أنقرة وواشنطن وتذبذب المصالح.. بقلم: مصطفى محمود النعسان

أنقرة وواشنطن وتذبذب المصالح.. بقلم: مصطفى محمود النعسان

تحليل وآراء

الخميس، ١١ أكتوبر ٢٠١٨

ثلاث قضايا أثارت حنق وغضب أنقرة على حليفتها التقليدية الولايات المتحدة الأميركية، وعكَّرت صفو العلاقات بين الجانبين، الأولى: وقوفها ودعمها لحزب العمال الكردستاني و«قوات سورية الديمقراطية – قسد»، والثانية: فرض واشنطن عقوبات اقتصادية على أنقرة على خلفية محاكمة القس الأميركي أندرو برونسون الذي يخضع للإقامة الجبرية في منزله بتركيا لاتهامه بالارتباط بحزب العمال الكردستاني وجماعة «فتح الله غولن»، والثالثة: احتضانها للأخير، وموقفها السلبي الرافض لمطالب أنقرة بتسليمه إياها، وذلك بعد عملية الانقلاب الفاشلة واتهام المذكور بالوقوف وراءها والتخطيط لها.
الحق أن قضايا الخلاف هذه كانت الدافع لتركيا للتوجه نحو روسيا، ومحاولة توطيد العلاقات معها، ومحاولتها الحثيثة للحصول على منظومة صواريخ «إس 400» منها، والحق أيضاً أن هذا التوجه التركي نحو تعزيز العلاقات مع موسكو، كلما اضطربت علاقاتها مع واشنطن وساءت، شكل مثار «غيرة» لدى الجانب الأميركي، تجلى بمسعى لمد جسور الثقة من جديد من واشنطن كلما اعتراها الوهن وأصابها الفتور، وهو ما تمثل مؤخراً في الاتفاق على تسيير دوريات مشتركة أميركية تركية في مدينة منبج.
الهامش المشترك بين أنقرة وواشنطن المتمثل برغبتهما بديمومة الاحتلال لبعض الجغرافيا السورية، ساهم أيضاً العمل على توطيد العلاقات وترسيخها كلما اعتراها شيء من انعدام الثقة وتعكر المزاج، ما يعني حقيقة أن ما يجمع بينهما بحجم ما يفرق، وأن ما يربطهما بقدر ما يبعدهما في الوقت الحالي على أقل تقدير، إن لم يكن أكثر من ذلك بكثير.
نعم، إن تركيا شرقية الانتماء لكنها أميركية الهوى على وجه الخصوص، وغربية على وجه العموم، وما يؤكد ذلك عضويتها في حلف شمال الأطلسي، ومحاولاتها المتكررة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
إن ما يجمع أنقرة وواشنطن، رغم فتور العلاقات بينهما وأخذها منحىً عدائياً أحياناً، هو الشعور الانتهازي النفعي من الطرفين، وهو ما يعتبر جانباً غير أخلاقي في التعامل بين الدول مثلما هو بين الأفراد.
صحيح أن المصلحة ذات أهمية بالغة في العلاقات بين الدول، ولكن الصحيح أيضاً أن ثبات العلاقات مرهونٌ بأن يؤطر «المبدأ» المصلحة، ويقوم بتوجيهها لا العكس وهو ما يعني بشكل أو بآخر احترام كل بلد لحقوق البلد الآخر وتقديرها.
لذلك رغم المصالح الكبيرة بين الطرفين، ومنها الحرص على إدامة أمد الحرب في سورية وحماية الإرهابيين فيها، والحرص على الصداقة مع إسرائيل، إلا أن الفراق لابد أن يحل محل الوئام والوفاق في ما تلا من الأيام والسنين، فلا مستقبل للانتهازية الأميركية والتركية في ضوء تذبذب المصالح، ذلك أن الهوى الغربي والأميركي لأنقرة لا يمكن أن يكون أكبر وأكثر رسوخاً من انتمائها إلى الشرق، أو أن يتغلب عليه، فبعد تركيا عن روسيا مثلاً لا يتجاوز في أقرب نقطة بينهما مسافة 150 كيلو متراَ فقط، بينما تزيد المسافة بين العاصمتين أنقرة وواشنطن عن 8700 كيلو متراً، وعلى ذلك فقس، وإن أي خلل في نظام الحكم في تركيا، التي تؤكد المعطيات ولاسيما الاقتصادية منها، أنه ربما يكون غير بعيد كثيراً، سيعني هبوب وتحوّل الهوى لمصلحة الانتماء.
إن الماضي والحاضر، وشواهدهما الكثيرة تؤكد أن الحليف الإستراتيجي الوحيد للولايات المتحدة الأميركية التي تحرص واشنطن على عدم تشظي العلاقات معه لأي سبب كان، هو الكيان الإسرائيلي، لأنه بمعيار المصلحة والمنطق «الميكيافيلي» السائد في الولايات المتحدة، هو الراعي الأمين والمؤتمن على تحقيق المصالح الأميركية في المنطقة أياً كان الحاكم حزب الليكود أم حزب العمل، وأهم هذه المصالح جعل منطقة الشرق الأوسط عموماً، والعالم العربي خصوصاً دائمة الاضطراب كي لا تنعم بالراحة وتفكر تفكيراً عقلانياً يمكنها من تمييز الغث من السمين والنافع من الضار.
إن المصلحة الحقيقية لدول المنطقة تكمن في توطيد العلاقات بينها، وحل الإشكالات بالطرق السلمية، والسعي لإقامة تكتل شرق أوسطي من شأنه أن ينهي تحكم واشنطن والغرب، بمقدرات المنطقة وأهمها النفط.