الولايات المتّحدة وروسيا واستعجال الحل السياسي.. بقلم: عامر نعيم الياس

الولايات المتّحدة وروسيا واستعجال الحل السياسي.. بقلم: عامر نعيم الياس

تحليل وآراء

الخميس، ٢٩ نوفمبر ٢٠١٨

يحدِّد مستوى العلاقات الروسية الأميركية مسار الأزمات المتعددة التي تعصف بالعالم وعلى جميع المستويات، من الصراع على أوكرانيا، إلى مستقبل الحرب في سورية، ومستقبل القارة الأوروبية في ضوء المستجدات المتسارعة أمنياً وسياسياً، فضلاً عن الصراع على استقطاب دول العالم ضمن منظومات وتحالفات تتنافس على صيغة تغيير في نمط العلاقات الدولية قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل السياسي للدول في شؤون الدول الأخرى.
لا يبدو من مسار الصراعات الحالية في العالم أن القوتين العظمَيين في طور التوصل إلى حلول، لكن السؤال الأهم، وبغض النظر مؤقتاً، عن مسارات الصراع في القضايا ذات الطابع التنافسي الأمني والجيوسياسي بين البلدين، هو هل هناك رغبة لدى موسكو وواشنطن في التوصل إلى حلول؟ وماذا عن سورية بالتحديد؟
لا يمكن فصل ملف الحرب السورية، عن الملفات الأخرى التي تتحكم بالعلاقة الروسية الأميركية على المستوى الدولي، ومع أن البعض توقع أن يكون الملف السوري الأقل تعقيداً، ومؤسساً لنقطة تقارب روسية أميركية، قد تشكل بدورها أساساً لتخفيف حدّة التوتر في ملفات أخرى كأوكرانيا على أقل تقدير، إلا أن مجريات الأمور أثبتت عكس ذلك. ففي سورية تمّ تطوير التدخل الأميركي لينتقل من مستوى القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، إلى مستوى آخر يقوم على الآتي:
– الدفع باتجاه مفهوم لتسوية سياسية في سورية طويلة الأمد، هذه التسوية بطبيعة الحال تراعي المصالح الأميركية وتعمل على تحصيل مكتسبات لا تزال حاضرة في عقلية القادة الذين أداروا الحرب على سورية وفشلوا في إسقاط الدولة السورية، وهذا الأمر بدأت بوادره اليوم عبر الضغط وربط ملف اتفاق سوتشي حول إدلب، بمسار تشكيل اللجنة الدستورية والدفع لإيجاد حلٍّ سياسيٍ في البلاد في لحظة اندفاعة عسكرية للجيش السوري، وقدرة أكبر يملكها على الحشد والتمركز باتجاه آخر منطقة للجهاد العالمي في سورية.
– احتواء إيران في سورية، والعمل على ربط الوجود العسكري الأميركي في شرق الفرات بالوجود الإيراني، ومن ثم إدراج الأمرين في سياق التفاوض الأخير لإنهاء الحرب في سورية، مع تحييدٍ كاملٍ للوجود العسكري الروسي في سورية.
– التمسك باتفاق سوتشي في إدلب وتحويله إلى هدنة طويلة الأمد، بهدف تحقيق شرط وقف العمليات العسكرية بشكل نهائي للجيش العربي السوري على الأرض، وشراء الوقت بانتظار ما يمكن أن يقدّم سياسياً في سياق المفاوضات.
أما روسيا التي تتلاقى حتى اللحظة مع أوروبا والولايات المتّحدة حول هدف الحفاظ على اتفاق سوتشي، مع اختلاف مسببات الحفاظ عليه، وأهمها الصراع على تركيا في سورية، فهي تحاول استنفاد السبل في ملف إدلب سياسياً، ذلك الملف الذي يشكّل هاجس الغرب حالياً، فضلاً عن الحفاظ على مسار أستانا الذي يشهد اجتماعاً جديداً حالياً، يشكل اتفاق سوتشي وخروقاته أحد أهم الموضوعات المطروحة على جدول أعماله، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن إمكانية توجّه منظّمة حظر السلاح الكيميائي، بطلب من الحكومة السورية، للتحقيق في الاعتداء بالغازات السامة على المدنيين في حلب، تطورٌ مهمٌ يجب أخذه في الحسبان في إطار لعبة تصنيع الملف الكيميائي التي تشكل أحد أهم مرتكزات الوجود والتدخل العسكري الغربي المحتمل في سورية.
لكن على الرغم من التقاء المصالح في التهدئة القائمة حالياً، إلا أنه لا يبدو أن الاستعجال في التوصل إلى حل، تحوّل إلى هاجسٍ لدى الدول الكبرى الموجودة على الأرض السورية، وغالباً ما تكون البدائل المحتملة للحل أسوأ من الوضع القائم أو تشكل مخاطر جديدة لا يمكن أن تتم إدارتها في الوقت الحالي، وخاصةً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما هو مطروح أميركياً لمستقبل سورية، سواء لجهة الملف الكردي الذي يشكل قاعدة ارتكاز كبرى للمشروع الأميركي في سورية، أم لجهة ملف تمويل إعادة الإعمار على اعتباره أحد أهم أسلحة الضغط التي تستعمل للابتزاز في ما يخص الحلّ السياسي في سورية، هذا الحل الذي لا يزال اليوم بعيداً عن وجهة النظر السورية الروسية، ويعمل على تقويضها في سورية، بطريقةٍ أو بأخرى، وفق المرتكزات الأميركية التي مرّ ذكرها.
إن التعاون الروسي التركي في سورية، وتفضيل موسكو لأنقرة على واشنطن، في إدارة المشهد السوري حالياً، دليلٌ إضافي على الهوة التي تفصل بين واشنطن وموسكو في سورية، شأنها شأن الساحات الأخرى، ولعل ما تشهده أوكرانيا حالياً يشير إلى شكل العلاقة بين الدولتين ونمط الحلول المتوافرة، فالتوتر الحالي لا يبدو أنه سيخرج عن السيطرة، لكن الحل في أوكرانيا بعيدٌ عن التداول، وربما الحفاظ على الوضع الحالي في الدونباس، وفي بحر آزوف، يشكل أمراً من الممكن التأقلم معه حالياً.