مفاتيح تحرير إدلب.. بقلم:عمر معربوني

مفاتيح تحرير إدلب.. بقلم:عمر معربوني

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢١ أغسطس ٢٠١٨

إذا ما سارت الأمور على النحو المُخطّط لها سنكون أمام مشهدٍ دراماتيكي يُنهي المواجهة العسكرية في سوريا، ويترك للمباحثات مع الأتراك تسليم المناطق التي يسيطرون عليها حالياً ضمن تفاهمات سياسية كبرى.
لا يختلف إثنان أنّ الوقتَ قد حان للبدء بعمليات تحرير ما تبقّى من الأراضي السورية التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية ، بعد أن استطاع الجيش السوري بمساندةٍ كبيرةٍ من حلفائه وخصوصاً روسيا وإيران وحزب الله أن يُغيّرَ معالم السيطرة العسكرية بشكلٍ جذري، وأن يدفع بوتيرة الحل السياسي قُدُماً نحو الأمام وتحديداً المباحثات النشطة مع تركيا من خلال الجانبين الروسي والإيراني بعد تراجع التأثير السعودي والقطري ، وتشكُّل ملامح مرحلة قادمة ستخفّض التأثير الأميركي العسكري والسياسي بعد إدراك الكرد في الشمال الشرقي لسوريا أنّ الحلّ في دمشق وهو ماتتم ترجمته من خلال اللقاءات بين مسؤولين كرد ومسؤولين رفيعي المستوى في الدولة السورية ، وهي لقاءات أثمرت تفاهُمات مُتقدّمة ستؤسّس لعودة الكرد إلى كنف الدولة السورية ضمن سقف لا تتجاوز حدوده منح الكرد كغيرهم من السوريين صلاحيات إدارية أوسع ، ضمن عنوان اللامركزية الإدارية والتي يُتوقّع أن تُدرَج ضمن الإصلاحات الدستورية التي يجري العمل عليها من خلال اللجنة الدستورية المشتركة.
أمرٌ آخر سيساعد في تقليص النفوذ الأميركي وهو القضاء على بقايا تنظيم داعش في جنوب قاعدة التنف وشمال السويداء، ما سيُلغي التبرير الأميركي بقاء القاعدة خصوصاً أنّ دور القاعدة كنقطة ربط بين مشروع الإنفصال التركي في الشمال وما كان يُسمّى بمشروع إقليم حوران قد انتهى وأنهى معه مشروع جرّ النفط السوري عبر خط الحدود السورية – العراقية والسورية – الأردنية إلى الكيان الصهيوني .
ومع تضاؤل التأثير السعودي إلى حدوده الدنيا في البُعد العسكري بعد تحقيق الهزيمة بـ “جيش الإسلام” في الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي ، وجماعات كانت تتبع لغرفة ال “موك” (Military Operations Center ) ومركزها في الأردن في الجنوب السوري، بعد استعادة السيطرة على مواقع الجماعات الإرهابية في محافظتيّ درعا والقنيطرة.
وبهذا لا يبقى من تأثيرٍ خارجي في الميدان السوري إلا الأتراك الذين يدفعون بالأمور إلى الحد الأعلى للحصول على الحد الممكن بما يرتبط بأمنهم القومي بحسب الطروحات التركية، وهي طروحات ترتبط ببعض الفصائل الكردية وبالحصول على امتيازاتٍ مستقبلية لجماعات تركيا التي تعمل الاستخبارات التركية على تجميعها ضمن ما يُسمّى ب “الجيش الوطني”، وهو أمر استطاعت تركيا تحقيقه في الشكل عبر ضمّ 15 فصيلاً مُسلّحاً تابعاً لها ، لكنه على غِرار غيره من عمليات الضمّ السابقة يفتقد لشروط الاستمرار والبقاء بسبب التناقضات الكبيرة بين قادة الجماعات والتبيانات الفكرية والمصلحية، وهي أمور ستُسرّع بانهيار مشروع توحيد هذه الجماعات على غِرار الانهيارات السابقة.
حتى اللحظة استطاعت روسيا أن تُدجِّن الموقف التركي وأن تدفع به نحو تقديم تنازلاتٍ ضمنيةٍ مع محاولةِ الأتراك إبراز تباين وجهات نظرهم حول حجم العملية العسكرية واستهدافاتها، لجهة الدعوة التركية بضرورة الفصل بين ما تسمّيه ” الجماعات المُعتدلة ” والأخرى المُصنفّة كجماعاتٍ إرهابية.
ربطاً بميزان القوى الحالي لا تستطيع تركيا الحصول على مُبتغاها بشكلٍ كاملٍ باستثناء جهود إيجابية يمكن أن تقوم بها ترتبط بتحقيق التسويات التي تشكّل أحد عناوين إبعاد العملية العسكرية عن رؤوس الرافضين للتسويات، وهو العنوان الوحيد الذي تقبل به الدولة السورية كبديلٍ عن العملِ العسكري، وهو توجّه ترعاه روسيا وإيران وسيكون عامل ضغط على الأتراك المأزومين بعلاقتهم المُتوتّرة مع أميركا والتي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وهو ما سيدفع بالأتراك أكثر نحو الشرق والاقتراب من التموضع ضمن حلف ” أوراسيا ” الذي تسعى إليه روسيا كحلفٍ سياسي – اقتصادي – أمني يؤمّن مصالح الدول المنضوية فيه على المستويات كافة.
