أسرار إسقاط اليوشن 20 تنتظر البوح.. بقلم: رفعت البدوي

أسرار إسقاط اليوشن 20 تنتظر البوح.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ١ أكتوبر ٢٠١٨

رغم مرور بعض الوقت على حادثة إسقاط الطائرة الروسية اليوشن 20 التي أودت بحياة 15 ضابطاً روسياً يتمتعون باختصاصات رفيعة في العلم العسكري كانوا على متنها في مهمة استطلاعية شديدة التعقيد، ورغم تحميل إسرائيل كامل المسؤولية عن إسقاط الطائرة الروسية فإن الحادث وما تبعه من ارتدادات سياسية وإجراءات عسكرية لم تزل مفاعيله نشطة مقرونة بتكهنات وتحليلات بدخول المنطقة منعطفاً جديداً ينذر بحدوث متغيرات سياسية وعسكرية مهمة من شأنها أن تأخذ شكل الترجمة الفعلية في المرحلة القادمة.
صحيح أن تقريراً صحفياً مفصلاً صدر عن الجنرال إيغور كولاشينكو الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية شرح فيه ملابسات الحادثة ووصف تصرف الطيارين الإسرائيليين بالتصرف غير المهني، ورغم وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للحادث بأنه من الأحداث العرضية الفاجعة فإن حادث إسقاط الطائرة الروسية اليوشن 20 لم يبح بكل أسراره.
المتعارف عليه أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة المانحة لإسرائيل شيكاً مفتوحاً بصلاحيات مطلقة لاستعمال القوة في أي ظرف وأي مكان وضد أي هدف عسكري أمني قد يشكل خطراً على أمن ونفوذ العدو الإسرائيلي ولا يمكن تصور أن العدو الإسرائيلي قام بتنفيذ الغارة ليل 17 أيلول 2018 من دون حصول ضوء أخضر من مركز عمليات البنتاغون الأميركي.
في المعلومات وفور الإعلان الروسي مسؤولية إسرائيل المباشرة عن إسقاط الطائرة توجه رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين إلى واشنطن في محاولة للمساعدة على إخراج إسرائيل من الورطة الإستراتيجية مع روسيا كان من نتائج الطلب الإسرائيلي فتح الخط الأحمر بين البنتاغون ووزارة الدفاع الروسية بهدف تبريد الأجواء وإيجاد السبل الكفيلة بتطويق ذيول الحادث.
روسيا لم تتأخر في الإعلان عن تزويد سورية بأنظمة دفاع جوي S300 المتطورة مصحوبة بنظام كهرومغناطيسي تستعمل للتشويش على الأقمار الصناعية الإسرائيلية والأميركية وهذا الإعلان الروسي جاء رداً واضحاً على الطلب الأميركي ورفضاً لكل الدعوات الأميركية الإسرائيلية الداعية إلى إعادة النظر في قرار تزويد سورية بأنظمة دفاع جوي متطور.
الاتصال الهاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبين رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يف بالغرض الإسرائيلي خاصة بعد إصرار روسي على رفض الرواية الإسرائيلية وتحميل إسرائيل كامل المسؤولية عن إسقاط اليوشن 20.
إذاً إسرائيل تخسر أوراق القوة، وهي قبل 17 أيلول 2018 نجحت ردحاً من الزمن في تعطيل تزويد سورية بأنظمة دفاع روسية متطورة وذلك تحت حجج اختلال ميزان القوى أو منعها عن القيام بالدفاع المسبق عن أمنها والحد من حركة طيرانها الحربي، أما بعد 17 أيلول 2018 وقرار روسيا الذي لا رجعة عنه القاضي بإرسال منظومة الدفاع إلى سورية تكون إسرائيل فقد منيت بخسارة معظم حججها وصارت طلعات الطائرات الإسرائيلية فوق سورية محفوفة بالمخاطر وارتفعت معها نسبة إسقاط الطائرات الإسرائيلية، وأسر الطيارين الإسرائيليين فوق سورية أو فوق لبنان أضحى مضاعف الإمكانية أضف إلى ذلك أن إقفال أجواء مناطق شمال سورية أمام الطائرات الإسرائيلية بات أمراً حتمياً.
اتهام إسرائيل بحادثة إسقاط الطائرة الروسية أفقدها زمام المبادرة وجعلها أمام واقع جديد خسرت فيه ترف الخيارات لتجد نفسها مكبلة بخيارات أحلاها مر بالنسبة لإسرائيل.
