أميركا بين حافات الانهيار.. وترامب على خُطى نيكسون؟.. بقلم: محمّد لواتي

أميركا بين حافات الانهيار.. وترامب على خُطى نيكسون؟.. بقلم: محمّد لواتي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٨ أغسطس ٢٠١٨

ترامب المُحال اليوم على القيل والقال بتهمة الخيانة والكذب وسوء التسيير دفع زعيمة الديمقراطيّين في مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى القول وبصراحة غير معهودة “إن تصميم الجمهوريين في الكونغرس على التستّر على الرئيس وأتباعه المجرمين أمر غير واضح” ، وقال روبرت خوزامي، النائب العام ونائب المدّعي العام الأميركي”هذه تهم خطيرة للغاية وتعكس نمطاً من الأكاذيب وخيانة الأمانة على مدى فترة زمنية مهمة” ،يعد ضرباً من التستّر على الحقيقة والوضع السيّئ الذي عليه أميركا المُحاصَرة عالمياً.
هل يُدرك الرئيس الأسوأ في تاريخ رؤساء أميركا السيّد دونالد ترامب إلى أين يسير ببلده وأين سوف يستقر بهما المطاف..؟ أم ” هي أسوأ ساعة من رئاسة ترامب بأكملها – لا، وربما في حياته بأكملها،” كما يقول نورمان إيسن، وقد تراكمت الاتهامات عليه من الداخل والخارج بل إنه اليوم أمام احتمال المُساءلة القانونية شبيهة بتلك التي أُعِدّت للرئيس نيكسون يقول سأل لاني ديفيس، محامي كوهين، “إذا كانت الدفوعات هذه جريمة لمايكل كوهين أفلا تكون جريمة لدونالد ترامب؟ ،” ثم هل بإمكانه محاربة العالم بالحصارالاقتصادي والحرب التجارية أم أن الأمر فيه من المُغالطات للتاريخ وللجغرافيا أكثر من ماكنة التاجر السيّد ترامب الذي يتحايل على الواقع ببريق المجد الذي تنشئه ورشات البيع بالمزايدة..؟ أكيد تمّت أشياء تشبه النار الباقية تحت الرماد يحاول من خلالها إثبات الماضي في العالم في جغرافيا كلها تؤكّد المُتجدّد والمُتغيّر في آن.. وبالتأكيد لا الحصار يوقف هيجانها، والحصارالاقتصادي كما يصفه المقرّر الخاص للأمم المتحدة: إدريس الجزائري ب:”البلطجة الاقتصادية”، ولا التلويح بالعصا الساخنة تضفي عليها شيئاً من البرودة.
في كوريا الشمالية اعتقد ترامب ومساعدوه بعد عودة بعض جثث جنود أميركا الذين سقطوا في حرب الكوريتين، وزاد تألّقاً في غير محله بعد اللقاء بينه وبين كيم جونج أون ولم يكن يدرك أن خفايا التاريخ الذي يحكم سياسة أوين هي أشبه بالحنين للوقت الذي سوف ينهض فيه هذا التاريخ، وفعلاً صدّق ترامب خرافة اللقاء وصدّق أوين منه البداية لإعادة ما ضاع من ذلك الحنين.. لم يكن ترامب وفريقه العسكري والسياسي على حدس سياسي ولو بسيط لمعرفة ما هم فيه من أخطاء وما هم عليه من أوهام.
وزارة الخارجية الأميركية اعتبرت الأسبوع الماضي أن المحادثات مع كوريا الشمالية “تسير في الاتجاه الصحيح”، متحدّثة عن اجتماعات مُغلَقة بين واشنطن وبيونغ يانغ . في حين تؤكّد في اليوم نفسه منظمة الطاقة الذرية أن كوريا الشمالية لا تزال تخصّب الأورانيوم وتنتج منه بالزيادة) الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقرير لها أن كوريا الشمالية تواصل أنشطتها النووية رغم النوايا التي عبّر عنها زعيمها كيم جونغ أون.)، وقد قلت في مقال سابق أنه لا يمكن لكوريا الشمالية أن تتخلّى عن أسلحتها النووية مهما كانت الظروف والمساومات.. إنها تحمل عبء 70سنة في تاريخها من الاحتقار الأميركي لها ولا يمكن نسيان ذلك ، لأن المِحَن لا تعلّم الإنسان كيف يصنع الحصانة لنفسه فقط بل تعلّمه أيضاً كيف يحمي تاريخه من التشويه لأنه أحد مرتكزات النهوض الحضاري والفكري.
ويتّفق معي كل السياسيين الذين هم على خلاف سياسي مع ترامب وخاصة الأميركيين منهم .. أن الحصار على كوريا والذي قال عنه ترامب إنه سيجرّ كوريا إلى التخلّي عن سلاحها النووي، بالتأكيد لا يصنع المعجزة ولا يقتل العقل وإن كان يمسّ الرفاهية الاجتماعية لأي مجتمع مُحاصَر، والشاهد إيران، ربما ترامب هنا لا يؤمن بالسياسة أكثر مما يؤمن بالبزنس أوثقافة المقاولات، والسياسة ليست دائماً مصالح بلا مقابل، وليست دائماً في جانب الهراوة الساخِنة التي يلوّح بها ترامب ضد العالم كله.!! أما بالنسبة لإيران والتي تؤكّد كل المصادر(إعلامية، استخباراتية، سياسية) أن وراءها إسرائيل وقد سقط ترامب في لعبتها سقوطاً مريراً حتى ظنّ الكل أنه الوكيل العسكري لها، وظنّت إسرائيل أن ترامب جاءت به الآلهة كي يعطيها مالاً يملك لما لا تملك أيضاً فأضحت إيران هدف تغريداته المُتتالية، ولكن هل يعرف ترامب تاريخ إيران الصلب في وجه الأعاصير ولقرونٍ وكأنها هي الإعصار الأقوى على مر العصور، وهل يعرف الجغرافية التي هي حامية هذا التاريخ..؟ بالتأكيد لا، وبالتالي فهو مثل ما قال الكواكبي”صيحة في واد ونفخة في رماد” لقد حوربت عقيدتها الشيعية لأكثر من خمسة عشر قرناً وفي النهاية تغلّبت وبَنَت دولتها القائمة على المذهب الإسلامي الشيعي، إيمانها الديني مرتبط بتاريخها ومتفاعل مع مبادئها من دون تراخ أو تململ من العواصف التي واجهتها لقرونٍ وآخرها عواصف الحصار،هي إذن ليست مثل السعودية ظاهرها الإسلام وباطنها عشق القصور وما يدور فيها،هي أيضاً حاملة لثقافة التجرّد لعالم ما بعد عالم المادة.