انطلاقاً من كل هذه التحوّلات لن تكون العملية العسكرية القادمة في إدلب أمام تعقيدات سياسية كبيرة يمكن أن تُعيق سيرها، مُضافة إلى ذلك الأجواء الإيجابية المُرتبطة باتصالاتٍ حثيثةٍ تقوم بها الجهات المُختصّة في الدولة السورية مع وجهاءٍ ومرجعياتٍ مختلفةٍ في بلدات وقرى محافظة إدلب بشكلٍ أساسي، ستُسرّع على غِرار ما حصل في الجنوب السوري استعادة الدولة لسيطرتها على مساحاتٍ كبيرةٍ من الجغرافيا من دون أي عملٍ عسكري.
في البُعد العسكري ليس هناك ما يُشير إلى صعوباتٍ كبيرةٍ في تنفيذ العمليات القادمة، خصوصاً أن الجهود الروسية تتركّز مع الأتراك على ضرورةِ تحييدِ عددٍ كبيرٍ من الجماعات، وعزل “جبهة النصرة” التي رفض قادتها حل الجبهة والانضمام ضمن صفوف ما يُسمّى ” الجيش الوطني” وهو ما سيحصر المعركة مع ” جبهة النصرة ” التي أعلنت بوضوحٍ إنها ستقطع اليد التي ستمتد إلى سلاحها بمن فيهم الأتراك.
مسرح عمليات المواجهة القادمة سيكون متعدّد المحاور والجبهات لتشتيت جهد ” جبهة النصرة ” وتحقيق انتصاراتٍ ساحِقةٍ وسريعةٍ ، حيث يمتلك الجيش السوري الآن قُدرات كبيرة في القوى والوسائط سواء قوات الاقتحام أو قوات التثبيت والتي انتقل جزء كبير منها إلى محاور القتال التي نتوقّع أن تكون على الشكل التالي:
المحور الأول وهو قطاع شمال شرق اللاذقية حيث ستبدأ قوات الجيش السوري التقدّم لتحرير منطقة كبانة التي تضمّ جبل الزويقات والمرتفعين 1147و 1154 ما سيّسهّل اندفاع القوات نحو جبل إشتبرق ويضع كلاً من السرمانية وجسر الشغور ضمن الاستهداف الناري المباشر ويُسقطهما بشكلٍ سريعٍ ، بالتوازي مع عمليات اندفاع للقوات في سهل الغاب على الجهة الغربية نحو السرمانية وجسر الشغور من دون الدخول في عمليات واسعة بمُحاذاة قرى وبلدات جبل الزاوية التي سيتم التعامل معها من محاور أخرى .
المحور الثاني وهو قطاع خان العسل – الراشدين 4 وخان طومان وصولاً حتى الزربة والإيكاردا جنوباً على جبهة عرضها حوالى 13 كلم ، أحد أهم أهدافها الأساسية السيطرة على الطريق الدولي من عقدة مدخل حلب بين خان العسل والراشدين 4، انطلاقاً من مشروع ال 3000 الذي تسيطر عليه وحدات الجيش حالياً بينما ستكون المهمّات اللاحقة المُرتبطة بهذا المحور استكمال اندفاع القوات غرباً باتجاه الأتارب والدانا ، لتثبيت قوس تطويق وإطباق من الجهة الشمالية على محافظة إدلب.
المحور الثالث وهو قطاع الحاضر – العيس من الشمال وأبو الضهور سراقب من الجنوب على جبهة عرضها 30 كلم ، هدفها الأساس السيطرة على الطريق الدولي واستكمال العمليات غرباً نحو تفتناز وبنش من الشمال وحتى إدلب من الجنوب عبر سراقب وصولاً حتى أريحا لتثبيت خط الطوق حول جبل الزاوية من الشمال.
المحور الرابع وهو قطاع اندفاع مُتزامِن من الشرق انطلاقاً من جنوب شرق أبو الضهور شمالاً حتى الخوين الكبير جنوباً ، للسيطرة على التمانعة ومن ثم خان شيخون ، بالتزامن مع انطلاق عمليات من الغرب نحو كفرنبودة والهبيط وصولاً حتى خان شيخون ، وهو ما يؤمّن عزل وتطويق مناطق واسعة في جبل الزاوية وسهل الغاب، مع تطويقٍ كاملٍ لمنطقة ريف حماه الشمالي، مع الإشارة إلى أن هذه العمليات ستتزامن مع اندفاعات سريعة وحاسمة باتجاه مورك والطامنة وكفرزيتا وبلدات أخرى.
إذا ما سارت الأمور على النحو المُخطّط لها سنكون أمام مشهدٍ دراماتيكي يُنهي المواجهة العسكرية في سوريا، ويترك للمباحثات مع الأتراك تسليم المناطق التي يسيطرون عليها حالياً ضمن تفاهمات سياسية كبرى، ستنقل سوريا من حال الحرب إلى حال المُعالجات الأمنية والحوار السياسي الجدّي
الميادين