراض الشعرية مثلاً، ثم إن الشعراء الذين ما برحوا مستمسكين بشروط الشعر التقليدي هم أيضاً يستشعرون هذا الجحود والإهمال.. على حين باتت الرواية مثلاً سيدة الموقف الأدبي، في مشارق الأرض ومغاربها، مع أننا في زمان السرعة والإيجاز، والشعر وحده يضمن التعبير بكثافة ما قل ودل أكثر مما تفعل الرواية.
 
ومن جهة أخرى فإن هيمنة الثقافة الرقمية وتكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي التي تساق أحياناً تبريراً لأزمة الأدب عموماً، لم تهزم الرواية، على حين استطاعت أن تخلخل مكانة الشعر بين الناس.
 
أقوال في الشعر والشعراء
 
الشعر هو أن تأتي بغير المتوقع (نزار قباني).
 
أحاول أن أكون شاعراً في القصيدة وخارجها، لأن الشعر موقف من الحياة، وإحساس ينساب في سلوكنا (محمد الماغوط).
 
لا يزال الشعر عاطلاً حتى تزينه الحكمة، ولا تزال الحكمة شاردة حتى يؤويها بيت من الشعر (أحمد شوقي).
 
ليس الشعر رأياً تعبر الألفاظ عنه، بل أنشودة تتصاعد من جرح دام أو فم باسم (جبران خليل جبران).
 
وكأنما كنت أرى أن جمال العالم كله في الشعر (المنفلوطي).
 
الشعر يحيط بنا في كل مكان، لكن للأسف وضعه على الورق ليس بسهولة النظر إليه. (فينسنت فإن غوخ).
 
إن الشعر غاية إنسانية بالدرجة الأولى ويكفيني فرحاً أن أستمر في كتابة الشعر حتى مماتي. (فيسوافا شيمبورسكا).
 
الشعر هو فن جمع المتعة بالحقيقة. (صمويل جونسون).
 
الشاعر لا يطلب الإعجاب أبداً، بل يود أن يصدقه الآخرون (جان كوكتو).
 
الشعر يداوي الجراح التي يسببها العقل (نوفاليس).