هل نتجاوز «مشروع حدود الدم» بعد تحرير إدلب؟.. بقلم: جمال محسن العفلق

هل نتجاوز «مشروع حدود الدم» بعد تحرير إدلب؟.. بقلم: جمال محسن العفلق

تحليل وآراء

السبت، ١٥ سبتمبر ٢٠١٨

المقال الذي رفض العرب ِقراءته أو تجاهلوه مع بداية تفجير الشارع العربي بما سمّي حينها «الربيع العربي»، بالرغم من أنّ المقال المعنون باسم «مشروع حدود الدم» والمنشور في المجلة العسكرية الأميركية عام 2006 وهو لضابط استخبارات أميركي اسمة رالف بيترز، ومترجم للعربية ويمكن للقارئ وضع عنوان حدود الدم على محركات البحث ليجد آلاف الصور والمقالات العربية التي تتحدث عن هذا المشروع الدموي، والذي يعبّر عن حقيقة الحكومة العميقة التي تحكم الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها الصهيونية التي تسعى لتفتيت المنطقة وتدميرها ومن ثم تقسيمها حسب الإثنيات العرقية والدينية، وكلّ ذلك لإعلان ما يسمّى «يهودية دولة إسرائيل» المزعومة على أرض فلسطين المحتلة، وللسيطرة على كلّ الثروات الطبيعية ومنابع الطاقة في العالم من خلال السيطرة على الوطن العربي الممتدّ على مساحة قارتي آسيا وأفريقيا، وهذه السيطرة تعني السيطرة على الاقتصاد العالمي وخنق أيّ اقتصاد ناشئ.
 
فالمشروع معقد ولا يطال دولة بعينها إنما يتحدث عن كلّ الشرق الأوسط بما فيه الدول الصديقة والحليفة للولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني وشعوب المنطقة بالنسبة لهذا المشروع هي تجمعات بشرية يجب التخلص منها ومن يبقى هم شرذمة ضعيفة ومنهكة لا حول لها ولا قوة تبقى في كانتونات ممزقة ومتناحرة لا تؤثر على الوجود الصهيوني في المنطقة.
 
ففي بداية الحرب على سورية كان الهدف تنفيذ العملية وفق مبدأ الصدمة وإسقاط الدولة السورية ومن ثم العمل على تفتيت سورية وإلغاء وجودها كدولة سياسياً وجغرافياً ولكن ما حدث على أرض الواقع هو أنّ سورية لم تكن جاهزة شعبياً ورسمياً لقبول هذا المشروع والقوة الكامنة لدى الشعب السوري ظهرت في هذه الحرب فانتقل الجيش السوري من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم والتحرير وظهرت قوة التحالف السوري مع المقاومة والدول الحليفة لتغيّر من استراتيجية دول العدوان وعددها لا يقلّ عن مائة وستين دولة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في محاولة إطالة الحرب والتي كان متوقع لها أن تنتهي في غضون ستة أشهر على الأكثر، وحتى هذه الإطالة لم تجد نفعاً، فوضعت إدلب وهي بيضة القبان بالنسبة لدول العدوان حيث تمّ الاتفاق على نقل من استسلم من الجماعات الإرهابية اليها، فاختيار إدلب جاء لموقعها الجغرافي وقربها من تركيا وسهولة تمويل او إعادة تكوين تلك الجماعات من خلال المعابر التركية وغرفة العمليات التي تضمّ مجموعة دولة العدوان على سورية.
 
وهذا ما يفسّر حقيقة الاندفاع الأميركي والغربي برفض أيّ تحرك سوري لتحرير إدلب والتلويح بضربات محتملة والادّعاء بأنّ الجيش السوري سوف يستخدم السلاح الكيميائي ضدّ المدنيين، وهي اللعبة المستهلكة التي تحاول واشنطن من خلال الترويج للتخفيف من ردود الأفعال على عدوانها.
 