إسرائيل خسرت التحكم بدمى التنظيمات الإرهابية العاملة في سورية تحت إمرتها وها هي إدلب وبتصميم وإصرار من الجيش العربي السوري صارت قاب قوسين من إنهاء ظاهرة الإرهاب فيها، إما بالمصالحات وإما بعملية عسكرية يطلق عليها اسم عاصفة اليوشن 20.
إسرائيل تعلم علم اليقين أنها المسؤولة المباشرة عن إسقاط الطائرة الروسية معتقدة أنها سترغم روسيا على ردة فعل سريعة من شأنها توريط روسيا باشتباك مباشر مع الإسرائيلي أو مع الأميركي يفقد روسيا زمام الأمور وعندها يمكن خروج الأمور عن السيطرة في سورية وتعاد معها عقارب الساعة للوراء، لكن روسيا بحنكتها ودبلوماسيتها الهادئة الحازمة استطاعت تحويل المحاولة الإسرائيلية إلى توريط روسي لإسرائيل وإيقاعها في شبك صعب الفكاك منه.
إن ادعاءات نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بامتلاك صور تظهر فيها أماكن تمركز صواريخ تابعة لحزب اللـه قرب مطار بيروت الدولي لهو ضرب من ضروب الخيال والهلوسة تماماً كما وصفه المحلل العسكري في صحيفة هآرتس الإسرائيلية عاموس هرئيل حين قال إن نتنياهو أصيب بمرض الهلوسة وخاصة بعد ارتكابه الخطأ الإستراتيجي مع روسيا، ويضيف هرئيل لو أن الصور التي عرضها نتنياهو صحيحة لما سمحت له المؤسسة العسكرية بالكشف عنها.
تحذير وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الموجه إلى نتنياهو هو الأول من نوعه وجاء قاطعاً لجهة حزم روسي بوجه إسرائيل من مغبة الاعتداء على سيادة لبنان تحت حجج واهيه وهذا يعني أن الشيك الأميركي المفتوح والممنوح لإسرائيل قد شارفت صلاحيته على الانتهاء.
في غداء عمل ضم أحد السفراء الروس العاملين في منطقة الشرق الأوسط وشخصية عربية عارفة بخبايا الأمور توجهت الشخصية إلى السفير الروسي بسؤال عن حقيقة ملابسات سقوط الطائرة الروسية فوق البحر.
السفير الروسي وكعادة كل السفراء الروس أجاب بدبلوماسية لافته قائلاً إن وزارة الدفاع الروسية عقدت مؤتمراً صحفياً أوضحت فيه ملابسات الحادث وحمّلت إسرائيل مسؤولية الحادث.
الشخصية السائلة لم يعجبها جواب السفير الروسي وأردفت قائلة سعادة السفير اسمح لي قول ما لم تستطع أنت قوله فالحقيقة هي أن الطائرة الروسية اليوشن 20 كان على متنها خيرة الضباط الروس المتخصصين بعلم التنصت وفك الشيفرة والرصد والتتبع وإن تعويض قدرات أي ضابط من الضباط الروس يحتاج إلى خمس سنوات.
الشخصية أردفت بالقول للسفير صحيح إنك رجل دبلوماسي لكن الحقيقة هي أن قراراً إسرائيلياً أميركياً كان قد اتخذ مسبقاً بإسقاط الطائرة الروسية مهما كانت العواقب لأن الطائرة الروسية تحمل كماً هائلاً من المعلومات والبيانات التي تثبت مشاركة الإسرائيليين والبريطانيين والفرنسيين وبعض الضباط العرب بمساعدة الإرهابيين على نقل مواد سامة إلى الداخل السوري وإن كل الأدلة أفادت بتعمد الطائرات الإسرائيلية إطلاق صواريخها مباشرة على الطائرة الروسية، وقامت وزارة الدفاع الروسية بإخفاء الحقيقة عن الرأي العام الروسي والسوري حرصاً على عدم النيل من الهيبة الروسية وإحراجها ومطالبتها بالرد الفوري عندها تكون إسرائيل نجحت في الإطاحة بكل النجاحات الروسية في سورية وجعلها هباء منثوراً.
رغم الإعلان الأميركي عن نيته الانسحاب من سورية إلا أن روسيا نفسها لا تريد لأميركا الانسحاب من المنطقة بل إن روسيا تعمل على حل القضايا الشائكة في المنطقة بمشاركة أميركية وذلك لضمان محاربة الإرهاب وسلامة الحلول السياسية المطروحة.
يبقى البوح بكامل أسرار إسقاط الطائرة الروسية ينتظر حماقة إسرائيلية جديدة.