من هنا يمكن التأكيد أن حصارها وفي الظروف الحالية هو مجرّد لعبة وسط عالم مُتميّز بالصراعات الكبرى من أجل عالم مُتعدّد الأقطاب فضلاً عن السنَد القوي الصيني الروسي لها، ومواقف الصين وروسيا ثابتة، وآخرون من المؤيّدين لبقائها ضمن حلقة المواجه من أجل كسب المعركة، إذن على أميركا وإسرائيل الاختفاء وراء الأحلام ولو لأشهر كي تعيدا نظامهما السياسي إلى الواجهة المفتوحة على التعدّدية القطبية، واجهة الأحداث أيضاً المؤثّرة في الواقع لا المُتعالية عليه. وإذ يبدو أن دونالد ترامب يسير في حقل ألغام حتى صار لا يفهم ما يفعل كل ما يحدث في واشنطن يمكن أن توصيفه بمقدمة انقلاب زاحف. على سبيل المثال، يعلن ترامب فجأة أنه مستعد “لإغلاق” الحكومة الفدرالية، أي منع أنشطتها.
قد يكون سبب ذلك هو عدم اعتماد ميزانية. ثم يطلب أموالاً إضافية لبناء جدار مع المكسيك، مجلس النواب يوافق على تخصيص خمسة مليارات دولار، بينما مجلس الشيوخ يوافق على مليار ونصف المليار فقط”هو في حلقة مُفرَغة وربما في حملة ابتزاز من الكونغرس لأنه بطل من ورق كما يصفه أحد الصحفيين الأميركيين.. المشكلة في الساسة الأميركيين مع ترامب ومن حوله أنهم لم يستطيعوا تقبّل الأمر الواقع سواء مع روسيا أو مع الصين..؟ يقول الرئيس بوتين في استرخاء وفي ردّ غير مباشر على ترامب نحن الأقوى عسكرياً ولدينا من أنواع الأسلحة ما ليس لديكم، وتقول الصين أيضاً نحن مثلكم اقتصادياً وقريباً نكون الأهم فيه عالمياً ودَيننا عليكم تجاوز 12ألف مليار دولار. وهي حقائق وليست كلاماً أجوف، وهم (الأميركيون) يحاولون التشبّث بمفهوم الشرطي العالمي..؟ ألم تخسر أميركا في مجلس الأمن عدّة مرات بسبب الفيتو الروسي الصيني.؟ ألم تتظاهر بالعداوة لدول عدّة وهي ترسل وفودها سراً لتلطيف الأجواء؟
يرى نعوم تشومسكي الكاتب والمفكّر والأكثر قراءة اليوم” أن حالة من الإحباط والقلق بشأن مخاطر الكوارث المُنتظرة فاقت آمال الناخبين الأميركيين خلال انتخابات العام 2016 مع صعود شعبوية دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية، وهذا يشير إلى حقيقة لا مجال للشك فيها هي أن المجتمع الأميركي يتعرّض للانهيار..” ، وهذا خير شاهد على ما ينخر أميركا من الداخل.. لقد تشبّث ترامب في سوريا -بعد أن سقط موكلوه- بالخوذ البيضاء على أنهم ملائكة الرحمة فإذا هم – وأمام الرأي العام – أنهم مجرّد أوثان لمؤسّسات غربية لصناعة الجواسيس وكانت الفضيحة والتخلّي عنهم ظاهرياً وتهريبهم بطريقة هروب اللصوص، وحاول بحصاره لتركيا الشريك الاستراتيجي لأميركا تخطّي مآسيه في سوريا والعراق وفي النهاية خسر الرهان هو وأردوغان.
إذن، ترامب المُحال اليوم على القيل والقال بتهمة الخيانة والكذب وسوء التسيير دفع زعيمة الديمقراطيّين في مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى القول وبصراحة غير معهودة “إن تصميم الجمهوريين في الكونغرس على التستّر على الرئيس وأتباعه المجرمين أمر غير واضح” ، وقال روبرت خوزامي، النائب العام ونائب المدّعي العام الأميركي”هذه تهم خطيرة للغاية وتعكس نمطاً من الأكاذيب وخيانة الأمانة على مدى فترة زمنية مهمة” ،يعد ضرباً من التستّر على الحقيقة والوضع السيّئ الذي عليه أميركا المُحاصَرة عالمياً. صحيح أن الاقتصاد الأميركي يمكن أن يتحمّل تلك الأخطاء ولكن ليس إلا لسنة أو سنتين لأن العالم يتفكّك إلى أقطاب جديدة هي الأقوى اقتصادياً وعسكرياً.
الميادين