لأنّ تحرير إدلب يعني وقف «مشروع حدود الدم»، وإلغاء أيّ تواجد للجماعات الإرهابية، فإدلب بالنسبة لدول العدوان هي تورا بورا الجديدة والتي من خلالها سيكون تشكيل نواة الإقليم الأول في مجموعة الكانتونات المتوقعة بعد اندحار داعش والنصره وفشلهم في تثبيت مواقعهم التي استولوا عليها، وسوف تتحوّل إدلب الى مركز حيوي لتصدير الإرهابيين وإعادة تدويرهم وتصديرهم من جديد، فكما رفعت أعلام داعش في أفغانستان بدلاً من القاعدة سيكون للإرهابيين القادمين من دول عديدة، وخصوصا أوروبا دور قادم، وهذا ما يقلق اليمين الأوروبي الذي يجد في عودة هؤلاء خطراً كبيراً ولكن الحكومات الحالية في أوروبا اليوم هي تحت سيطرة الإدارة الأميركية، حتى وإنْ طفت على السطح الإعلامي خلافات من نوع ما يديرها الرئيس الأميركي ترامب عبر تغريدات يمكن وصفها بالسخيفة على «تويتر».
 
فعملية تحرير إدلب اليوم هي ضرورة عسكرية لا يمكن التخلي عنها، فتحريرها يعني تدمير المشروع الصهيوأميركي وتعطيل الذراع الضارب لأميركا ودول العدوان والمتمثل بالمجموعات الإرهابية التي تعمل وفق مبدأ تأجير البندقية والقتل تحت شعارات دينية هدفها تشويه الصورة الحقيقية للإسلام، وهو الذي يجعلنا لا نعوّل كثيراً على أيّ حوار ممكن مع تلك الجماعات لأنها ببساطة مصنوعة في الخارج ومموّلة من قوى أشدّ إرهاباً مثل الوهابية السعودية التي صنعت القاعدة سابقاً وموّلتها بحجة محاربة المدّ الشيوعي.
 
وبعيداً عن هذه الدعاية الإعلامية تحت شعارات إنسانية كاذبة علينا التمسك بتحرير هذه المدينة المحتلة من قبل الإرهاب الدولي ومطالبة تركيا بفتح حدودها لتسهيل مرور تلك المجموعات لتعود إلى البلدان التي أتت منها، فهذه بضاعتهم ويجب أن تعود إليهم، فإدلب اليوم هي معركة عالمية وهذه المعركة مصيرية ليس بالنسبة للسوريين بل للعالم أجمع وبتحريرها سيكون العالم مختلفاً تماماً، وفي حال بقاء هذه البؤرة سيكون العالم في خطر وخصوصاً أوروبا التي سوف تضع في عين العاصفة بسبب وجود العميل التركي وسهولة نقل الإرهابيين من خلاله إلى الدول الأوروبية المزدحمة اليوم بالخلايا النائمة تحت اسم لاجئين.
 
وهذا لا يعني انتهاء المحاولات الأميركية في المنطقة، فالمشاريع ما زالت موجودة والمموّل العربي ما زال نائماً وينفذ ما يُطلب منه في تمويل تلك المجموعات، وما يُذاع اليوم عن قوة عربية ممكن ان تشارك في الدفاع عن الجماعات الإرهابية في إدلب هو أمر مضحك لأنّ الجيوش العربية المعوّل عليها غارقة في اليمن وتعاني اليوم بعد أن استنفذت كلّ الأهداف الجوية ولم يعد في بنك أهدافها إلا المدارس والتجمعات الشعبية الفقيرة، ولكنها على الأرض لا تتقدّم وتتكبّد الخسائر.
 
ولهذا علينا التمسك بتحرير إدلب لنتجاوز ما أرادوه لنا في مشروعهم الدموي المسمّى «حدود الدم»، والتجربة أثبتت أننا لسنا قادرين على المقاومة وحسب بل على شنّ هجوم معاكس، وعلى العرب فهم شيء مهمّ هو أنّ الخارطة العربية بلا سورية لا يمكن أن تكون خارطة.