أن يصرخ أبو الهول.. بقلم: نبيه البرجي

أن يصرخ أبو الهول.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الاثنين، ٨ يناير ٢٠١٨

لا يفترض بأبي الهول أن ينطق. أن يصرخ… أين مصر ؟! أكثر من مرة استعدت ما كتبته «الايكونوميست» البريطانية في آب 1947 «حين تتألق مصر يتألق العالم العربي، وحين تذوي يذوي». لا مصر الآن، لا صوت، لا دور، لا ديبلوماسية..
تصوروا أن تكون مصر (أم الدنيا وأم العرب) جزءاً من «تحالف عربي» حوّل اليمن الى مقبرة. الذريعة أن ايران تدعم الحوثيين. أي حوثيين؟ عدد كل أفراد القبيلة، بمن فيهم الشيوخ والنساء والأطفال (وربما الموتى)، لا يتعدى النصف مليون. هل هؤلاء فقط من يواجهون على كل الجبهات، ويمسكون بصنعاء بعد ألف يوم من الحرب، وبعد آلاف أطنان القنابل ؟
لا سوريا يمكن أن تكون ايرانية، ولا اليمن، ولا لبنان. هم شيء ونحن شيء آخر. حين تكون للأميركيين استراتيجيتهم، وللروس استراتيجيتهم، وللأتراك استراتيجيتهم، وللايرانيين استراتيجيتهم, أين استراتيجية العرب ؟
مجتمعات ضائعة بين الغيب والغيبوبة. لا أحد يصرخ في وجه اولئك الذين يلقون بالمليارات في صناديق القمامة أو في المقابر. لا يكاد يمر شهر واحد دون صفقة طائرات أو قطع بحرية أو دبابات، بمليارات الدولارات.
كلنا نمضي الى صناديق القمامة اذا ما بقينا بين لوثة الغيب ولوثة الغيبوبة. الايرانيون يبنون دولة. الاسرائيليون يبنون سوبردولة. نحن، أهل البداوة، نبني الأبراج والقبور.
أحد الكتبة رأى أن التحديث السوسيولوجي في السعودية ( صالات السينما، الحفلات الغنائية…) لا بد أن تكون له تداعياته الدراماتيكية على البنية التيوقراطية في ايران. تحدث عن الزلزال. آيات الله سيتساقطون على أبوابنا.
هل بجون ترافولتا، يا صاحب السمو، يتم الدخول في الحداثة، وان كنا نفضل رقصة الروك اند رول على فتاوى عبد العزيز آل شيخ، بوجهه، وبكوفيته، كما لو أنه آت للتو من أقاصي جهنم؟
اننا نبحث عن مصر. المملكة لا يمكن أن تكون النموذج. لا خطوة واحدة في اتجاه التحديث السياسي الذي هو الأساس في بناء الدولة، وان كنا مع ديكتاتورية أتاتورك الذي أخرج بلاده من الركام، وان كنا مع ديكتاتورية مهاتير محمد الذي انتقل ببلاده من كونسورتيوم السلاطين الى ديناميكية القرن.
لا أحد يقف ضد ولي العهد السعودي اذا ما حاول أن يبني الدولة لا الكازينو، واذا ما أمر الأساطيل بأن تغادر شواطىء المملكة، واذا ما سعى الى انشاء منظومة استراتيجية عربية بعيدة عن ثقافة القبيلة ، وعن ثقافة البلاط. آنذاك نتوّجه ملكاً على العرب.
السعودية لا تملك سوى المال. على مدى عقود بعثرت التريليونات في تسويق الوهابية (الأم الشرعية لتنظيم القاعدة ولتنظيم داعش)، وفي محاربة الشيوعية، وصولاً الى غواتيمالا، وفي اقتناء الأسلحة التي لم تمكّن المملكة من الاستغناء عن حماية الأساطيل، وعن وصاية الأساطيل.
البلاط الذي تورط في الحروب العبثية كيف يكون له دور في انتشال العرب من القاع ؟ لا ندري ما اذا كان باستطاعته انتشال المملكة. في هذه الحال، اين مصر؟
مصر التي، بموقف مريع، تغض الطرف لا بل تشارك بما يجري على أرض اليمن بداعي الحاجة الى المال، ودون أن يكون بالامكان الرهان على دور محوري للقيادة المصرية باللهجة المخملية وبالشخصية المخملية. الذي يجري في سيناء أكثر من أن يكون فضيحة.
ليس مطلوباً من أبي الهول أن ينطق، بل أن يصرخ. صاحبنا لا يملك سوى الأنين…
لا قادة، لا سياسات، لا استراتيجيات، لا ايديولوجيات.الديانات تحولت، على أيدي أولياء الأمر، الى مستودعات لصراع الجاهليات، ولصراع الكراهيات، ولصراع القبائل. لاحظوا كيف تغص المساجد، في حين أن القارب الذي بألف ألف شراع (مع الاعتذار من ناظم حكمت)، يمضي بنا الى نهاية النهايات.
المشكلة، كما يقول الأميركي ريتشارد بايبس، «لا شعوب هناك بل حطام بشري». لن نقول انها لعبة الأمم التي لم تمنع أمماً أخرى من التفاعل ومن الفعل في جدلية القرن. انها لعبة القبائل، وشيوخ القبائل. المايسترو هو الشيطان بعيداً عن البعد الديني للكلمة. هنا موت الضمير العام.
لا خيار امامنا سوى أن نكون الماعز على المسرح. حين تقرع الطبول، لا يسقط سوى الماعز. هل يسعكم التفريق (أيها المؤمنون) بين الثغاء والأنين؟